المصدر: www.alquds.uk/?p=152568

نيوجرسي ـ ’القدس العربي‘ من: الحديث مع الدكتور سلمان أبو ستة ممتع ومفيد ومهم. فقد لا يرقى إلى مستوى علمه أحد في موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة والجغرافية الفلسطينية ووقائع حرب الـ 1948 وكيف تم التآمر على فلسطين من الغريب والقريب وهل حق العودة يموت بالتقادم وهل عودة سبعة ملايين لاجئ إلى ديارهم الأصلية ممكنة؟ وما معنى التعويض لمن لا يرغب في العودة. ونظرة إلى إنجازاته العلمية لا تجد إلا أن تنحني إحتراما لهذا الكم الكبير من الوثائق والكتب والأبحاث وخاصة درة إنجازاته ’أطلس فلسطين 1917-1966‘ الذي يحتوي على 650 صفحة من الخرائط التفصيلية والمعلومات النادرة والذي إستغرق إنجازه نحو عشرين سنة من البحث والتصميم وجمع الوثائق والخرائط من كل أطراف الأرض كي يوثق فيه كل قرية وخربة وبئر ومغارة ومعلم تاريخي وواد وموقع في فلسطين التاريخية. بمناسبة يوم الأرض وبدعوة من الجمعيات الإسلامية والعربية الأمريكية وصل الدكتور سلمان أبو ستة إلى الولايات المتحدة لإلقاء عدد من المحاضرات حول آخر مستجدات القضية الفلسطينية. وقد بدأ هذه السلسة بلقاء مع أبناء وبنات الجالية العربية والإسلامية في نيوجرسي مساء الجمعة 4 نيسان/أبريل. وقد شاركت ‘القدس العربي’ في هذا اللقاء وأجرت معه حوارا طويلا ومسترسلا حول العديد من القضايا التي تهم الفلسطينيين أولا والعرب ثانيا. وسنقتبس في هذا المقال المختصر أهم النقاط التي طرحها الدكتور سلمان في اللقاء الجماهيري والمقابلة الخاصة.

كارثة أوسلو والنكبة المتجددة

إن المأزق التاريخي الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم ليس بسبب تعثر المفاوضات بل لأنها أقيمت على أساس خاطئ أصلا لأن إتفاق أوسلو تعامل أصلا مع سكان الأرض المحتلة في الضفة وغزة وهم لا يشكلون أكثر من 30 ‘ من مجموع الشعب الفلسطيني. فمن يهمل ثلثي شعبه لا يستحق تمثيل الثلث الآخر ولا يستطيع أن يتحدث باسم الشعب الفلسطيني بأجمعه. ومن يتخلى عن معظم حقوق هذا الشعب في كامل وطنه لا يستحق شرف قيادة هذا الشعب المناضل. عدد الشعب الفلسطيني الآن 12 مليونا منهم سبعة ملايين لاجئ على الأقل. فأين حقوق هؤلاء؟ وهل إستشيروا فيما إذا كان برنامج أوسلو يمثلهم وإذا ما كانوا راضين عنه؟ ما أقرت به اتفاقية أوسلو كارثة بكل المقاييس يجني شعبنا الآن حصادها المر. كيف يمكن لمجموعة صغيرة أن تتوصل لمثل هذا الاتفاق الخطير في غياب الشعب الفلسطيني وممثليه المنتخبين في المجلس الوطني والفصائل الفلسطينية والمؤسسات والنقابات والاتحادات؟ لقد جرى عن عمد وسابق إصرار تعطيل المجلس الوطني الفلسطيني ‘وأنا عضو في هذا المجلس منذ عام 1974′ كي لا تكون هناك آلية مساءلة ومراجعة وتصويب. آخر إجتماع عقد عام 1988 ولم ينعقد بعدها إلا ساعة أو ساعتين للتصفيق لكلينتون عندما جاء في كانون الأول/ديسمبر 1998 إلى غزة ليشهد إلغاء الميثاق.

حق العودة

حق العودة ‘مقدس وقانوني وممكن’ كما كان عنوان كتابي (2001) وهو لا يموت بالتقادم فالقانون الدولي واضح في هذا المجال والقرار 194 لعام 1948 يقر بحق العودة إلى الأماكن الأصلية. وقد تم التأكيد على هذا القرار 135 مرة في كل دورات الجمعية العامة ولجانها المعنية ليسجل سابقة لم تشمل أي قرار آخر. وهذا القرار سيبقى ينطبق على كل الذين أخرجوا من فلسطين وذرياتهم بقوة السلاح أو خوفا من مذابح أوإبتعادا عن ساحة الحرب. وقد كشفت الوثائق الصهيونية عن التعمد والعمل المنظم للقيام بأكبر عملية ‘إقتلاع عرقي أو تهجير عرقي’ كي لا أسميه تطهيرا لأن التطهير يعني أن هناك أوساخا أو تلويثا بحاجة إلى تطهير، لشعب عريق مستقر في وطنه منذ آلاف السنين كما جاء في كتاب إلان بابيه المشهور بعنوان ‘ ‘التطهير العرقي للفلسطينيين’. وحق العودة فردي وجماعي كما أن هناك سبعة مستويات للتعويض لمن لا يرغب في العودة طائعا، ولا يعني التعويض فقط ‘صرة من المال تقدم للاجئ فهناك العديد من حالات الأذى المادي والنفسي للبشر والممتلكات والأرض المشجرة وغير المشجرة واستغلالها من قبل الغاصبين الذين لا يملكونها وليس لديهم طابو إلا بأقل من 6′ من أرض فلسطين بينما يملك الفلسطينيون أوراق الطابو لملكية ما يزيد عن 90′ من الأرض’. وأما عن تغيير الطابع الديمغرافي للسكان في حالة عودة اللاجئين ‘فهذه ليست مشكلتنا أصلا’ لأن تنفيذ القانون الدولي لا ينكسر امام بعض العواقب التي قد تنتج عن تطبيقه. والأصل في تطبيق قرار أتخذ قبل تدفق المهاجرين من كل أنحاء الأرض ليحتلوا أرضا ليست لهم ويسكنوا بيوتا ليست لهم ويستغلوا موارد ليست لهم.

وليعلم الجميع أن نحو 85′ من السكان اليهود يسكنون في ثلاث مدن رئيسية هي تل أبيب والقدس الغربية وحيفا وهي لا تشكل إلا 17′ من مساحة إسرائيل وأن معظم القرى والبلدات العربية المهدمة والمطموسة المعالم إما غير آهلة أبدا أو يسكن بعضها تجمعات بين 50 إلى 300 شخص. فلو طبق حق العودة الآن فمعظم اللاجئين سيعودون إلى مناطقهم الأصلية أو قريبا منها.

يهودية الدولة

يعرف الصهاينة أن هذا الطلب جديد ولم يذكر إلا بعد عام 2008 كوسيلة للتملص من المفاوضات وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية ويعرفون أيضا أنه من المستحيل القبول به. لا أبو مازن ولا غير أبو مازن يستطيع القبول به لأنه يعني بكل بساطة أن أي وجود غير يهودي ‘في دولة اليهود’ يصبح غير شرعي وأن الفلسطينيين يتحولون إلى محتلين وأن عودة اللاجئين تصبح ملغية فكيف يعودون إلى بلد يهودي وهم ليسوا يهودا؟ وقد تتقدم إسرائيل بطلب التعويض من الفلسطينيين على إستعمال هذه الأرض اليهودية التي ليست لهم لمدة 1400 سنة. إن الاعتراف بيهودية الدولة إنتحار سياسي جماعي لا يستطيع أحد أن يقدم عليه ولا أن يفكر بالقبول به. كان على القيادة الفلسطينية أن ترد على هذا الطلب التعجيزي بطلب محق وهي أن تعترف إسرائيل بالمسؤولية القانونية والأخلاقية عن نكبة فلسطين عام 1948. فيكون الرد على الطلب الإسرائيلي الباطل بطلب فلسطيني عادل. تصوروا لو أن حاكم ولاية نيوجرزي قرر أن نسبة العرب والمسلمين في الولاية باتت تهدد الغالبية المسيحية وبالتالي سيطرد أعدادا منهم ويمنع دخول آخرين ويمنع المسلمين من الإنجاب لأكثر من طفل واحد. كل العالم سيحتج على هذه القوانين العنصرية التي قد تؤدي إلى صراع داخلي. لماذا يسمح فقط لإسرائيل أن تكون نقية دينيا ولماذا لا تصرخ في وجه إسرائيل تلك الدول التي تدعي الحضارة واحترام حقوق الإنسان وتحارب التمييز وتندد بالعنصرية؟ إنه العالم الغربي الذي عودنا على إزدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والعرب والمسلمين.

ما العمل؟

لا يقولن أحد إنني غير قادر أن أعمل شيئا. كل من يقول ذلك يساهم بطريقة أو بأخرى بنشر روح الانهزام والانسحاب من الساحة وترك المجال للمساومين والمفرطين دون رادع يردعهم. المهم أن الشجب والإدانة والصراخ والتخوين كلها لا تكفي يجب أن نصبح مشاركين في عملية النهوض لدعم القضية الفلسطينية التي تشهدها أوروبا والجامعات الأمريكية وبعض منظمات المجتمع المدني. إستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية. التوعية تبدأ بأولادكم وأبناء الجالية والتوعية يجب أن تصل الشعب الأمريكي والجاليات العربية والمسلمة والصحافة والأقليات الأخرى المتعاطفة. نظموا أنفسكم ووزعوا المهمات بينكم فقد بدأ الشعب الأمريكي يحس بعدالة القضـــية. أكــتبوا في الصحف وفي المواقع الشبكبة ونظموا المـظـــاهرات والمهرجانات. إبعثوا بوفود تزور الوطــن وخـاصة قطاع غزة المحاصر المجوّع من قبل الجميع. إرفعوا أصواتكم ضد التفريط والمساومة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. وأود في النهاية أن أدعوكم لتبني دعوة عقد انتخابات جديدة لاختيار أعضاء جدد في مجلس وطني جديد. فالمجلس الحالي تجاوز صلاحيته منذ زمن بعيد وقد توفي من أعضائه ما يزيد عن 40 عضوا وترك قسم آخر العمل السياسي، والعسكريون الذي كانوا يمثلون التنظيمات المسلحة قد إنتهى تمثيلهم في المجلس بحكم قرارات أوسلو. فلماذا لا يتم العمل على انتخابات جديدة؟ السلطة الفلسطينية مدعومة من الدول العربية لا تريد هذه الانتخابات لأنها بكل بساطة ستفرز قيادات شابة ملتزمة وطنيا لا تقبل التفريط ولا المساومة وهو ما يخشونه جميعا لانهم يريدون أن ينفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية بحجة دعم الشرعية الفلسطينية. المهم أن نعمل المهم أن نتابع ونوعي ونتواصل ونتبرع ونشارك ونكون أصدقاء أمريكيين لدعم القضية. نمد يدنا لأنصار قضيتنا العادلة ونساهم في برنامج المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات. وضع القضية الفلسطينية في أوروبا يتجه للأعلى أما في الدول العربية فيتجه للأسفل. لقد شوه نظام الطغاة العرب وجه القضية العادل كي يبرروا تقاعسهم وعجزهم وتآمرهم. وليس لنا إلا الرهان على أنصارنا ومؤيدينا من الشعوب العربية والإسلامية وشرفاء العالم وأنصار السلام العادل. لكن الفلسطينيين يجب أن يظلوا طليعة النضال وشعلة الصمود والتحدي والإصرار إلى أن تتحقق العودة الشاملة إلى كل فلسطين. وكما يقول المثل العربي ’ما ضاع حق وراءه مطالب‘.