طلعت علينا الصحف مؤخراً بأخبار مشروع جديد للتوطين، قدمته المحامية اليهودية الأمريكية دونا آرزت، وتبناه مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة وطاف به على الدول العربية ليقنعها بهذا الحل لمشكلة اللاجئين.

وهذا المشروع هو الأخير في مسلسل مشاريع التوطين التي بدأ تاريخها بتاريخ الصهيونية في فلسطين. وكما شغلت "المسألة اليهودية" ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية شغلت"المسألة الفلسطينية" فكر الصهيونية منذ نشوئها وخلال 100 عام تلت، وضعت خططاً لحلها، أي الخلاص من الشعب الفلسطيني بالطرد والترحيل والمذابح والحرب والحصار الاقتصادي والتوطين خارج فلسطين.

(1)التوطين: الوصفة المزمنة لنهاية الشعب الفلسطيني

سياسة الترحيل والتوطين من أعمدة الفكر الصهيوني الثابتة

كان الترحيل والتوطين خارج الوطن، ولا يزال، من أعمدة الفكر الصهيوني الثابتة. نادى به هرتزل إذ كتب في 1985/6/12:"سنحاول طرد المعدمين خارج الحدود بتدبير عمل لهم هناك وفي نفس الوقت سنمنعهم من العمل في بلدنا". وفي نيسان عام 1905 قال إسرائيل زانغويل:" يجب أن نستعد لطرد هذه القبائل العربية بالسيف مثلما فعل أجدادنا". وعندما بدأت الهجرة الصهيونية الروسية الأولى وأنشئت المستعمرات "الكيبوتز" تمسكت الصهيونية بالثوابت الآتية: الأرض التي يحصلون عليها لا تعود ملكيتها للعرب بأي حال، وتبقى ملكاً للشعب اليهودي في كل مكان. ويمنع العمال العرب من العمل على هذه الأرض، ولا يتم التعامل الاقتصادي مع العرب. وبعد الحرب العالمية الأولى قدم وايزمان وأرونسون اقتراحاً إلى مؤتمر السلام بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية وطرد العرب منها بالقوة، وإسكانهم على ضفاف دجلة والفرات الخصبة. وفي عهد الانتداب كان صوت جابوتنسكي هو المعبر الحقيقي عن الأفكار الصهيونية الخاصة بترحيل الفلسطينيين إذ قال في تشرين الثاني 1939"ليس هناك خيار. يجب أن يخلي العرب المكان لليهود في أرض إسرائيل...شكراً لله فنحن اليهود لا ننتمي إلى الشرق...لذلك يجب أن نكنس الروح الإسلامية من أرض إسرائيل". لقد أدت أفكار جابوتنسكي إلى تكوين عصابة الأرغون"ايتسل" التي تزعمها مناحيم بيغن فيما بعد، وعصابة شتيرن"ليحي" التي تزعمها إسحاق شامير فيما بعد. كان جابوتنسكي ينطق بوضوح ما كان يخفيه بن غوريون وجماعة العمل.

لكن يوسف وايتز، زميل بن غوريون ونهّاب الأراضي، والذي تزعم أول لجنة للترانسفير في الأربعينات قال:" نريد فلسطين بدون عرب".

النكبة

وفي الفترة الواقعة بين 1947/11/29 ( قرار تقسيم فلسطين ) إلى تموز 1949 تاريخ توقيع آخر اتفاقية هدنة مع سوريا، تحقق لإسرائيل ما كانت تخطط له منذ سنوات طويلة. لقد نفذت بالقوة العسكرية عملية طرد الفلسطينيين من بلادهم تحت ستار الدفاع عن النفس، وأصبح بذلك 805,000 من سكان فلسطين لاجئين، وهم سكان 531 قرية ومدينة، وأراضيهم تمثل 92.6% من إسرائيل. هذه الكارثة الكبرى التي عرفت باسم النكبة"الهولوكوست الفلسطيني" ليس لها نظير في التاريخ الحديث، إذ لم يحدث من قبل أن غزت أقلية أجنبية أكثرية وطنية واحتلت أرضها وطردتها من ديارها بدعم مالي وسياسي وغطاء شرعي دولي من الخارج.

ولتغطية آثار هذه الجريمة أقنعت إسرائيل الغرب بأن هؤلاء اللاجئين مشكلة عربية لأن العرب هم الذين اعتدوا على إسرائيل وأن اللاجئين خرجوا طوعاً أو بأوامر عربية، وأن مسؤولية إيوائهم وتوطينهم تقع على عاتق الدول العربية. وبعد أربعة عقود كشفت الملفات الإسرائيلية في أبحاث موريس وبابي وسيغيف وفنكلشتين، ما يؤكد ما كان يقوله مئات الآلاف من اللاجئين طوال كل تلك السنوات، وشاء الغرب أن يصم أذنيه عن سماعه.

وبعد النكبة وطرد اللاجئين، بدأت المحاولات لإضفاء العقلانية على هذا الطرد باعتباره أمراً واقعاً يجب التسليم به ووضع الحلول له. في عام 1949 صدرت دراسة عن المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، قامت بها السيدة ثيكنس تقترح فيها توطين اللاجئين في سوريا والعراق وشرق الأردن، وتستثني لبنان لأنه "مكتظ بالسكان وتركيبته معقدة". وحتى عام 1967 ظهرت دراسات متعددة وخطط جدية للتوطين خارج فلسطين منها مشروع جونستون لتوزيع المياه العربية (1954 - 1957) الذي كان يهدف إلى تخصيص جزء من مياه نهر اليرموك والأردن لتوطين الفلسطينيين في الضفة الشرقية من النهر. وحاولت تلك المشاريع استعمال الأونروا أداة لهذا التوطين فقاومها اللاجئون بالإضرابات وتحطيم مكاتب الوكالة. وطوال هذه المدة استمرت إسرائيل في عملية الترانسفير. في 1950/9/2 اقترف مجرم الحرب شارون قائد الوحدة 101 مذبحة في حق عرب العزازمة. كما حدثت مجزرة أخرى في العرقوب بحق عرب العتايقة، وطرد نصف سكان النقب الباقون من ديارهم إلى الأردن ومصر. وكذلك طرد سكان المجدل الذين رفضوا النزوح على يد موشي ديان. واعتبر الفلسطينيون الباقون في ديارهم أسرى حرب تحت الحكم العسكري من 1948 - 1966 وصودرت ثلثا أملاكهم (ولا تزال المصادرة مستمرة). وكشفت الأبحاث الجديدة أن غرض مذبحة كفر قاسم هو طرد ما تبقى من الفلسطينيين في إسرائيل في عملية هافارفيريت. وفي أعوام 1953 - 1958 وضعت خطة لتوطين اللاجئين في ليبيا بمبادلة بعض أملاك اليهود في شمال أفريقيا مقابل هجرة هؤلاء إلى إسرائيل. كما وضعت خطة لتوطين اللاجئين في العريش، وتسليم قطاع غزة لإسرائيل.

لقد أوضح نور مصالحه بجلاء، في كتابيه الهامين عن عمليات الترحيل والتوطين قبل 1948 وبعدها، تلك الخطط الثابتة في الفكر الصهيوني معتمداً في الغالب على مصادر إسرائيلية. وكما أن خطط الترحيل والتوطين من الثوابت الصهيونية فإنه مما لا شك فيه أيضاً أن اللاجئين رفضوا وقاوموا كل مشاريع التوطين على مدى 05 عاماً ولا توجد بادرة، رغم الضغوط والإحباط والهزائم، على أن هذا الوضع سيتغير.

التوطين بعد 1967

أما بعد حرب 1967 فقد تغيّر الوضع والأسلوب وحجم المشكلة. فقد زاد عدد اللاجئين فبعضهم كان لاجئاً وهاجر للمرة الثانية، وبعضهم طرد من وطنه في الضفة وغزة فأصبح نازحاً. وتضاعفت مساحة الأرض العربية المحتلة عدة مرات وإزاء شعور الإسرائيليين بالانتصار أمعنوا في سن القوانين التي تتحايل على استيلاء الدولة على أراضي اللاجئين في إسرائيل، وكانت إسرائيل تتعامل مع هذه الأراضي بحذر ترقباً لتسويةو صلح أو حرب. وبينما أصبحت مشكلة اللاجئين مشكلة متفاقمة، ازداد إصرار إسرائيل على إيجاد حل لها على حساب العرب واللاجئين أنفسهم. وفي العقدين التاليين لعام 1967 صدرت عشرات الدراسات لمؤلفين ومخططين يهود بجنسيات إسرائيلية وأمريكية وغيرها. وهي تتراوح بين الجاد والعنصري، لكنها كلها تعتمد على العناصر الآتية زادت أو نقصت:

الفلسطينيون ليسوا شعباً، ولكنهم مجموعة من العرب يمكنهم العيش في بلاد العرب الواسعة. أرض الفلسطينيين ليست فلسطين، فهذه أرض إسرائيل. الفلسطينيون عرب رحّل ليس لهم ارتباط بالأرض، مثلنا نحن اليهود. وهم لا يحسنون تطويرها ولا حتى الدفاع عنها، فهم لا يستحقونها. ومن الأجدر أن تبقى في حوزة شعب حضاري مثل اليهود (لا يذكرون من أي قطر أتى هؤلاء اليهود الحضاريون). لم يُطرد الفلسطينيون من فلسطين، وإنما خرجوا بأوامر عربية، ولذلك تقع على العرب مسؤولية إيوائهم. قرارات الأمم المتحدة عن حق العودة غير ملزمة وغير ممكنة على أي حال لأن البلاد معبأة باليهود. وقد زالت معالم القرى العربية. لن يستطيع أحد تنفيذ هذه القرارات. نحن اليهود كشعب حضاري نؤيد مساعدة اللاجئين إنسانياً بتوفير الغطاء والغذاء لهم بدعم اقتصادي من البلاد العربية الغنية وأوروبا، وتوطينهم في أي مكان من العالم عدا وطنهم. ولا مانع أن يكون لبعضهم داخل حدود إسرائيل الكبرى نوع من الحكم الذاتي لتسيير شؤونهم المدنية.

لا تخلو دراسة أو مشروع للتوطين من كل هذه المبادئ أو معظمها، وتسوّق هذه المشاريع لدى الإدارة الأمريكية وأوروبا على هذا الأساس. والنتيجة الطبيعية لهذه القواعد اعتبار أن ترحيل هؤلاء الناس أو عدم الاعتراف بحقوقهم لا يمثل إجحافاً بهم، لأنهم ليسوا شعباً وليس لهم وطن، وأن تشريدهم والقضاء عليهم كشعب ليس فيه ما يشعر الضمير الحضاري بالعار. ومن هنا فإن الفجوة بين هذه الأفكار النازية العنصرية وحقوق الشعب الفلسطيني وآماله تزداد اتساعاً.

لنختزل مشاريع التوطين المتعددة التي يقترحها متعاطفون مع إسرائيل ومنهم دون بيرتز، الذي يكتب عن هذا الموضوع دون توقف منذ الخمسينات تحت اسم مؤسسات أمريكية، وأدلمان الذي يؤكد على ضرورة المعاملة الإنسانية للاجئين بتوفير المساعدة والحماية لهم"في موطنهم الجديد". ومارك هيللر المحلل في معهد جافي للدراسات الاستراتيجية، الذي يوطن اللاجئين في الخارج ويتكرم بالسماح لجزء منهم بالعودة إلى الضفة وغزة في دويلة عاجزة. شلومو غازيت الجنرال الإسرائيلي الذي خلع بدلته العسكرية ليقدم نفس الأفكار ويضيف أن موطن تلك الدويلة هي الضفة بعد انتزاع الآتي منها: نهر الأردن، والمناطق العسكرية والمناطق التي تقع تحتها الطبقات الحاملة للمياه والمناطق الخالية والمناطق المرتفعة والمهمة استراتيجياً وشبكة الطرق الحيوية والقدس الكبرى والباقي مبروك على الدويلة.

دونا آرزت

نختزل هذه المشاريع ونركز على الطبعة الأخيرة منها. ذلك هو المشروع الذي قدمته دونا آرزت وتبناه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. والأخير مؤسسة أمريكية تعنى بالشؤون الخارجية من وجهة نظر أمريكية، وأعضاؤه شخصيات مهمة في الاقتصاد والسياسة والحرب، وبعضهم كانت لهم مناصب رسمية. وله لجنة فرعية تعنى بالشرق الأوسط من أعضائها شخصيات عربية. وتأتي للمجلس معونات مالية، منها معونات عربية، ويوجد عدد كبير من اليهود العاملين في المجلس.

أما دونا آرزت فهي يهودية أمريكية من أصل روسي تدرّس الحقوق في جامعة سيراكيوز وهي عضو في جمعيات إسرائيلية عديدة، وكانت ناشطة في تأمين هجرة الروس إلى إسرائيل، كما أنها نشرت أبحاثاً عن المنشورات ذات الطابع المحرض ضد السامية، وعن إزالة النازية، كما أنها مستشارة قانونية لجمعية الشاذين من طلبة الحقوق.

عنوان كتابها مشوّق ومثير"من لاجئين إلى مواطنين: الفلسطينيون ونهاية الصراع العربي الإسرائيلي". وتتأسف آرزت على معاناة الفلسطينيين خلال نصف قرن، وتقدم الوصفة الناجعة لإنهاء آلام المريض بالقضاء عليه بطريقة إنسانية، فهي توزع الفلسطينيين على الدول العربية والعالم بعد أن تستوعب الضفة أقل عدد ممكن حتى لا يسبب ذلك الإزعاج لإسرائيل. وحتى لا يشعر الفلسطينيون بالغربة في آلاسكا مثلاً فإنها تقرر أنهم جميعاً يستحقون جوازاً فلسطينياً بجانب أي جنسية أخرى يحملونها، وذلك كله بشرط أساسي وهو مربط الفرس. ذلك الشرط هو أن يتخلى الفلسطينيون نهائياً وتماماً عن حقوقهم ومطالبهم خلال فترة زمنية قصيرة، مقابل تعويضات يدفعها العرب والعالم لهم، ومقابل تعويضات أكبر منها تدفع لليهود الذين خرجوا من بلاد عربية ليسكنوا في ديار اللاجئين. وبذلك تبقى الأرض الفلسطينية ملكاً خالصاً شرعياً لإسرائيل وتطير حمائم السلام سعيدة فوق إسرائيل وألاسكا. لا تكتفي المؤلفة بعرض هذا المشروع النازي ببرود أعصاب، بل تلجأ إلى التزوير لتمرير خطتها الجهنمية. تقتبس المؤلفة" جدول 4/1 صفحة 88" أرقاماً عن عدد الفلسطينيين في العالم من مكتب الإحصاءات الأميركي. وبالرجوع إلى هذا المصدر، يتضح أن العدد المذكور يغطي البلاد العربية فقط ولا يشمل العالم. لكن هذا لا يهز لها شعرة. فهي تعمد إلى عدد الفلسطينيين في البلاد العربية عدا دول الطوق، وتقسمه إلى نصفين: تضع نصفاً في تلك البلاد العربية والنصف الآخر في دول العالم. هذا التزوير مفيد، خصوصاً وأن التقدير الأميركي منخفض أصلاً، وهذا يجعل أرقام المرحّلين مقبولة أكثر.

ولكي تخفي المؤلفة بشاعة خطة الترانسفير فهي تقفز قفزتين: الأولى في الزمن من 1995 إلى 2005. والثانية في المكان من مكان اللجوء الحالي إلى مكان الترحيل الجديد، وتدمج الفقرتين حتى لا تتضح معالم الجريمة.

لقد فصلنا هاتين المرحلتين وبينا النتيجة في الجدول المرفق. العمود الأول يمثل الوضع النهائي كما تضعه المؤلفة اليهودية. ولكي تصل إلى هذا الوضع، يجب ترحيل اللاجئين كما هو في العمود الثاني: الترحيل من البلد مبيّن بين قوسين، والترحيل إلى البلد بدون قوسين. أما العمود الثالث فيمثل عدد اللاجئين المطلوب توطينهم ومنحهم الجنسية في البلاد المشار إليها مقابل كل رقم وتفصيل ذلك كما هو آت بيانه.

غزة: ترى المؤلفة أن اكتظاظ قطاع غزة مصدر قلق لإسرائيل ولذلك يجب إزالته. مثلاً كثافة معسكر الشط شمال غزة 80,000 شخص. وتقضي خطتها بترحيل 690,000 من غزة. ولكن إلى أين؟ إلى مواطنهم في المجدل والمسمية واللد والرملة؟ لا هم يطيرون فوق هذه الديار دون أن يطأوا أرضها ليستقروا في الضفة، المقرر لها استيعاب 844,000 شخص جديد.

الأردن: تقرر المؤلفة أن عدد 2,000,000 فلسطيني (عام 2005) في الأردن كاف ومناسب، بعد توطينهم توطيناً كاملاً هناك. ويتبقى لديها فائض 375,000 ماذا تفعل بهذا الفائض؟ لا تزال الضفة تستطيع استيعاب 140,000، فلينتقل هؤلاء إن لم يكن إلى أوطانهم فإلى القرب منها على الأقل والباقي 253,000 أين يذهبون؟ سترحلهم أرزت إلى ألاسكا وأشباهها. ونسأل: كيف يعود 140,000 لاجئ فقط من الأردن إلى فلسطين، مع أن النازحين فقط يصل عددهم إلى 800,000؟ التفسير واضح مثلما خففت المؤلفة من عدد الفلسطينيين في غزة، ستفعل الشيء نفسه في الضفة، وذلك حتى لا يسبب ذلك إزعاجاً لإسرائيل، وحتى تبقى المنطقة المحيطة بإسرائيل مخلخلة سكانيا، وتقوم بدور الحاجز بين إسرائيل ودول الطوق.

لبنان: لبنان يشغل بال المؤلفة كثيراً، لقرب اللاجئين من موطنهم في فلسطين، ولوجود المقاومة اللبنانية العتيدة، ولأن اللاجئين في لبنان أكثرهم سخطاً على أحوالهم، وأقدرهم على التعبير السياسي بحرية، وأقلهم قيوداً لذلك ترى أنه يجب تفريغ لبنان من الفلسطينيين الذين تقدرهم بـ 375,000 عام (2005). من هذا العدد سترحل 300,000 إلى أنحاء العالم والباقي (75,000) تكرمت بتوطينهم في لبنان. لماذا هذا الرقم السحري (75,000) الجواب في الفقرة التالية.

خطة دونا آرزت للتنظيف العرقي تحليل ديموغرافي للخطة والمناطق المطلوب ترحيل اللاجئين منها وإليها. "السكان المفقودون" هو رقم أسقطته آرزت من حسابها

مكان اللجوء تقدير آرزت 1995 تقدير آرزت 2005 الترحيل من ترحيل إلى الضفة الغربية ترحيل إلى بلاد عربية ترحيل إلى الخارج توطين
اسرائيل 840,000 1,075,000 14,087- 14,087     1,075,000
قطاع غزة 880,000 450,000 690,948- 690,948     450,000
الضفة الغربية 1,200,000 2,400,000         1,555,838
الأردن 1,832,000 2,000,000 375,246- 139,127 141,671 94,447 2,000,000
لبنان 372,000 75,000 407,310-   215,874 191,436 75,000
سورية 352,100 400,000 56,509-   28,254 28,254 400,000
دول عربية أخرى 446,600 965,000         579,031
دول أجنبية 452,000 900,000         586,032
المجموع 6,374,700 8,265,000 1,544,099- 844,162 385,799 314,137 6,720,901
السكان المرحلون           1,544,099 6,720,901
السكان المفقودون             1,129,610
مجموع الفلسطينيين 840,000           9,394,610

تتلخص الخطة في توطين 3,640,000 موجودين خارج فلسطين وترحيل 1,544,000 ثم توطينهم في البلاد العربية والعالم مناصفة، وبذلك يبقى 2,850,000 في الضفة وغزة، و1,000,000 في إسرائيل وهناك عدد أهملته الخطة (1,640,000) مصيره مجهول.

إسرائيل: تحتفظ المؤلفة لإسرائيل بأخف الأعباء وأقل أعداد العائدين وأصعب شروط الدخول. فهي تساوي إسرائيل بلبنان من حيث إنها تطلب منها توطين 75,000 فقط ليعودوا إلى قراهم الأصلية في الجليل. وتضع شروطاً تعجيزية لدخولهم: أن يكون لهم أقارب من الدرجة الأولى وألا يكون لديهم مشاعر معادية لإسرائيل... الخ وإذا رفضت إسرائيل دخولهم يمكنهم الاستئناف لدى لجنة دولية، ولا يتناسب مع سقم هذا الاقتراح إلا عنصرية صاحبته.

وتنسى المؤلفة أن تذكر لقرائها أن ترومان، المؤيد الأول لإسرائيل، أصر عام 1949 على أن تعيد إسرائيل 300,000 لاجئ "أي 2,400,000 الآن في تاريخ خطة المؤلفة" وهم سكان الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل بالقوة زيادة عن خطة التقسيم (24% من فلسطين). كان إصرار ترومان شرطاً لموافقة أمريكا على قبول إسرائيل في الأمم المتحدة. ولما تأكدت إسرائيل أن أمريكا جادة في موقفها وافقت على إدخال 100,000 لاجئ. ولما تمت الموافقة على عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة خفضت إسرائيل الرقم إلى 65,000 باعتبار أن 35,000 سبق أن"تسللوا" إلى ديارهم، ووضعت شروطاً تعجيزية للباقي حسب ما يعرف بـ"لم الشمل".

فأين اقتراح المؤلفة بعودة 75,000 من مطالبة ترومان حامي إسرائيل بعودة 2,400,000 في نفس التاريخ؟ ولماذا تغفل المؤلفة أن تذكر لقرائها إن عدد 75,000 يساوي فقط 9000 لاجئ عام 1948. ولماذا تعمد إلى تزوير الأرقام؟ فالتحليل المفصل لأرقامها يبين أنها تود ترحيل 14,087 (انظر العمود الرابع في الجدول) من إسرائيل بدلاً من عودة 75,000 إليها.

سوريا: ترى المؤلفة أن اللاجئين هناك يعاملون معاملة السوريين وأن سوريا بلد كبير. ولذلك تقترح توطينهم هناك عدا عدد رمزي (60,000) سترحلهم إلى ألاسكا وأشباهها.

ألاسكا وأشباهها: هذا كناية عن البلاد التي تريد المؤلفة إبعاد اللاجئين إليها بحيث يكونون أبعد ما يكون عن إسرائيل. وخلاصة الخطة أنها تريد ترحيل 1,544,000 من أماكن في فلسطين أو قربها. وتجد مكاناًُ لـ 844,000 في الضفة، والباقي (700,000) تريد ترحيل نصفهم إلى الجزيرة العربية ونصفهم الآخر إلى بلاد أخرى في أنحاء العالم. هذا حسب أرقامها. أما حسب تقديرنا فإنها تريد ترحيل 2,593,000، منهم 950,000 إلى الجزيرة العربية والعالم مناصفة والباقي (1,643,000) أمرهم مجهول. وربما يمثل هؤلاء نسخة القرن الواحد والعشرين من"الهولندي الطائر" الذي لا يسمح له بالرسو في أي ميناء ويقضي عمره هائماً على وجهه.

هذا ليس كل شيء، فلا يكفي أن تحتفل المؤلفة بمرور خمسين عاماً على النكبة بأن تخترع لهم نكبة جديدة وترحيلاً جديداً إلى أقصى المعمورة، بل تطلب توطين الفلسطينيين الموجودين حالياً حيث هم: وتقدرهم بـ 580,000 في الجزيرة العربية و590,000 في أنحاء العالم الأخرى. أي يستقر حوالي مليوني فلسطيني حيث هم في الجزيرة والعالم وكم يعود من اللاجئين إلى ديارهم؟ لا أحد.

الدور الأمريكي

وحيث أن الفارق بين الخطـــط الصهيونيـــة والسياســة الأمريكية معدوم، فقد زار في آذار الماضي (1997) وفد من مجلس العلاقات الخارجية ومن مجلس النواب الأمريكـــي عدداً من البـــلاد العربيـــة وخصوصـــاً الخليــج، يقترح على كل منها توطين 35,000 فلسطيني سنوياً في كل دولة (وهو يبدو رقماً صغيراً) لمدة 1 سنوات، لكن حاصل الضرب يصل إلى ما مجموعه 2,100,000 أي ما يطابق خطة المؤلفة اليهودية.

وقد أصدر مجلس الجامعة العربية في 1997/12/30 (الدورة 107) قرار برفض التوطين وأصر على تطبيق حق العودة حسب القرار 194 وطلب إحياء لجنة التوفيق في فلسطين التي لا تزال مكاتبها مفتوحة ومهمتها قاصرة عن الإنجاز. كما اصدر مجلس التعاون الخليجي في 1997/7/6 قراراً برفض اقتراح مجلس النواب الأمريكي بتوطين اللاجئين في بلادهم (والأخير أصدر أيضاً قراره بأن القدس عاصمة إسرائيل) ورفض الفلسطينيين للتوطين يطابق رفض الدول العربية له، وهذا من مظاهر الوحدة العربية النـــادرة.

أليس من الأجدى لهذه الباحثة أن تسخر العلم لخدمة الإنسانية بدلاً من تكريس العنصرية؟ أي فرق بين القطارات النازية التي كانت تأخذ اليهود وغيرهم إلى الهلاك خلال الحرب العالمية الثانية، وبين الطائرات التي تقترحها المؤلفة لترحيل الفلسطينيين إلى أي مكان في العالم عدا وطنهم؟ ألم تتعلم الباحثة وغيرها من الصهاينة خلال خمسين سنة مضت أن الفلسطيني، وليس اليهودي، هو الذي ليس له وطن ولا يرضى بوطن إلا فلسطين؟ وكم من المذابح والتشريد والحروب يلزم لأدعياء الحضارة والعلم لإقناعهم بحقيقة إنسانية بسيطة: أن لكل إنسان حقًّا في أن يعود إلى بيته؟.

(2) العودة ممكنة وضرورية للسلام

بينما تصر إسرائيل على عدم إضفاء أي بارقة أمل في عودة اللاجئين إلى ديارهم، يلجأ الكتاب اليهود الإسرائيليون والأمريكيون إلى وضع العراقيل العملية أمام العودة. وبينما تريد إسرائيل الاحتفاظ بالأرض الفلسطينية التي تبلغ 92.6% من مساحة إسرائيل، يواجه الكتاب المتعاطفون معها الحقوق القانونية والتاريخية للفلسطينيين بقائمة طويلة من التشكيك والمعوقات والمجادلات التي تعرقل تحقيق العودة تحت غطاء الحياد العلمي والبحث المجرد. ذلك لأن هؤلاء الكتاب لا يستطيعون إنكار هذه الحقوق مثل إسرائيل التي تنكرها وتمنعها بالقوة المسلحة، ولأنهم يعيشون في الغرب ويخاطبونه فهم يلجأون إلى أسلحة العلم والقانون لمحاولة إلقاء ظلال الشك على تلك الحقوق. والغريب أن واحداً أو اثنين من الكتاب الفلسطينيين في أمريكا قد تبنى هذه المقولة الخادعة.

يقول المشككون أن قرار 194 القاضي بحق العودة هو قرار غير ملزم وهو توصية لها طابع إنساني فقط. لكن إصرار المجتمع الدولي على تأكيد هذا القرار 135 مرة دون توقف خلال خمسين عاماً باستثناء إسرائيل، وانضمت إليها أمريكا أخيراً، إنما هو شهادة قاطعة بالإجماع الدولي على ذلك. وفي القرار 3236 الصادر في 1974 أكدت الأمم المتحدة أن العودة حق من الحقوق"غير القابلة للتصرف"، بل وحثت الدول على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني بما في ذلك السلاح للحصول على هذه الحقوق.

ويقول المشككون أيضاً أن معظم اللاجئين لا يرغب في العودة، وأنهم لو أعطوا تعويضاً مناسباً واعترافاً بالمعاناة التي مروا بها وجنسية أو جوازاً يتنقلون به، لتنازلوا عن حق العودة، وأغلق هذا الملف إلى الأبد. والذي يقول ذلك ليست لديه أية معرفة بالشعب الفلسطيني وحقيقة مشاعره. ومثله مثل الذي قال: عندما يموت الطاعنون في السن الذين يذكرون فلسطين ستنتهي تلك القضية. أين هذا القول من الانتفاضة؟ لقد حافظ الشعب الفلسطيني على كيانه العضوي عبر بلاد عديدة رغم التمزق الجغرافي. ولا يزال حفيد اللاجئ يقول أنه ينتمي إلى القرية التي نزح منها جده. ورغم أنه لا توجد دراسات إحصائية كثيرة عن نسبة اللاجئين الذين يرغبون في العودة، لأنه ليست هناك حاجة إليها، فإن كل الظواهر تدل على رغبة الأغلبية الساحقة في العودة إلى الوطن. ورغم أن هناك قيوداً ومحاذير على التعبير عن الرغبة الحقيقية للاجئين، إلا أن مسحاً أجري في أحد البلاد العربية التي تعامل اللاجئين معاملة جيدة، بين أن 80% يرغبون في العودة دون شروط، 13% يرغبون في الهجرة إلى أوروبا وأمريكا،و 7% فقط يرغبون في البقاء حيث هم. هذا المسح تم بين أصحاب المهن القادرين على مزاولة مهنهم في أي مكان، وكان ذلك بعد اتفاقية أوسلو وما تلاها من إحباط عام.

والشيء الذي يغيب عن هؤلاء المشككين هو أن العودة"حق" وليس رخصة أو تأشيرة سياحية تفقد مفعولها بعد زمن. ويحق لكل لاجئ أن يمارس هذا الحق متى شاء. ولا يسقط بالتقادم. ولا علاقة له برغبته في العودة أو ممارستها في وقت ما. ولا نحسب أن الأتراك في ألمانيا، واللبنانيين في الأمريكتين، واليونانيين في كل بلاد العالم يفقدون حقهم في العودة إلى بلادهم لو عاشوا في تلك البلاد سنوات طويلة ولو أخذوا جنسيتها. ويكفي مراجعة تقارير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين على مدى خمسة عقود لنرى كيف يبدو إصرار اللاجئين على العودة إلى الوطن كما شهدته الوكالة عن قرب.

ويقول المشككون أيضاً أن القرى دمرت والحدود ضاعت والمعالم تغيرت. ومن الصعب معرفة الحدود والأماكن وواضح أن القائلين بذلك يجهلون حال فلسطين. لا يوجد بلد في المشرق العربي موثق مثل فلسطين. لقد عملت لها خرائط منذ حملة نابليون في 1799، وعلى يد صندوق اكتشاف فلسطين (1871 - 1878) الذي سجل 15,000 اسم قرية ومكان على الخرائط. وأثناء الانتداب (1920 - 19481) تم إعداد خرائط مفصلة لكل فلسطين بمقياس 100,000: 1و 20,000و 1,250، تحتوي على 100,000 اسم.

وقد استعملت إسرائيل هذه الخرائط وطورتها. وعندما استولت على الأرض الفلسطينية ووزعتها بالإيجار على المستعمرات، احتفظت بسجل كامل لكل قطعة أرض ومصدرها وصاحبها الأصلي ومستأجرها الحالي. كما قامت بريطانيا في الفترة 1945 - 1946 بتصوير جوي كامل لكل فلسطين لا يزال موجوداً. كما أن مقارنة صور الأقمار الصناعية بالخرائط الفلسطينية كفيل بتحديد كل قطعة أرض مهما صغرت. وتحتفظ الأمم المتحدة في ملفات لجنة التوفيق في فلسطين بسجلات الأراضي للفلسطينيين الأفراد الذين تم تسجيلهم في عهد الانتداب. وأعتقد جازماً أن تحديد الأرض الفلسطينية والأرض الواقعة تحت حيازة اليهود عام 1948 لا يمثل مشكلة فنية يصعب حلها.

وللتخلص من حق العودة والتعويض معاً تطلق إسرائيل بالونات اختبار عن طريق المشككين والأكاديميين اليهود المتعاطفين معها. وذلك باقتراح أن تصدر إسرائيل إعلاناً"بأسفها" على المعاناة التي تحمّلها الفلسطينيون مقابل أن يعترف الفلسطينيون بأن تحقيق العودة"مستحيل" والتعويض من إسرائيل غير وارد. وحتى لا يعتبر هذا الإعلان اعترافا بمسؤولية إسرائيل يصدر الإعلان على شكل قرار من الأمم المتحدة توافق عليه إسرائيليين البلاد، ويلغى القرار 194 إلى غير رجعة.

ولا يجد هذا التفكير أي صدى لدى اللاجئين رغم التشريد والحروب والإحباط. لكن أفكاراً قريبة من ذلك تبناها الكاتبان رشيد الخالدي وأحمد سامح الخالدي تدعو إلى اعتراف إسرائيل الرمزي بحق العودة من حيث المبدأ، واعتراف الفلسطينيين بالمقابل بأن تحقيق العودة"مستحيل" عملياً إلا في حدود لمّ الشمل. وهذه آراء شخصية. رغم أن الدوريات الأمريكية والإسرائيلية أولتها اهتماماً كبيراً. وأصدر خليل الشقاقي وجوزيف ألفر ( ضابط الموساد السابق ) تقريراً بهذا المعني.

أما الحجة التي تبدو مقنعة، فهي أن البلاد قد امتلأت باليهود وأن عودة اللاجئين معناها ترحيل اليهود من البلاد التي جاءوا منها. هذه الحجة لا تستند على أساس كما سيأتي بيانه.

خطة العودة

نبدأ بتحديد المشكلة: عام النكبة (1948) احتلت إسرائيل 78% من فلسطين بيانها كالآتي: أ – 1,682 كم2 (6% من مساحة فلسطين) مساحة الأرض الواقعة تحت الحيازة اليهودية سواء بالشراء أو الامتياز أو التأجير"نصفها فقط مسجل". ب – 1,465 كم2 مساحة أرض الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل، وقد تمت مصادرة ثلثاها. ج - 17,178 كم2 أو 85% من مساحة إسرائيل، مساحة الأرض التي طرد منها أهلها وأصبحوا لاجئين.

وفي عام النكبة طرد 805,000 مواطن فلسطيني من ديارهم، أو ما يمثل 85% من سكان الأرض التي احتلتها إسرائيل. أصبح عددهم الآن 4,600,000 (عام1995).

والعجيب أنه رغم مرور ما يقرب من نصف قرن، لا يزال التوزيع السكاني لليهود من توزيعهم كما هو عام 1948. اليوم تقسم إسرائيل إلى 41 إقليماً طبيعياً (أنظر الخريطة)

المنطقة (أ) تشمل 8 أقاليم مساحتها 1,683 كم2 أي 8% من مساحة إسرائيل وهي مشابهة للأراضي اليهودية قبل 1948 ويسكن بها 2,924,000 يهودي (إحصاء 1994) أو 68% من مجموع اليهود. سنسمي المنطقة (أ) المنطقة اليهودية.

المنطقة (ب) تشمل 5 أقاليم ومساحتها 1,318 كم2 وتقارب مساحة أراضى الفلسطينيين الباقين في إسرائيل، ويسكن بها اليوم 419,000 يهودي أو 10% من اليهود وسنسميها المنطقة المختلطة.

المنطقة (ج) ومساحتها 17,325 كم2 وهي مقاربة في المساحة والمكان للأرض الفلسطينية التي طرد منها أهلها، سنسمي هذه المنطقة: المنطقة الفلسطينية.

من يعيش فيها اليوم؟ 800,000 يهودي مديني أي"سكان مدينة"و 154,000 يهودي ريفي فقط بالإضافة إلى 465,000 فلسطيني.

من حسن الحظ أن التقسيم الإداري للأقضية في فلسطين لا يختلف كثيراً عنه في إسرائيل. فأقضية صفد وطبريا والناصرة وبيسان وعكا وحيفا ويافا وغزة والرملة وبئر السبع متشابهة في الحالتين. ويكمن الاختلاف في الأقضية التي مزقها خط الهدنة. ولذلك يمكن التعريف بعودة اللاجئين حسب الأقضية الأصلية بالإضافة إلى قراهم الأصلية وهذه مكانها محدد بالطبع.

فإذا عاد اللاجئون إلى ديارهم تصبح الكثافة السكانية لمجموع السكان 482 شخص/كم2 بدلاً من الكثافة الحالية وهي 261 والأول رقم مقبول جداً، ولا يمكن مقارنته باكتظاظ اللاجئين في المخيمات. ويكفي أن نذكر أن عدد السكان في مخيم الشط في غزة تبلغ 85,000 شخص لندرك مدى الجريمة التي اقترفت في حق إنسانيتهم.

وعند العودة الكاملة ستصبح المنطقة (أ) ذات كثافة يهودية في الغالب. إذ تصبح نسبة اليهود فيها 78% وبالمقابل تصبح المنطقة (ج) ذات كثافة فلسطينية في الغالب. إذ تبلغ نسبة الفلسطينيين فيها 81% أما المنطقة (ب) فتصبح منطقة مختلطة.

ولكي يتمكن اللاجئون من العودة فإنه يمكن نقل 154,000 يهودي ريفي فقط من المنطقة (ج) إلى الوسط وبذلك يعود 4,600,000 فلسطيني إلى وطنهم وإرثهم التاريخي، الذي يستغله 154,000 يهودي فقط.

ويضيق المجال هنا عن التفصيل، لكنه يمكن إثبات أن خطة عودة اللاجئين لا تشكل مشكلة في أي من الواحد والأربعين إقليماً طبيعياً في إسرائيل. ويكفي أن نلقي نظرة فاحصة على اللواء الجنوبي في إسرائيل لنرى الدليل على ذلك، تبلغ مساحته 14,107 كم2 ويسكنه 78,000 يهودي ريفي فقط هم الذين يستغلون كامل أرضه. هذا بالإضافة إلى 555,000 يهودي مديني، 63% منهم يسكنون 3 مدن فلسطينية هي اسدود والمجدل - عسقلان وبئر السبع، و24% أخرى من المدنيين يسكنون 4مدن هي قرية جات - عراق المنشية، إيلات"أم الرشراش"، ديمونة "رجم البلوي" بالإضافة إلى رهط، المدينة الفلسطينية الجديدة. هؤلاء اليهود يعملون في الصناعة والشحن والتعليم والبحوث ووجودهم مفيد، ولا مبرر ديموغرافي لأن ينتقلوا إلى أي مكان آخر.

وإذا انتقلنا إلى اللواء الشمالي نجد وضعاً مماثلاً لكن تواجد اليهود فيه أكثر إذ يبلغ عددهم هناك 134,000 يهودي ريفي ويلزم انتقال 67,000 منهم فقط إلى الوسط ليسمحوا بعودة اللاجئين إلى ديارهم.

وتبلغ نسبة اليهود المدنيين 71% من اليهود، يعيش 90% منهم في 9مدن، ثلاث منها فلسطينية هي عكا وطبرية وشفا عمرو، أما أكبر مدينة في اللواء فهي الناصرة الفلسطينية تماماً (45,000) وحتى لو أخذنا لواء حيفا وهو مدرج في المنطقة اليهودية، فإننا نجد أن الفلسطينيين هناك يشكلون 26% من اليهود، وحتى في اللواء الأوسط، مركز كثافة اليهود، يبلغ الفلسطينيون 9% من اليهود، وفي هذين اللواءين توجد 13 مدينة فلسطينية، يتراوح عدد سكانها بين 10,000 – 30,000.

من هذا التحليل، تتضح لنا حقيقتان هامتان، الأولى: أن وجود الفلسطينيين اليوم في إسرائيل حقيقة ثابتة، ولذلك فإن عودة اللاجئين لا تخلق واقعاً جديداً، صحيح أن عدد العائدين أكثر من 4 أضعاف الفلسطينيين الموجودين هناك، بفرض عودة الجميع، لكنهم سيعيشون في ديارهم الأصلية التي لا يتواجد فيها كثير من اليهود.

والثانية: أنه رغم الدعاية والتهويل، فإنه يمكن عودة 4,600,000 لاجئ إلى ديارهم دون ترحيل"ترانسفير" كما حدث بقوة السلاح عندما طردوا من ديارهم عام 1948، وأن ثمن تحقيق العودة، وهو حق إنساني ثابت وقانوني واضح، وهو نقل 154,000 يهودي ريفي، ليس إلى خارج البلاد، بل إلى المنطقة الوسطى مع بني قومهم، هذا إذا شاءوا. وإذا لم يشاءوا فيمكنهم البقاء. هذا ثمن بسيط تدفعه إسرائيل لجريمة إنسانية لم يحدث لها مثيل في العصور الحديثة.

الزراعة

ما الذي تفقده إسرائيل بنقل 154,000 يهودي ريفي إلى وسط إسرائيل؟

لقد قامت الأيديولوجية الصهيونية على مبدأ العودة إلى الأرض وفلاحتها، وهجر العمل في التجارة والربا التي كانت المهن الأصلية لليهود الاشكناز. وفي عهد الانتداب أقيمت مستعمرات"كيبوتزات" الصهيونية تسكنها نخبة الجيش وصفوة الشعب، ولا يزالون يتمتعون حتى اليوم بوزن سياسي أكبر بكثير من عددهم المتواضع هؤلاء هم انكشارية إسرائيل.

وبعد النكبة، انقطع المدد الأوروبي عن هذه المستعمرات، لأن المهاجرين الجدد لم يكونوا صهاينة، أو اشكنازا، فمعظمهم من بلاد عربية لم تعرف الصهيونية أو الاضطهاد لليهود. وكان هؤلاء يهربون بعد فترة وجيزة من وصولهم البلاد وترحيلهم إلى تلك المستعمرات.

وفي الثمانينات وصل حال اليهود الريفيين إلى الحضيض، وتناقص عددهم إلى 4.7% من مجموع العمال (الآن 3%).و أغرق الدين كثيراً من المستعمرات، وهجر بعضها ووصل عدد العاملين في الزراعة والغابات والصيد إلى 69,000 شخصاً فقط عام 1989. وأنتجت 26% من المستعمرات 75% من المنتج الزراعي. واستهلكت لذلك 60% من المياه، وهذا يعني أن ثلاثة أرباع المستعمرات غير مجدية زراعياً، مما اضطر بعضه إلى جذب السياح وتحويل نشاطها إلى الصناعة، وتناقصت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 9ر7% عام 1983 إلى 2.4% عام 1994، وهي تشكل الآن 4% من الصادرات، وهناك محاولات لإصلاح هذا الوضع المتعثر بالتحول إلى الإنتاج الزراعي عالي المردود مثل الزهور وأعشاب العطارة.

وبالمقارنة فإن الفلسطينيين قد جُبلوا على الزراعة قروناً عديدة، ويكفي أن يلاحظ المرء الإنتاج الزراعي في غزة، المكتظة بالسكان ذات المياه المالحة والموارد المالية المحدودة، وكيف ينافس الإنتاج الإسرائيلي مما يدعو إسرائيل إلى إتلاف أو تعطيل أو منع محاصيلهم من المرور إلى إسرائيل.

إذن فإن عودة الفلسطينيين إلى أرضهم، وممارستهم أعمالهم التقليدية لا تشكل خطراً على أحد، بجانب كونها حقاً طبيعياً مشروعاً.

المياه

السؤال الآن: هل تكفي المياه المتوفرة لمعيشة الإسرائيليين والفلسطينيين معاً؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعرف أولاً كيف تستغل إسرائيل المياه، ومن أين تحصل عليها.

تستهلك إسرائيل 80% من مياهها في الزراعة، وتوفر المياه للمزارعين بسعر مخفض =10 سنتات للمتر المكعب، بينما تبلغ تكاليف الإنتاج لديها 40 سنتاً. وإذا ما قارنّا ذلك بتكلفة تحلية المياه من البحر، والتي تبلغ 1.60 دولار للمتر المكعب، أي 16 ضعفاً لتكلفة المياه المستعملة للزراعة في إسرائيل، يتضح لنا مدى الهدر الهائل للمياه من أجل إرضاء 154,000 مزارع من سكان الكيبوتز ينتجون 4% من صادرات إسرائيل و1.8% من الناتج المحلي.

لا يمكن تفسير هذا الهدر للمياه، وللمساحات الشاسعة من الأراضي الفلسطينية التي تستغلها حفنة من صفوة الصهاينة، إلا كمكافأة لهم على انتصاراتهم في المعارك، ولتكوين مخزون استراتيجي للمهاجرين الجدد، والأخطر من ذلك أن هذا الاستهلاك للمياه قد أدى إلى تجاوز المعدلات المقبولة لسحب المياه من باطن الأرض، وأدى إلى هبوط في الطبقة الحاملة للمياه وازدياد الملوحة، وهذا سيشكل خطراً متزايداً في المستقبل لا يمكن علاجه.

ولعب الماء دوراً هاماً في حروب إسرائيل، فبينما كانت إسرائيل تستغل 350 مليون متر مكعب سنوياً عام 1948، استغلت 1000 مليون م3 عام 1956 (منه 770 مليون م3 مياه عربية) و1320 مليون عام 1956 (منها 820 مليون م3 عربية)،و 1775مليون عام 1973( منها 1305 عربية) و2020 مليون عام 1990 (منها 1471 عربية) - كل الكميات بملايين الأمتار المكعبة.

وحيث أن معظم هذه المياه تذهب للزراعة الفاشلة، ومعظمها مسروق من العرب، الأمر الذي أدى إلى حربيّ 1967و 1982 على الأقل، وإلى تدمير المنشآت العربية على نهر الأردن الشمالي، يتضح أن الاستمرار في هذه السياسة الفاشلة لن يجلب إلا حروباً جديدة وما يتبعها من ويل ودمار.

وقد عملنا تقديرات لاستهلاك المياه عام 2020 في حال خيارين:

1 - استمرار هجرة الروس وزيادتهم بمقدار 1,500,000 عن الوضع الحالي، وعدم عودة أحد من اللاجئين، في هذه الحالة يكون الاستهلاك المنزلي 980 مليون متر مكعب سنوياً، الاستهلاك الصناعي 274، الاستهلاك الزراعي 1,400 والمجموع 654ر2 مليون متر مكعب سنوياً.

2 - عدم قدوم مهاجرين روس جدد، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، يكون الاستهلاك المنزلي 1,103 والصناعي 343، والزراعي 1,300، والمجموع 2,746 مليون متر مكعب سنوياً لكل السكان.

هذه الأرقام متقاربة، وتبين أن الخيار العملي الوحيد هو الخيار الثاني: عودة اللاجئين، ذلك لأن المياه المطلوبة في كل من الحالتين هي حوالي 2,700 مليون متر مكعب، وهذا لا يتأتى إلا باتفاق إقليمي مع الدول العربية المجاورة لتوزيع المياه بينها، لأن الكمية المطلوبة لا يمكن استخراجها من إسرائيل أو الأرض المحتلة عام 1967، ولا يمكن أن نتصور الوصول إلى هذا الاتفاق مع الدول العربية عند إدخال 1.5 مليون روسي إلى إسرائيل مع منع اللاجئين من العودة.

وفي حال إصرار إسرائيل على تبني الخيار الأول: هجرة الروس ومنع اللاجئين من العودة، فإنها لن تتمكن من الحصول على المياه المطلوبة إلا باحتلال منابع المياه في لبنان وسوريا والأردن، أي الحرب. وهذه المرة تكون الحرب بالنسبة للعرب ليست دفاعاً عن فلسطين بل دفاعاً عن وجودهم كعرب، ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، لأن قادة الليكود صرحوا بأنه (لا يمكن أن يكون الماء نتيجة للسلام، بل هو شرط له). وبعبارة أبسط، سنأخذ الماء عنوة، ونفرض السلام وفق شروطنا، أي هجرة الروس ومنع اللاجئين من العودة. لكن الخيار الثاني هو خيار السلام الدائم.

الخلاصة

إن التشكيك في إمكانية العودة من ناحية عملية لا أساس له، إذ يمكن عودة اللاجئين إلى ديارهم نفسها دون أدنى تأثير على السكان اليهود في إسرائيل، ودون فقدانهم لجزء هام من أعمالهم أو اقتصادهم، بل على العكس. فإن عودة اللاجئين ستثري الجانب الزراعي من الاقتصاد، وهو متعثر حالياً. كما أن كمية المياه المطلوب توفيرها لمعيشة كل السكان، حتى في حالة عودة جميع اللاجئين وبقاء المهاجرين اليهود في إسرائيل، يمكن الحصول عليها من خلال اتفاقيات عربية إقليمية بعد عودة اللاجئين وليس بدون ذلك. والبديل هو حرب مدمرة ستشنها إسرائيل لاحتلال منابع المياه العربية وتأمين هجرة الروس ومنع اللاجئين من العودة. وهذا الاحتمال وارد، لكنه بالطبع سيخلق مشاكل جديدة تعود على أوربا وأميركا وغيرها خارج المنطقة بالضرر البالغ، وربما الدمار. لذلك فإن عودة اللاجئين هي دعامة للسلام والاستقرار وهو خيار واجب الأخذ بــه.

وإدعاء إسرائيل بأن عودة اللاجئين ستعكر النقاوة اليهودية لإسرائيل، فهو كلام عنصري لم يعد له مكان في العالم الحديث، الذي يتآلف ويتقارب، ويتبادل الأفكار والتجارة، ويحترم حقوق الإنسان. هذا الإصرار على نقاء العنصر اليهودي مصيره مصير شبيهه في حال ألمانيا النازية. وإذا لم تقبل إسرائيل أن يعود اللاجئون إلى ديارهم، فإنها إذن تستعد لترحيل الفلسطينيين فيها الذين يصل عددهم الآن إلى 20% ويستطيعون انتخاب 16 عضواً في الكنيست خلال العقد القادم.

هل يكون خيار إسرائيل الترانسفير لمواطنيها الفلسطينيين، وحرباً لاحتلال منابع المياه العربية من أجل المهاجرين الروس؟ أم يكون خيارها الديمقراطية والانضمام إلى المجتمع الإنساني المتحضر؟ في الخيار الأول سينتصر اليهود أولاً ثم يخسرون، وفي الخيار الثاني يكسبون دائماً ولذلك ليس هناك مستقبل في القرن الواحد والعشرين للمبادئ العنصرية.

(3) حق العودة والتعويض معاً وليس أحدهما

من الأخطاء الشائعة أنه يحق للاجئين العودة أو التعويض وليس العودة والتعويض معاً. وربما كان السبب في هذا الخطأ الشائع سلالة الشعار:"العودة أو التعويض". والواقع أنه يحق لكل اللاجئين العودة سواء مارسوها أم لا، دون اعتبار للتاريخ الذي يقررون فيه ممارسة العودة. وكذلك يحق التعويض لكل اللاجئين، ولكن الفرق في قيمته يتوقف على مدة الخسارة والضرر، وهذه بالطبع تكون أكبر إذا تخلى بعضهم عن أملاكهم غير المنقولة، وقرر عدم العودة. وحتى في هذه الحالة فإن تلك الأملاك غير المنقولة لو تخلى عنها صاحبها، يجب أن تعود إلى الشعب الفلسطيني أو أحد أفراده، فالأوطان لاتباع. والتعويض ليس ثمناً للوطن لكنه تعويض عن الضرر والمعاناة، أما الأرض فتبقى ملكاً دائماً لصاحبها والشعب الفلسطيني.

ومبدأ التعويض يقوم على القانون الدولي الذي يلزم الدولة التي تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الأفراد الأخرى بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب تلك الأعمال غير الشرعية، وعلى تلك الدولة أن تزيل كل الآثار الناتجة عن ذلك، وأعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه، أو يحتمل أنها كانت عليه، وإذا استحال ذلك فإن للمتضرر الحق في التعويض المادي عن ذلك بقيمة تساوي إصلاح الضرر أو إرجاع الحال كما كانت عليه.

ومبدأ إعادة الشيء إلى أصله هو الذي ذكر صراحة في القرار المشهور 194 بعبارة Should be made good ولذلك حسب القانون الدولي أو حسب مبادئ العدالة، وهذا هو بعينه المبدأ الذي تسلم بموجبه اليهود وإسرائيل تعويضات لما تعرضوا له على يد ألمانيا النازية تحت نصوص الاتفاقية التي وقعت مع جمهورية ألمانيا الفدرالية في 1952/9/10 تحت اسم Wiedergutmachung وترجمتها"إعادة الشيء إلى أصله". وقد دفعت ألمانيا بموجب هذه الاتفاقية 102 بليون مارك ألماني، وكان لها الأثر الحاسم في إنقاذ إسرائيل من الإفلاس عندما تدفقت عليها جموع المهاجرين اليهود بعد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948.

وتقوم الآن (1997) حملة يهودية بزعامة البليونير ادجار برونغمان رئيس الشركة العملاقة سيجرام للكحول والترفيه، لاسترجاع الأملاك اليهودية في البلدان الأوربية الأخرى مثل سويسرا وفرنسا وهولندا والدول الاسكندنافية. وسخّر برونغمان لهذا الغرض الكونجرس الأميركي والإدارة الأمريكية وحتى حلف الناتو بقيادة اليهودي الأمريكي ستيوارت ايزنستات، وذلك بالضغط على تلك الدول الأوربية تحت تهديد المقاطعة الاقتصادية الأمريكية. ويلاحظ أن الحملة اليهودية لا تسعى إلى التعويض، وإنما إلى استرجاع (Restitution) الأملاك اليهودية بمعنى أن تعود إلى حيازة المالك الأصلي - يتصرف بها كما يشاء بالإقامة فيها أو استغلالها أو كلاهما. وهذا بالطبع أعلى قيمة من التعويض مهما كان سخياً. ويلاحظ أن هذه الحملة لا تستند في المطالبة على أي قرار دولي أو إجماع عالمي كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين وإنما على الضغط المباشر على الحكومات الأوربية من خلال أجهزة الحكم الأميركية.

ويرقى الأمر إلى درجة الابتزاز حينما طالب اليهود سويسرا باسترجاع الذهب الذي يدعون أن النازيين قد أودعوه لديهم، ويدعون أيضاً أن هذا الذهب هو ملك اليهود (فقط) ورغم أن البنوك السويسرية لم تجد أي دليل مادي على ذلك - بعد تكوين لجان تحقيق - ولم يستطع اليهود تقديم أي دليل على ملكية أفراد يهود لهذا الذهب، إلا أنها اضطرت لتخصيص مبلغ كبير في صندوق لإعانة اليهود دفعاً للشر، وخضوعاً لضغط مباشر من لجنة البنوك في الكونجرس الأميركي.

صحيح أن قوة اليهود هي التي مكنتهم من الحصول على تعويضات عن حق أو باطل، ودون تشريع قانوني واضح، لكن إصرارهم على استرجاع حقوقهم مهما طال الزمن ومثابرتهم على ذلك وتسخيرهم جميع القوى لذلك هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه.

من المسؤول عن دفع التعويضات

ينص القرار 194 صراحة على أن المسؤول عن التعويض هو الحكومات والسلطات المسؤولة، وقد جاء هذا التعبير ليشمل المؤسسات الصهيونية المسؤولة قبل وبعد إنشاء دولة إسرائيل وهي:

- حكومة إسرائيل المؤقتة (1948) التي صدر القرار 194 أثناء وجودها، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي ورثت مسئوليتها.

- المنظمات الصهيونية العسكرية في إسرائيل: الهاجانا وعصابات الشتيرن والأرغون وغيرها.

- المنظمات الصهيونية داخل وخارج إسرائيل التي ساعدت على اقتلاع الفلسطينيين من ديارهم واستغلت أملاكهم بعد ذلك، مثل الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي وغيرها.

إن تعبير الحكومات والسلطات المسؤولة يعني أن المتسبب هو الذي يدفع التعويض وغالباً ما يكون المتسبب هو المنتفع بالأملاك الفلسطينية، لذلك فإن ربط التعويض بالمتسبب مهم، بينما لا يوجد هذا التحفظ على حق العودة الذي يسري على كل لاجئ دون استثناء، لذلك فإن إسرائيل لا تكتفي برفض حق العودة أساساً، بل أنها تحرص على التأكيد أنها غير مسؤولة عن اقتلاع الفلسطينيين وطردهم.

تقول إسرائيل أن اللاجئين خرجوا طوعاً أو بناء أوامر عربية. لقد تم دحض هذه الخرافة بشكل قاطع. وبعد أن أكدت الدراسات المستندة على ملفات إسرائيلية والتي قام بها مؤرخون إسرائيليون كذب هذا الادعاء تراجعت إسرائيل وأصبحت تدعي أن خروج اللاجئين هو حادث عرضي ناتج عن الحرب وليس ناتجاً عن تخطيط. إن شهادة 550,000 لاجئ من الذين طردوا عام 1948 والباقين اليوم على قيد الحياة تؤكد عكس ذلك، وشهادتهم هذه أصبحت مشفوعة بالوثائق الإسرائيلية التي أصبحت متاحة للباحثين. وقد بينت الدراسات مؤخراً أن 89% من اللاجئين طردوا في عمليات عسكرية إسرائيلية، وأن 10% طردوا نتيجة الحرب النفسية التي شنتها إسرائيل وأن 1% فقط خرجوا طوعاً.

وتقول إسرائيل أن التعويض للفلسطينيين يجب أن يخصم منه تعويض لليهود الذين خرجوا من بلاد عربية بعد النكبة ليستقروا في الديار الفلسطينية، وحيث أنهم يقدرون تعويضات اليهود بأضعاف قيمة تعويض الفلسطينيين، فإنه بموجب هذا القول يتوجب على الفلسطينيين دفع تعويضات لليهود!! والواقع أنه لا توجد علاقة قانونية أو زمنية أو مكانية بين الموضوعين، كما أنه لا يوجد أي قرار دولي بخصوص هؤلاء اليهود عكس حال الفلسطينيين، والمقارنة بين الحالين موضوع منفصل، ويسهل إثبات بطلان ادعائه. وفي واقع الأمر، فإن إسرائيل طردت اللاجئين لإفراغ البلاد من أهلها، واستيراد يهود مكانهم، ولولا الطرد لما تمت الهجرة اليهودية، ولذلك فإن هؤلاء اليهود المهاجرين إلى إسرائيل هم شركاء في هذه الجريمة وهم>المنتفعون< بالأملاك الفلسطينية، ولذلك فإن مسؤولية التعويض تقع عليهم أيضاً.

وتقول إسرائيل أنه إذا استحق تعويض للفلسطينيين، فإنه يجب دفعه من صندوق دولي تشترك فيه الدول العربية، وتعتبر أن المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية هي جزء مقدم من هذه التعويضات. ولذلك فإن إسرائيل ترغب أن يدفع العرب والعالم ثمن استيلائها على الأملاك الفلسطينية، وتبقى تلك الأملاك حقاً شرعياً خالصاً لإسرائيل.

ماهية التعويض

كما سبق القول يعني التعويض: إرجاع الشيء إلى اصله، وهو إلغاء الفرق في الحالة المعنوية والمادية للفرد والجماعة بين معيشتهم كما كانت على أرض وطنهم، وبين اقتلاعهم منها وتشريدهم، وهذا يشمل 4 بنود رئيسة:

  1. المنفعة المادية الشخصية، مثل الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، ومزاولة الأعمال.
  2. المنفعة المادية العامة، مثل المؤسسات والخدمات والأملاك العامة ومصادر الثروة الطبيعية.
  3. المنفعة المعنوية الشخصية مثل الشعور بالأمان والعيش بين الأهل والشعور بالسعادة.
  4. المنفعة المعنوية العامة، مثل الهوية الوطنية والثقافة والتاريخ والمقدسات. يضاف إلى هذه البنود الأربعة التعويض عن جرائم الحرب والمعاقبة عليها، وقد اكتسب المجتمع الدولي خبرة عملية وقانونية في هذا الأمر منذ الحرب العالمية الثانية وحرب البوسنة والإبادة العنصرية في إفريقيا. ونتيجة لهذه الخبرة فقد أشار القرار 194 في مذكرته التفسيرية إلى انطباق جرائم الحرب عليه، ولكنه ترك معالجة التعويض عنها والمحاكمات عن جرائمها إلى مؤتمر خاص يعقد لذلك، أو إلى الاتفاق عليه في بنود اتفاقية السلام المتوقع حدوثها بعد صدور القرار. (لم تشر اتفاقية السلام مع مصر والأردن إلى هذا الأمر في أي بند منها، رغم أن هناك احتجاجات منفصلة وقضايا مرفوعة ضد إسرائيل حول جرائم إعدام أسرى الحرب المصريين). [ملاحظة: صدر في 1998 ميثاق روما الذي أنشأ محكمة جرائم دولية واعتبر المستوطنين في الضفة وغزة مجرمي حرب]. والآن توجد لدى الأمم المتحدة منظومة قوانين متكاملة تعالج المواضيع الآتية:
  5. جرائم ضد السلام: التخطيط والإعداد والتحريض على حرب عدوانية. الاشتراك في مؤامرة للقيام بتلك الحرب.
  6. جرائم حرب:القتل والتعذيب وقتل الأسرى وسوء المعاملة. نهب الملكية العامة والخاصة. التدمير المتعمد للقرى والمدن والمنشآت.
  7. جرائم ضد الإنسانية: القتل والاستبعاد والترحيل. التعذيب والتمييز وسوء المعاملة على أساس ديني وعرقي وسياسي. التعذيب والتمييز وسوء المعاملة على أساس ديني وعرقي وسياسي.

قيمة التعويض

لم تقدر قيمة التعويض للفلسطينيين بشكل كاف حتى الآن. لقد أصدرت لجنة التوفيق في فلسطين تقريراً أولياً جزافياً عام 1951. ولحقه تقرير منفصل عام 1964 بين فيه خبير الأراضي جارفيز مساحة الأراضي الفلسطينية المملوكة لأفراد والمسجلة لدى الحكومة وهذا جزء من كافة الأملاك. وأصدرت الهيئة العربية العليا تقريراً تقديرياً عام 1955 تبعه تقرير مشابه لجامعة الدولة العربية. على أن أوفي التقديرات من حيث المبدأ هو تقرير الاقتصادي يوسف صايغ عام 1964، ومن حيث التفصيل كتاب سامي هداوي وعاطف قبرصي، والذي يناقش فيه نتائج جارفيز ويبين قصورها، ويصل إلى مجموع يقارب تقديرات يوسف صايغ، وسنقتبس هنا خلاصة دراسة هداوي وقبرصي.

وقبل ذلك يجب أن نلاحظ أن كل هذه الدراسات لم تتعد تقييم البند الأول من البنود السبعة التي ذكرناها سالفاً، ورغم أنها تمثل الجزء الأكبر والأسهل قياساً ألا وهي ممتلكات الأفراد إلا أن المجموع يظل قاصراً عن كافة بنود التعويض الواجبة.

وفيما يلي بيان بنود التعويض وقيمتها (إن وجدت) بالجنيه الإسترليني عام 1948، وهو قيمة الجنيه الفلسطيني في تلك السنة (= 03ر4 دولاراً):

1 - المنفعة المادية الشخصية.

1-1: الأراضي الزراعية الريفية: قدرت بطرق مختلفة بعد حساب مساحتها ونوع المزروعات عليها، منها التقييم على الضرائب عام 1946، وعدلت إلى عام 1948، وتراوحت القيمة عام 1946 من 329 إلى 436 مليون جنيه إسترليني، وأضيف إليها تقدير جزافي لأراضي بئر السبع بمبلغ 25 مليون، فيكون الحد الأدنى لقيمة تلك الأراضي عام 1948 – 398.6 مليون جنيه إسترليني، وحده الأقصى بزيادة 30%. 1 - 2: عقارات وأراضي المدن: عدل هداوي أرقام الأمم المتحدة المنخفضة جداً (مثال: سعر المتر المربع من المباني في عكا: الأمم المتحدة 2 جنيه، هداوي 10 جنيه). ولم تحسب أسعار الأراضي الزراعية حول المدن وهي تزيد كثيراً عن الأراضي الزراعية العادية، الحد الأدنى لهذا البند هو 130 - 260 مليون جنيه إسترليني. 1 - 3: الاستثمار الزراعي: ويشمل الماشية والمنشآت والمساكن، الحد الأدنى 66.8 مليون جنيه إسترليني. 1 - 4: الممتلكات الشخصية: حسبت على أساس أن اللاجئين أخذوا معهم 50% من ممتلكاتهم الشخصية، والمعروف أن اللاجئين باستثناء المهاجرين أوائل عام 1948، خرجوا بملابس النوم، ومع ذلك قدرت باقي الممتلكات الشخصية بـ 54 مليون جنيه إسترليني كحد أدنى. 1 - 5: الاستثمارات التجارية: وقدرت بمبلغ 45.9 مليون جنيه إسترليني. 1 - 6: الأرصدة المالية: أعادت إسرائيل جزءاً من أرصدة البنوك قيمتها 1 مليون جنيه، وصرف البنك العربي لمودعيه مستحقاتهم، الباقي 12.5 مليون جنيه إسترليني. 1 - 7: الاستثمار الصناعي: 11.4 مليون جنيه إسترليني. 1 - 8: الفنادق والمطاعم: 10.5 مليون جنيه إسترليني. 1 - 9: السيارات والآليات: 0.95 مليون جنيه إسترليني. يكون المجموع الجزئي للبند الأول: 731.1 مليون جنيه إسترليني عام 1948.

2 - المنفعة المادية العامة: 2-1: وسائل النقل: الطرق والسكك الحديدية والمطارات والموانئ لقد دفع الفلسطينيون قيمتها على مدى سنوات قبل وصول المهاجرين اليهود، ونسبتهم 67% من السكان، واعتبر التقدير 50% فقط من قيمة وسائل النقل لصالح الفلسطينيين، وقيمته 12.1 مليون جنيه إسترليني. 2 - 2: المناجم والمحاجر: لم تقدر. 2 - 3: الغابات: لم تقدر. 2 - 4: الثروة السمكية والشواطئ: لم تقدر. 2 - 5: المياه والبترول: المياه من أهم الثروات الطبيعية التي نهبتها إسرائيل، وبينما استهلكت إسرائيل عام 1948 (350) مليون متر مكعب من المياه سنوياً، ثلثيها للفلسطينيين، تستهلك إسرائيل عام 1990 (2100) مليون متر مكعب من المياه سنوياً منها 1471 مليون مياه عربية من فلسطين 48 والضفة والأردن وسوريا. هذا البند لم يقدر رغم أهميته، ولكن من الممكن تقديره. 2 - 6: الأماكن المقدسة والأوقاف: إلى جانب القيمة المعنوية التي لا تقدر بثمن، فإن قيمتها المادية كبيرة جداً، وقد استحوذت إسرائيل على هذه الأوقاف بحجة أن المجلس الإسلامي الأعلى"مالك غائب" لكن الفلسطينيين في إسرائيل استطاعوا إدارة بعض هذه الأوقاف، هذا البند لم يقدر. يكون المجموع الجزئي للبند الثاني (باستثناء البنود غير المقدرة) 12.1 مليون جنيه إسترليني عام 1948. 3 - المنفعة المعنوية الشخصية:

وتشمل الأمن الشخصي والشعور بالأمان، المعاناة في التشتت العائلي بسبب التشريد، القتلى والجرحى والأسرى، التعذيب، سوء المعاملة، المعاناة في الشتات والغربة. قدر هداوي هذا البند بمبلغ 5.75 مليون جنيه استرليني قياساً على تعويضات اليهود من ألمانيا النازية حسب اتفاقية لكسمبورج في 26/5/1952.

4 - المنفعة المعنوية العامة:

وتشمل فقدان السجلات والوثائق والخرائط والمكتبات العامة ومصادر المعلومات، فقدان الجنسية والهوية الوطنية والقمع والإرهاب والتمييز العنصري، المذابح الجماعية، الحرمان من العيش على أرض الوطن، هذا البند لم يقدر.

5 - جرائم ضد السلام:

التخطيط والإعداد والاشتراك في حرب عدوانية لم يقدر.

6 - جرائم حرب:

القتل والتعذيب وسوء المعاملة ونهب الملكية وتدمير الممتلكات دون سبب عسكري لم يقدر.

7 - جرائم ضد الإنسانية:

القتل والاستعباد والترحيل والتمييز العنصري لم يقدر.

وبذلك يكون مجموع البنود المقدرة من البنود السبعة السابقة هو 478,950 مليون جنيه إسترليني عام 1948، يضاف إلى ذلك الخسارة في الطاقة البشرية وتشمل فقدان الربح وفقدان فرص العمل، وكذلك التكاليف الإضافية للترحال والبحث عن سكن وعمل ومصادر دخل بديلة ويشمل ذلك الأعباء المالية على الأقارب والمؤسسات العامة في الدول المجاورة، وقد تم تقدير هذا الرقم كنسبة من صافي الإنتاج المحلي لعام 1944، معدلاً إلى عام 1948، وتبقى الأرقام الأخرى كما هي شاملة استغلال الأملاك لمدة 50 سنة، وعلى ذلك، تكون قيمة التعويض في هذه الحالة 509 بليون دولار وهو الحد الأدنى ويضاف إليه كافة البنود غير المقدرة.

ومن نافل القول أن الأوطان لا تباع، وإن التعويض حق لتعويض الضرر والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني وبينما يستحق كل لاجئ هذا التعويض، إلا أنه لا يشمل ثمن الأرض، فهذه لا تباع وإنما تسترجع، وإذا رغبت قلة في التخلي عن أرضها في فلسطين، فإنها تشترى، أو تصبح ملكاً للشعب الفلسطيني عن طريق مؤسسة "هيئة أرض فلسطين" التي سيأتي وصفها، والتعويض في هذه الحالة يكون عن استغلال هذه الأرض طيلة نصف قرن، هذا عدا التعويض عن الأضرار والخسائر التي سبق ذكرها.

(4) الخطة العملية لتطبيق حق العودة

خلال نصف قرن، جاهد الفلسطينيون لتحقيق العودة إلى ديارهم، حاربوا وضحوا بأرواحهم وطردوا من بلاد عديدة، لكنهم فشلوا عسكرياً، ولم يستطيعوا خلق قوة عسكرية متماسكة. طافوا العالم ونادوا في كل المحافل الدولية مطالبين بحقوقهم، فكسبوا مكاسب سياسية مهمة وشرعية ودولية هي أهم ما يميز مكاسبهم، لكنها حتى الآن مكاسب نظرية. وخلقوا مؤسسات وتنظيمات لتؤكد وحدة الشعب الفلسطيني وترابطه رغم تشريده في بلاد عديدة. ولكنها لم تكن في المستوى المطلوب من حيث الكفاءة والتنظيم، وأصيبت هذه المؤسسات بضربة شديدة عند الخروج من لبنان، وجاءتها الضربة القاضية بعد اتفاقية أوسلو.

ليس للفلسطينيين من مستقبل دون العودة إلى التنظيم وترميم مؤسساتهم، وتسليحها بعناصر كفؤة ومهنية من الطراز الأول، لقد انتهى عصر الثورجي والمنافق والسياسي والمنظر، الآن عصر المخطط والمنفذ والمدير، ودون ذلك عبث. عدد الفلسطينيين اليوم 7.5 (1997) مليون، منهم 13% في إسرائيل، 33% في الضفة وغزة، أي أن 46% (حوالي النصف) على أرض فلسطين، ويوجد حوالي 42% في دول الطوق، والباقي نصفهم في بلاد عربية أخرى والنصف الآخر في بلاد أجنبية.

ومن حيث حرية التحرك والتجمع والتعبير، فإنهم يعيشون تحت ظل 8 منظومات سياسية على الأقل. (وفي الواقع فإنهم يعيشون في 130 بلداً ويحملون 33 جنسية عدا فلسطين والأردن، ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين الذين يحملون جنسيات عربية غير هاتين 50,000 وجنسيات أجنبية 500). ولذلك فإن قدرتهم على اللقاء وتجميع القوى تظل محدودة، ومن حسن الحظ أن معظم المنظومات السياسية التي يخضعون لها تؤيد حق اللاجئين في العودة، أو على الأقل لا تجهر بالعداء له، وإن كان معظمها لم يقدم سوى الدعم الكلامي له. وكل المنظومات تؤيد التعويض، لأن فيه تخفيفاً للأعباء ولإنهاء المشكلة! وبعضها يرغب في استلام التعويض عوضاً عن اللاجئين، ومعظم المنظومات، وليس كلها، ترفض توطين اللاجئين، الأمر الذي يرفضه اللاجئون أيضاً. وهذا من مظاهر الاتفاق النادرة. والقليل جداً يرغب في توطين اللاجئين لديه لأسباب إستراتيجية.

لذلك يبدو أن من الممكن للاجئين التعبير عن الحد الأدنى (والأساسي) من حقوقهم ألا وهو حق العودة، بحرية نسبية، بشرط أن تأمن المنظومات السياسية عدم تحول ذلك إلى حركة سياسية نشطة تتعارض مع أوضاعها الداخلية.

وفي اعتقادي أن هذا ممكن، لأنه لا يوجد خطر حقيقي من عودة اللاجئين على أي بلد عدا إسرائيل، وهذه عدو مزمن. وفي اعتقادي كذلك أن كبح جماح حرية التعبير والتجمع قد أصبح صعباً بسبب القوة المتنامية لجمعيات حقوق الإنسان التي تشبه برلمانات موازية لدول العالم، كما أن الحصار الجغرافي والفكري قد أصبح قليل الجدوى بسبب انتشار الأقنية الفضائية والإنترنت. إن الثورة التكنولوجية والتغيير الإيجابي في أهمية حقوق الإنسان هي أكبر معين، بل حافز، للاجئين للمطالبة بحقهم في العودة، وهذا الوضع سيتطور إلى الأفضل خلال القرن القادم.

ويكفي أن نعلم أنه يوجد حوالي مليون فلسطيني نتاج هذه الثورة التكنولوجية، معظمهم في أوربا وأمريكا والخليج، وهم جزء أصيل من تلك الثقافة، وبعضهم مولود في تلك البلاد.إن القوة البشرية المتمثلة في هذا المليون (على الأقل) هي ثروة لا يستهان بها وهي المولد الحقيقي للطاقة المطلوبة.

وأول ما يلزم لتحقيق حق العودة هو إنشاء المؤسسات اللازمة لذلك، وتطوير الموجودة منها، والتنسيق بينها وبين عشرات، بل مئات، المؤسسات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني في العالم. يلزم أولاً إنشاء وحدة أو وحدات للدراسات الاستراتيجية كالآتي:

وحدة دراسات قانونية، وتشمل: التشريعات والقرارات الدولية والسوابق المشابهة قوانين إسرائيل، الخبرات العالمية المتوفرة.

وحدة دراسات الجغرافيا التاريخية، وتشمل: تحديد المساحات والممتلكات والموجودات وأسماء المالكين ورصد التغيرات الحادثة، وتحضير الخرائط والصور الجوية والفضائية.

وحدة الدراسات العمرانية والاقتصادية، وتشمل: وثائق المطالبات، وتقييم التعويض لكل بند، والدراسات الاقتصادية اللازمة للاستيعاب والتطوير، والمخططات الهيكلية لإعادة بناء القرى، وترميم المدن الفلسطينية الموجودة.

لكن الحاجة القصوى والفورية تكمن في ضرورة تكوين"هيئة أرض فلسطين".

هيئة أرض فلسطين

جب تكوين"هيئة أرض فلسطين" على النحو الآتي:

الهيئة تمثل اللاجئين والمطالبين بحقوقهم من الشعب الفلسطيني في كل مكان.

الهيئة تمثل الحقوق المادية للشعب الفلسطيني في كل مكان.

مهمة الهيئة هي: توثيق الأملاك الفلسطينية العامة والخاصة، واسترجاعها وحمايتها وصيانتها وحفظها وتطويرها كما يلزم.

تكون الهيئة هي الحارس على حقوق الشعب الفلسطيني في كل مكان، وتبقى كل الأملاك الفلسطينية تحت حراستها إلى أن تحدد ملكية الأفراد وتسلم إليهم.

في المرحلة الوسيطة إلى أن تسلم أملاك الأفراد، تطور الهيئة هذا الأملاك وترعاها، وفي حالة رغبة بعض اللاجئين في التخلي عن أملاكهم، تشتريها الهيئة أو تحتفظ بها إلى أن يشتريها فلسطيني آخر، والأولوية للجار والقريب والأنفع، ولا تؤول أية ملكية لغير الفلسطينيين.

الهيئة مستقلة وغير سياسية، وتتعاون مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والحكومات المختلفة والأمم المتحدة على هذا الأساس.

تبقى الهيئة قائمة إلى تنتهي كل أغراضها، وتحل بقرار من الأغلبية المطلقة.

تتكون الجمعية العامة للهيئة من 1500 عضو، يمثلون 532 قرية ومدينة طرد منها اللاجئون، بمعدل 3 أعضاء لكل قرية في المتوسط (أي عضو لكل 3000 لاجئ في الوقت الحالي)، وهؤلاء الأعضاء ينتخبون من كل مجموعة سكانية (قرية أو مدينة) على أن يشمل هؤلاء: المخاتير والملاك المهمين، ويضاف إلى هؤلاء خمسون عضواً يعينون لكفاءتهم في تحقيق أهداف الهيئة.

ويمكن اعتبار القرية وحدة القياس، ذلك لأن سكانها يمثلون 4-5 حمايل لا تزال متماسكة ومرتبطة، كما أن أراضي القرى محددة جيداً على الخرائط، ولذلك فإن كل قرية تمثل الإرث الجماعي لأهلها، وإلى أن يتم تحديد ملكية كل فرد، تقوم الهيئة بتخصيص عدد من الأسهم لكل قرية حسب حجمها، ثم تحدد قيمتها المادية، وتمثل الهيئة كل الأسهم التي يغيب صاحبها، وهكذا فإن ملكية أرض كل قرية تكون صحيحة تماماً لكل قرية، وتكون أقل صحة لكل حمولة، واقل صحة لملكية كل فرد، حيث أن عدد سكان القرى قد زاد منذ عام 1948 خمس مرات ونصفا، لكن الخطأ على قلته يبقى محصوراً داخل كل قرية.

ومن أجل حصر الملكية الفردية، فإنه يمكن الاستعانة بسجلات لجنة التوفيق، ولديها 450,000 سجل لأسماء الأملاك الأفراد. هذه السجلات موجودة، لكنها تمثل 5,194 كم مربع فقط من أصل 17,178 كم مربع مجموع أملاك اللاجئين، باستثناء أملاك الفلسطينيين الموجودين في الداخل والتي صودر نصفها.

ورقم 5,194 كم مربع يمثل أملاك الأفراد الذين أمكن تسجيلهم في عهد الانتداب البريطاني، وبإضافة قضاء بئر السبع (12,577 كم مربع) والأملاك العامة والخاصة غير المسجلة، يكون المجموع هو 18,643 كم مربع مساحة الأراضي الفلسطينية في إسرائيل أو 92% من مساحتها.

برنامج العودة

عندما يأتي الوقت (وهو لا شك قادم) لتحقيق حق العودة، فإن تنفيذ ذلك لا يشكل مشكلة عملية. لقد أدخلت إسرائيل 650,000 يهودي في الفترة 1949 - 1951 في ظروف حرب وبعد رحلة آلاف الكيلو مترات، وأدخلت حوالي مليون روسي خلال العقد الماضي، دون ازدحام مطار اللد.

عندما يعود اللاجئون، لا تحتاج رحلتهم بالباص إلى أكثر من ساعة أو ساعتين، إذ يعود سكان قضاء بئر السبع وغزة والرملة ويافا من قطاع غزة متجهين شمالاً، ويعود سكان الوسط من الضفة الغربية متجهين غرباً، ويعود سكان الجليل من سوريا ولبنان متجهين جنوباً، وتعود كل قرية إلى مكانها المعروف والمحدد على الخرائط بدقة.

فمنذ البداية يذهب شباب القرية وقوة عاملة من الاونروا مكان القرية لبناء مساكن حديثة (56% من مساكن القرى دمر، أما مساكن المدينة فلم تدمر ولكن تحتاج إلى ترميم)، وعملية التعمير هذه لا تشكل مشكلة فنية، حيث أنه يوجد عدد كبير من المهندسين والعاملين الفلسطينيين الذين بنوا آلاف المساكن في الخليج وغيرها، هذا فضلاً عن وجود 21,000 فلسطيني يعملون في الأونروا، كما أن مواقع القرية، وتنظيم عملية العودة من حيث المتطلبات اللوجستية والعملياتية هو أمر ممكن، ولن يكون بحال أعد وأصعب من عملية (عاصفة الصحراء).

أما الأوضاع القانونية فلا تمثل أي تعقيد من حيث المبدأ، ذلك لأن الأراضي الفلسطينية مسجلة باسم الحارس على أملاك الغائبين التي حولها إلى هيئة التطوير، والأملاك التي تستغلها دولة إسرائيل والتي يملكها الصندوق القومي اليهودي، تدار كلها بواسطة مؤسسة واحدة: هي دائرة الأراضي في إسرائيل، ولديها خرائط ووثائق بالملكية الأصلية لكل قطعة أرض، وبموجب ذلك، فهي تؤجر للمستعمرات الأرض الفلسطينية بعقود مدتها 49 سنة ينتهي معظمها في 1998. ولذلك فإنه لا توجد، إلا في أضيق نطاق، حالات نزاع بين أفراد يهود وأفراد فلسطينيين حول الملكية، لأن اليهود مستأجرون وليسوا مالكين، ولذلك فإنه من ناحية قانونية، يكفي تحويل الحيازة من حارس أملاك الغائبين إلى (هيئة أرض فلسطين) بتشريع أو اتفاق واحد.

ومن الضروري بالطبع بقاء الأونروا، تقدم خدماتها، للاستفادة من خبرتها الهائلة خلال نصف قرن، إلى أن يستقر اللاجئون في مواطنهم ويبدأون معيشتهم بشكل طبيعي، ثم تتحول الأونروا إلى منظمة تطويرية للمشاريع مثل منظمة الأمم المتحدة.

ويحصل كل لاجئ على بطاقة هوية فلسطينية، وذلك بتحويل بطاقات اللاجئين من سجلات الأونروا التي تحتوي على 3,400,00 اسماً في الوقت الحالي، بالإضافة إلى 1,140,000 لاجئ خارج السجلات (عام 1994)، وتبقى الهوية الفلسطينية ثابتة رغم حصول الفلسطيني على جنسية أخرى بما فيها الفلسطينية (دولة فلسطين المصغرة) أو الإسرائيلية، ويحق للعائدين إلى ديارهم في إسرائيل التمتع بجميع الحقوق المدنية والدينية، والسياسية كما هو موثق في الفصل الثالث من قرار التقسيم رقم (8).

وتتم كل عمليات العودة تحت إشراف الأمم المتحدة (لجنة التوفيق CCP)، وهي التي تتولى الإشراف على عودة اللاجئين بموجب صلاحيات دولية واسعة، كما تقوم بتأهيلهم اجتماعياً واقتصادياً، وحمايتهم من أي تمييز ضدهم، وتوفير الأمن الفردي والجماعي لهم تحت كل الظروف.

هذا هو، في مجمله، المخطط المقترح لعودة اللاجئين، وكما هو واضح، فإنه لا توجد فيه مشكلة عملية يصعب حلها، عكس ما يدعيه المشككون، وقد سبق أن أوضحنا أن العودة ممكنة من ناحية سكانية وزراعية ومائية دون ترحيل أي من اليهود، كما سبق أن أوضحنا أن مشاريع التوطين كلها خرافية وغير واقعية وقد رفضت جميعها، وسترفض في المستقبل.

يبقى سؤالان: هل يتخلى اللاجئون عن حقوقهم؟ وهل توافق إسرائيل على عودة اللاجئين؟

السؤال الأول سهل، فلا توجد أية دلالة، رغم أوسلو والمشككين والمتخاذلين، على أن الغالبية الساحقة للشعب الفلسطيني ستنسى وطنها وتتخلى عنه، وقد أثبتت ذلك الأجيال المتعاقبة، وهي الآن مسلحة بالعلم والمعرفة، أما السؤال الثاني: موافقة إسرائيل على عودة اللاجئين فهذا غير وارد في الوقت الحالي. فهي تريد الاحتفاظ بالمكاسب المادية الهائلة التي سلبتها من الفلسطينيين، وتريد الحفاظ على الغيتو العنصري الذي يقوم على مبدأ النقاء اليهودي. ولكن هذا يجب ألا يثبط همتنا، فالعدو لا يمكنه إعادة الحقوق طائعاً مختارا.

وإسرائيل بذلك تكون آخر معقل في العالم للمبادئ العنصرية بعد سقوط ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وجنوب إفريقيا العنصرية. إن نظرة جدية لحال العالم اليوم وفي المستقبل القريب، تبين أنه ليس هناك مستقبل لإسرائيل العنصرية، فالعالم يصغر كل يوم بالاتصالات، ويتبادل الأفكار والتجارة، ويجسد حقوق الإنسان ويهتم بكل اغتيال لها في أي مكان. وقد يأتي يوم ليس ببعيد نرى فيه الصراعات الداخلية في إسرائيل تأخذ مجري دموياً يكشف التناقضات فيها. ثم أن هناك العنصر الفلسطيني في إسرائيل الذي يتزايد ثقله السياسي. كل هذه العوامل تجعل مقاومة إسرائيل للديمقراطية، واستمرارها بالتفرقة العنصرية بموجب العرق والدين، مقاومة يائسة مصيرها الانهيار.

لكن أكبر قوة لدى الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه هي إصراره على العودة، ذلك الإصرار الذي يتوارثه الأبناء عن الأباء، ليس عاطفة فقط بل علماً ومعرفة وتنظيماً، هذا الإصرار هو الثروة الحقيقية وهو وقود الطاقة التي لا تنضب على طريق العودة.