مقدمة:- مضى خمسون عاما على حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم المبدئي في العودة إلى ديارهم. لقد تحملوا نصف قرن من الحرب والتشرد والنفي والمعاناة، ومع هذا لم يتخلوا عن تصميمهم على العودة إلى ديارهم. في نفس الوقت تدافع مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من جميع الأجناس والثقافات إلى إسرائيل لكي يعيشوا في نفس الديار التي طرد منها الفلسطينيون.

إن الهجرة غير المحدودة لليهود بناء على قانون العودة الإسرائيلي ورفض حق الفلسطينيين بالعودة يعتبران وصفة أكيدة للحرب وعدم الاستقرار، وعليه فلن يكون هناك سلام في الشرف الأوسط دون عودة اللاجئين.

إن الفلسطينيين لن يختفوا، وقد فشلت جميع مشاريع التوطين التي تعتمد على سياسات "الترانسفير" الإسرائيلية فشلا ذريعا لأنها تتعارض مع أكثر حقوق الإنسان مبدأية وهو حق الانسان في العيش في وطنه، ولأن 88% من اللاجئين الفلسطينيين لا يزالوا يعيشون في حدود فلسطين الانتدابية وفي شريط حولها لا يتجاوز عرضه 100 ميل. لن يقبل الفلسطينيون أن يتوطنوا في مكان آخر غير وطنهم ولن تقبل الحكومات العربية توطينهم في أي مكان آخر، كما دعمت الأسرة الدولية حقهم في العودة إلى ديارهم.

لقد آن الأوان لتحرير تفكيرنا من المعتقدات والقناعات المسبقة ولنسأل لماذا لا يمكن للاجئين أن يعودوا إلى ديارهم. هل السبب هو أن البلاد مليئة بالمهاجرين؟ سنثبت هنا أن هذا خطأ، حيث سيكون لعودة اللاجئين تأثير ضئيل جدا على الأكثرية اليهودية. هل السبب هو أن عودة اللاجئين دفعة واحدة ستقوض دعائم الاستقرار في إسرائيل؟ سنقترح هنا عودتهم على مراحل. هل ستكون هناك حرب؟ نعم. إذا استمر المهاجرون الروس في الهجرة إلى اسرائيل فان شح المياه الناتج عن ذلك سيقود للحرب، وسنقوم هنا بتفحص هذا الاحتمال.

إن المهمة الأساسية أمامنا اليوم، بعد أن فشلت كل المحاولات الأخرى، هي أن نكسر المحرمات ونجتاز حاجز الأفكار المعلبة وأن نلقى نظرة طازجة على إمكانات وكيفية إعادة اللاجئين على مراحل دون خوف من الانتقاد التقليدى. إن هذه هي الطريقة الوحيدة للتوصل إلى حل عادل ودائم.

هل تطبيق حق العودة أمر ممكن؟ وكيف يمكن تنفيذه على مراحل؟

خلافا للخرافات التي تم ترويجها لمنع عودة اللاجئين، فإنه سيكون لعودتهم أثر ضئيل جدا على السكان اليهود الحاليين، وفي الواقع سيؤدي إلى تحسين الناتج الزراعي الآخذ بالتراجع نتيجة للإفلاس السياسي والأيديولوجي للكيبوتس.

لا تزال مسألة إمكان عودة اللاجئين من ناحية عملية تطرح بواسطة مؤلفين ومفكرين عادة ما يكونون من المتعاطفين مع إسرائيل. وتتركز ادعاءات هؤلاء بأن عودة اللاجئين "غير ممكنة وغير عملية"، وأن "القرى والمدن الفلسطينية اختفت من الوجود وسيكون من الصعب إعادة تخطيط حدودها في أماكنها السابقة".

إن الإدعاء بأن إعادة تحديد أماكن سابقة سيكون صعبا هو ادعاء خاطئ ومناف للحقيقة، إذ ليس هناك توثيق جغرافي أفضل من التوثيق الجغرافي لفلسطين وأراضيها وقراها. ففي عام 1871 قام صندوق استكشاف فلسطين (الإنجليزي) بمسح كامل وشامل مكون من 26 خريطة شملت 15000 اسم، وفي الفترة بين 1920-1947 أخرجت " مساحة فلسطين " خرائط لكل فلسطين. وبعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 استخدمت إسرائيل نفس هذه الخرائط مع استبدال الأسماء العربية بأسماء عبرية ثم أضافت إلى الخرائط البريطانية التغييرات المادية التي شهدتها الفترة الحرجة بين عامي 1949-1959، عندما كانت القرى العربية تدمر وتقتلع وتحرث أرضها وتزرع. لم تسجل هذه التغييرات بواسطة إسرائيل فحسب، بل سجلتها بريطانيا والولايات المتحدة، كما أن دائرة أراضي إسرائيل التي كانت تؤجر الأراضي الفلسطينية لليهود تحتفظ بسجلات كاملة لكل قطعة أرض. واليوم يستطيع نظام رسم الخرائط بواسطة الأقمار الصناعية المقارنة بين الخرائط القديمة والحديثة دون أي عناء ودون تكبد تكاليف باهظة.

وهنا يطرح السؤال إلى أين سيعود الفلسطينيون وكيف سيكون مصير أولئك المهاجرين اليهود متعددوا الجنسيات الذين تم إحضارهم إلى إسرائيل؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في تفحص تركيبة إسرائيل السكانية.

يظهر التحليل السكاني لإسرائيل اليوم أن تركيز اليهود هو في الغالب داخل وحول الأراضي اليهودية التي كان يمتلكها اليهود قبل عام 1948 وأن الأراضي التي ملكها الفلسطينيون لا تزال فارغة في الغالب. يمكن تقسيم المناطق الطبيعية الإحدى وأربعين التي تتكون منها إسرائيل إلى ثلاث مناطق رئيسية نصنفها أ، ب،ج (انظر الجدول والخريطة المرفقتين). تمثل المنطقة أ 8 مناطق طبيعية مساحتها الإجمالية 1683 كيلومتر مربع (8% من مساحة إسرائيل) ويقطنها حوالي 68% من اليهود (2,924,000 حسب إحصائيات عام 1994). إن هذه المنطقة هي تقريبا نفس المنطقة التي قطنها اليهود قبل عام 1948 في فلسطين الانتدابية.

أما المنطقة ب فتمثل 5 مناطق طبيعية تبلغ مساحتها الإجمالية 1318 كيلومتر مربع (7% من مساحة إسرائيل) ويقطنها 10% من يهود إسرائيل و20% من فلسطينييها. إن مساحة هذه المنطقة المختلطة هي تقريبا نفس مساحة الأراضي التي يمتلكها الفلسطينيون الذين بقوا في إسرائيل. تبين الأرقام أعلاه أن 78% من يهود إسرائيل يعيشون في منطقة لا تتجاوز مساحتها 15% من مساحة إسرائيل الإجمالية.

أما المنطقة المتبقية، وهي المنطقة ج، فمساحتها الإجمالية 17325 كيلومتر مربع وهي بالأساس أراض للاجئين الفلسطينيين. وعدا عن بعض المراكز السكانية (معظمها مدن فلسطينية أصلا) التي يقطنها يهود مدينيون لا يسيطر على هذه الأراضي الفلسطينية الشاسعة ويستغلها إلا 154000 يهودي قروي من سكان الكيبوتس وما شابهها.

مما تقدم يتضح أن عودة اللاجئين الفلسطينيين، ورغم الادعاءات الإسرائيلية، لن تتسبب في نزع أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود من أماكن سكناهم الحالية رغم أنهم لم يكونوا مخولين بالاستيلاء على الأملاك الفلسطينية أصلا. مع هذا فقد تسهم العودة في الإزاحة الإرادية لجزء من هؤلاء ال 154000 يهودي قروي الذين يعيشون في هذه المنطقة.

لدراسة أثر عودة اللاجئين على مراحل سنقوم بتفحص سيناريوهين مهمين: الأول يتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذا أمر ملح جدا نظرا لظروف المعيشة والعمل البالغة السوء وللعديد من المعوقات التي يعيشون تحتها، أما الثاني فهو عودة اللاجئين الفلسطينيين في غزة، حيث يحشر أكثر من مليون شخص داخل مساحة لا تزيد عن 360 كيلومتر مربع دون عمالة أو مستقبل. إن هؤلاء اللاجئين عادة ما يوصفون بالبارود السياسي للشرق الأوسط، ورغم أن مجمل قضية اللاجئين يجب أن تحل، إلا أن هذين الوضعين القابلين للانفجار يجب معالجتهما دون أي تأخير.

يبين الجزء (1) من الجدول رقم (1) تصنيفات المناطق في ذلك الجزء من فلسطين الذي أصبح إسرائيل عام 1948، أما الجزء الثاني فيبين التوزيع السكاني في نفس المنطقة بعد نصف قرن. تجدر الملاحظة هنا أن تركيز اليهود اليوم مشابه جدا للتوزيع السكاني عام 1948، فالجدول يبين أن هناك 154000 يهودي قروي فقط يعيشون في المنطقة التي طرد منها اللاجئون (المنطقة ج). إن معدل الكثافة السكانية في المنطقة ج في إسرائيل هو 82 شخص/كيلومتر مربع، أي ما يعادل 4% فقط من الكثافة السكانية في مركز وأواسط البلاد ومع أن اليهود يشكلون 90% من مجموع السكان في أواسط البلاد، إلا أنهم لا يشكلون أكثر من ثلثي السكان في منطقتي بو ج وهذه الأغلبية بنسبة الثلثين في تلك المناطق كان سببها الرئيسي طرد الفلسطينيين من أراضيهم واستبدالهم بيهود.

إذا عاد اللاجئون في لبنان إلى منازلهم في الجليل وغيره من المناطق (الجزء 3 من الجدول رقم1) فلن يشعر الإسرائيليون (سواء اليهود أو الفلسطينيين) بأي أثر يذكر، حيث ستزداد الكثافة السكانية الجديدة بنسبة 1% فقط في المنطقة أ، 6% في المنطقة بو 17% في المنطقة ج التي سيعود إليها معظم اللاجئين. يتبين مما تقدم أن القلق المضخم عن بقاء اليهود غالبية غير مبرر، حيث أنهم يمثلون أكثر من 50% من مجموع السكان حتى في المناطق التي سيكونون فيها الأقل عددا. إن اليهود الذين قد يشعروا بآثار عودة هؤلاء اللاجئين هم اليهود القرويين (الكيبوتسات والموشافات - المستوطنات الزراعية والصناعية) والذين لا يزيد عددهم عن 76,000 بينما سيستمر اليهود المدينيون (71% من اليهود) في الحياة والازدهار في المدن حيث يعيش 90% منهم في تسع مدن فقط، منها ثلاث فلسطينية (عكا، طبريا وشفاعمرو).

بينما يمكن للاجئين في لبنان أن يعودوا إلى مناطق هي في الغالب عربية دون ترك أي تأثير يذكر على اليهود، يمكن للاجئين في قطاع غزة أن يعودوا إلى أراض شبه خالية حيث أن اليهود القرويين الذين يستغلون أراضيهم الآن موزعون بمعدل 6 أشخاص/كيلومتر مربع أو ما يقارب واحد بالألف من الكثافة السكانية في قطاع غزة. إن عدد اليهود القرويين في النصف الجنوبي من إسرائيل لا يزيد عن 79000 مواطن، وبالإضافة إلى هذا العدد هناك 553000 يهودي مديني متمدن يعيش ثلثيهم في ثلاث مدن فلسطينية (بئر السبع، أسدود والمجدل أو عسقلان)و 24% في ثلاث مدن جديدة ويعملون في الصناعة والتعليم والخدمات. إن عودة اللاجئين في غزة إلى ديارهم ستكون ذات فائدة لأولئك اليهود، وبالعكس، وعليه تعتبر عنصرا إيجابيا. وكما يتضح من الجزء 4 من الجدول رقم 1، ستتسبب عودة اللاجئين من قطاع غزة في زيادة الكثافة السكانية الكلية في إسرائيل بنسبة 6% فقط في المنطقة أ، 5% في المنطقة بو 32% في المنطقة ج التي سيعود إليها معظم اللاجئين. وكما في حالة اللاجئين العائدين من لبنان، سيبقي اليهود بغالبية أكثر من 50% حتى في المنطقة ج حيث هم الأقل عددا.

رغم ادعاء اسرائيل المضخم بتحويل الصحراء إلى أرض خضراء، إلا أن عدد السكان الحالي في الجنوب أقل بكثير من قدرة استيعاب المنطقة. والمناطق المزروعة حاليا، والتي غالبا ما تكون مروية، ليست إلا جزءا من المساحة التي زرعها الفلسطينيون قبل عام 1948. إن الإسرائيليين في المنطقة الجنوبية مركزون في ست مدن، ونصفهم في بئر السبع فقط، تاركين 32000 يهودي قروي ليسيطروا على 320ر14 كيلومتر مربع.

من المهم أن نلاحظ هنا أن عدد اللاجئين الذين سيعودون من غزة ولبنان أقل من عدد المهاجرين الروس الذين سمح لهم بدخول إسرائيل بحرية مطلقة خلال هذا العقد. وبينما نلاحظ بوضوح أن دخول الروس إلى البلاد يسبب توترا داخل إسرائيل ويشكل أحد المعوقات أمام السلام في المنطقة وربما سيكون سببا في حرب جديدة (انظر البند 4)، ستعمل عودة اللاجئين من غزة على إيجاد سلام واستقرار في منطقة الشرق الأوسط. إن هذا الامر لا يغيب عن الأصدقاء والخصوم على حد سواء.

إذا تم تطبيق حق العودة وعاد الفلسطينيون إلى ديارهم، فلن يكون هناك أي انتهاك يذكر لمجال حياة اليهود (Lebensraum) لأن الفلسطينيين، ومعظمهم مزارعون، سيعودون إلى حقولهم التي حرثوها عبر القرون وستعوض جهودهم عن الانخفاض الذي حصل في الناتج الزراعي الإسرائيلي من 11% من الناتج القومي الإجمالي عام 1950 إلى ما لا يزيد عن 5ر3% عام 1993، والذي سيستمر بالانخفاض إذا استمرت المناطق الريفية، وخصوصا في جنوب البلاد، بالمعاناة من هجر الإسرائيليين للأرض مفضلين العيش في المدن. لقد تمكن مزارعو غزة، رغم حرمانهم من الدعم الاقتصادي وإمدادات المياه، من إنتاج محاصيل زراعية أفضل وأكثر من الإسرائيليين، وعادة ما يلجأ الإسرائيليون إلى تدمير منتجاتهم الزراعية المعدة للتصدير على نقاط الحدود سواء نتيجة للمعوقات أو لسوء النية.

عندما يعم السلام ستعود الرابطة التاريخية بين مصر والأردن والسعودية، والتي قطعها الاحتلال الإسرائيلي للنقب. ومع التعاون الاقتصادي المتوقع يمكن للرأس الجنوبي للنقب (نقطة التقاء أربعة دول على خليج العقبة) أن يتطور إلى منطقة تجارية وترفيهية هامة.

علاوة على هذا، وعلى المستوى الإنساني، ستؤدي عودة اللاجئين في لبنان إلى ديارهم في الجليل إلى تجديد روابطهم مع أهلهم في الضفة الغربية وإلى إعادة شمل العائلات التي قطعتها الظروف السابقة وإلى تجديد التواصل التاريخي بين الأردن ولبنان عبر الضفة الغربية والجليل. ليس هناك أدنى شك في أن السلام سيعود عندها إلى جنوب لبنان وشمال إسرائيل المتوتر حالياً، ومثل هذا التطور الايجابى لا يمكن تجاهله بسهولة.

رغم أن الفلسطينيين يتمتعون بكامل الحق في استعادة أراضيهم ومنازلهم من اليهود، إلا أن إعادتهم إلى وطنهم بهذا النحو لا يعود بالضرر على أحد وسيجعل هذا عودة اللاجئين عملية ومنطقية. إضافة إلى ذلك ستتم إعادة التواصل بين المشرق والمغرب العربيين، والذي لا شك أن قطعه كان أحد الأسباب الهامة في استمرار الحروب.

إن طرد الفلسطينيين لا يمكن قبوله كأمر مفروض ولا يمكن تجاهله تحت أية درجة من الواقعية. الآن يكتظ قطاع غزة باللاجئين (2500 شخص/كيلومتر مربع أو 4200 شخص/ كيلومتر مربع إذا استخدم صافي المساحة) بينما يرى اللاجئون عبر الأسلاك الشائكة أراضيهم إلى الشرق حيث يعيش ستة أشخاص في كل كيلومتر مربع واحد. أن هذا التباين الصارخ في التوزيع السكاني هو السبب الجذري لهذا الصراع.

الجدول رقم 1: التوزيع السكاني في إسرائيل في الماضي والحاضر ومع عودة اللاجئين

1- فلسطين عام 1948 عندما احتلتها إسرائيل

الوصف المساحة التصنيف
الأراضي التي يتحكم بها اليهود عام 1948 1662 أ
باقي الأراضي الفلسطينية 1465 ب
بالأراضي التي طرد منها الفلسطينيون 17168 ج
المجموع 20325  

2- إسرائيل عام 1994

الوصف المساحة مجموع اليهود (× 1000) منهم: اليهود القرويون (× 1000) الكثافة السكانية الحالية نسبة اليهود (%)
غالبية يهودية شبة مطلقة 1663 2924 115 1934 90
مختلطة 1318 420 100 482 66
التركيز الفلسطيني 17324 956 154 82 67
المجموعالمجموع 20325 4300 369 261 81

3- إسرائيل مستقبلا - مع عودة اللاجئين من لبنان

الوصف الفلسطينيون العائدون (× 1000) الكثافة السكانية الجديدة (شخص/كيلومتر مربع) نسبة اليهود %
منطقة أ 41 1959 89
منطقة ب 40 512 62
منطقة ج 248 96 57
المجموع 329 278 76

4- إسرائيل مستقبلا - مع عودة اللاجئين من غزة

الوصف الفلسطينيون العائدون (× 1000) الكثافة السكانية الجديدة (شخص/كيلومتر مربع) نسبة اليهود %
منطقة أ 197 2052 85
منطقة ب 30 505 63
منطقة ج 452 108 51
المجموع 679 295 76