يستعد فريق من الناشطين العرب في أمريكا للقيام بحملة إعلامية، قد تتبعها دعوى قضائية، ضد شركة إنتل Intel العملاقة التي تصنع شرائح الكومبيوتر، وذلك لمشاركتها إسرائيل في الاستيلاء على أراض فلسطينية وطرد أصحابها من ديارهم وضلوعها في مخالفة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وتأييدها لسياسات إسرائيل العدوانية.

وهذا فصل جديد من اتجاه الرأي العام العالمي لمحاكمة مجرمي الحرب والذين أقترفوا جرائم ضد الإنسانية، مثل شارون الذي تجري محاكمته في بلجيكا، بعد المبادرة الجريئة التي قام بها المحامي شبلى ملاط ورفاقه. ولن يقتصر هذا على مقترفي الجرائم أنفسهم، بل يشمل من يساعدونهم ويتعاونون معهم أو يستفيدون من هذه الجرائم اقتصادياً.

وهذا حال شركة إنتل، فقد أنشئت قبل حوالي خمس وعشرين سنة مركزاً لها في حيفا والقدس، لكنها خلال السنوات القليلة الماضية قد أقامت أكبر مصنع لها في قرية عراق المنشية، لتصنيع شرائح بنتيوم 3،4.

وهذه كانت غلطة قاتلة قانونياً، وربما تؤثر كثيراً على أعمال الشركة في البلاد العربية.

وقد قام الفريق العربي بتحديد موقع المجمع الصناعي على الخرائط الإسرائيلية، فوجد أنه في المنطقة الصناعية في قرية جات على مساحة 6000 دنم. وقد بني حول المجمع سور خرسانة عال ارتفاعه 7 أمتار فوقه سور عال من القضبان الحديدية الخضراء. ويقع المجمع بين خط السكة الحديد الممتد بين تل أبيب وبئرالسبع والطريق السريع رقم 6 الذي يخترق إسرائيل من الشمال إلى الجنوب.

وقارن الفريق هذا المكان بالخرائط البريطانية لعام 1948 فوجد أن هذا المكان يطابق تماماً موقع بيوت قرية عراق المنشية التي هدمت، وبني مكانها وعلى باقي أراضي القرية، مصانع ومنازل لامتداد مستعمرة قرية جات التي كان لا يتجاوز عدد سكانها 50 شخصاً عام 1948.

أهمية المكان ترجع إلى أن الوضع القانوني لقريتي عراق المنشية والفالوجة وضع خاص يختلف عن باقي قرى فلسطين. فعندما حوصرت فرقة من الجيش المصري بقيادة السيد طه (الضبع الأسود) ومساعده جمال عبد الناصر، رفض السيد طه الاستسلام وبقي محافظاً على موقعه وسلاحه. وعندما وقعت اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 فبراير 1949، كان هناك نص صريح يخص القريتين. إذ جاء في الملحق الثالث للاتفاقية نص الرسائل المتبادلة بين الدكتور رالف بانش، الوسيط الدولي بعد إغتيال برنادوت، ووالتر إيتان مدير خارجية إسرائيل، جاء فيه تعهد إسرائيل بأن "يسمح لجميع الأهالي المدنيين الذين يرغبون في البقاء في الفالوجة وعراق المنشية البقاء في ديارهم ويكونون آمنين على أنفسهم ومساكنهم وممتلكاتهم ومتعلقا تهم الشخصية". وقد أودعت هذه الوثيقة في الأمم المتحدة، وأصبحت جزءاً من الاتفاقيات الدولية.

ولم يحدث من قبل أن تعهدت إسرائيل هذا التعهد المسجل دولياً لأي قرية فلسطينية بعد انتهاء الحرب، إلا أنها بعد شهر من هذا التاريخ، أعطت تعهدا شبيهاً بذلك، ولكنه أقل تحديداً، للملك عبد الله عندما وافق على التنازل عن المثلث الصغير، الذي لا تزال فيه قري ام الفحم والباقة الغربية داخل إسرائيل إلى اليوم.

وبدلاً من الوفاء بالتـزاماتها الدولية، عمدت إسرائيل على الفور إلى التنكيل بأهالي عراق المنشية والفالوجة الذين بقوا في ديارهم. وفرضت عليهم منع التجول وأطلقت النار على كل من أطل برأسه من الباب ومنعت عنهم الطعام أو الخروج إلى الحقول. وكان هذا جزءاً من حملة مدروسة لإجبار الأهالي على مغادرة ديارهم.

ووصفت المنظمة الخيرية الأمريكية (الكويكرز) التي كانت متواجدة في المنطقة آنذاك، الوضع بقولها إن اليهود شنوا على القريتين حرباً نفسية مريعة. وجاء في تقرير رالف بانش للأمم المتحدة، بناء على تقارير مراقبي الهدنة، أن القوات الإسرائيلية ضربت الأهالي وسرقت ممتلكاتهم وأطلقت الرصاص عليهم دون تمييز وكانت هناك حالات من محاولات الاغتصاب".

وقد أخذ قرار التنظيف العرقي هذا قائد المنطقة الجنوبية آلون، بموافقة بن جوريون وبتحريض من يوسف فايتـز المسئول عن الأراضي لرغبته في الاستيلاء على هذا المكان الاستراتيجي. وقد نسب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى موشى شرتوك وزير الخارجية آنذاك قوله أننا نريد تطبيق "ما عملناه" في الفالوجة حيث طردنا العرب، في أماكن أخرى. وقال موريس أن عملية الطرد تمت "بجميع الوسائل"، إشارة إلى استعمال القتل والعنف والترهيب لطرد الأهالي.

وقد بحث الفريق العربي عن أهالي عراق المنشية الذين يبلغ عددهم الآن 14,345 حسب وكالة الغوث، فوجد أن منهم 29 في غزةو 5,126 في الضفة،و 9,190 في الأردن. ومن هؤلاء حوالي 1000 ولدوا قبل عام 1948، ويستطيعون الادلاء بالشهادة.

وقد اتصل الفريق بعدد من هؤلاء في مخيم البقعة بعمان وحصل على تأكيد بعملية التنظيف العرقي التي تعرضوا لها، كما حصل الفريق على صور لنقلهم بعد طردهم في شاحنات جهزتها بعض المنظمات الدولية.

كذلك عثر الفريق على بعض أهالي عراق المنشية في الولايات المتحدة يحملون الجنسية الأمريكية.

لقد كلف المصنع الحالي (F-18) الذي انشأته شركة إنتل على مساكن القرية حوالي بليون دولار بالإضافة إلى مساهمة حكومة إسرائيل برئاسة اسحق رابين بمقدار 600 مليون دولار. ويعمل في المصنع 1,600 مهندسو 2000 عامل فني. وقد صدرت الشركة منتجات من هذا المصنع في إسرائيل العام الماضي بمقدار 2 بليون دولار. وبلغت المبيعات في الربع الأول من عام 2001 ما قيمته 2ر1 بليون دولار أي بزيادة كبيرة عن العام الماضي. ويبلغ عدد العاملين في مصنع حيفا 1000 فني. ومجموع العاملين مع الشركة في إسرائيل 5,200 فني.

وتنوي الشركة توسيع استثماراتها في إسرائيل بمقدار 4 بليون دولار جديدة، رغم الانخفاض الشديد للاستثمارات الخارجية في إسرائيل بعد الانتفاضة، حسب ما جاء في مجلة بيزنس ويك الشهر الماضي.

وقد زار إسرائيل في شهر يونيه الماضي رئيس الشركة كريج باريت، وقابل اريل شارون الذي رحب به وأكد له أن مجلس الاستثمار سيوافق على طلبه بزيادة الاستثمار وستساهم إسرائيل بنسبة 12.5% من استثمارات الشركة الجديدة على شكل خدمات وبنية تحتية. وقال باريت أن شريحة بنتيوم 4 الجديدة ستكتسح السوق العالمي وسينخفض سعرها من 600 دولار إلى 352 دولار، وأن مصنع عراق المنشية سيكون المنتج الأول لهذه الشريحة.

وقام باريت بعد ذلك بزيارة خاطفة للأردن ووعد بالقيام ببعض المشاريع البسيطة، إرضاء للعرب، والاستفادة من خبرات الشباب المتدربين على برامج الكومبيوتر.

حمل الفريق العربي في أمريكا هذا الملف عن شركة إنتل واتصل بها طالباً إيقاف استثماراتها في إسرائيل لأنها مخالفة صريحة للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع جرائم التنظيف العرقي والاستيلاء على الأراضي والبناء على أرض لا تملكها الشركة. ولان الاستثمارات في بلد يمارس التفرقة العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان مخالفة لا يجوز أن تقوم بها شركة أمريكية. ولأنه لا يجوز لشركة أمريكية أن تدعم سياسات إسرائيل التي شجبها المجتمع الدولي والتي تؤدي إلى إشاعة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة. وطلب الفريق من الشركة أن تمتنع عن الاستثمار في إسرائيل وأن توجه نشاطها الاقتصادي إلى مناطق آمنة حسب القانون الدولي.

وقد أجابت الشركة أنها تعمل في إسرائيل حسب القوانين المرعية هناك، وأنها لا تقصد مخالفة القانون الدولي. ورد الفريق أن هذا تفسير غير مقبول على الإطلاق، وسأل الشركة: هل القيام بأعمال في ألمانيا النازية أو في جنوب أفريقيا العنصرية يعفيها من العقاب ? وقال الفريق أنه لو لم تطرد إسرائيل أهالي القرية لأصبحوا الآن مواطنين إسرائيليين ولما أمكن للشركة البناء على أراضيهم بهذه السهولة.

وقد أنهمرت عشرات الرسائل الإلكترونية على الشركة من الناشطين العرب في أمريكا، وبدأت الاستعدادات لاتخاذ إجراءات قانونية في أمريكا لوقف مخالفة الشركة للقانون الدولي، كما تجري اتصالات مع جهات اقتصادية عربية للتأثير على إنتل في الأسواق العربية. وينظم الحملة الدكتور مازن قمصية في جامعة ييل الأمريكية (mazin.qumsiyeh@yale.edu).

هذا مثال آخر على الجهد الشعبي الذي تستطيع القيام به مجموعة ناشطة لملاحقة المخالفين لحقوق الإنسان والمقترفين لجرائم الحرب. وهذا المثال، مثله مثل الجهد الذي قام به المحامي شبلى ملاط لمحاكمة مجرم الحرب شارون، يجب أن يكون حافزاً لكل الجهات الشعبية لكي تقوم بدورها، بعد أن عجزت الدول العربية أن تقوم به. فعصرنا هذا هو عصر حقوق الإنسان وعصر صوت الشعب.