الأخوة والأخوات الكرام

السلام عليكم ورحمة الله،،

أشكر لجنة يوم القدس على تنظيم هذا المؤتمر الهام. وأقدم شكرى وتقديرى للنبراس المضىء لهذه اللجنة الدكتور صبحى غوشه الذى أمضى ستة عقود من عمره في جهد لا ينقطع للدفاع عن الوطن فلسطين وجوهرته القدس.

في هذا اليوم يكون قد مر 22,683 يوماً منذ وقوع القدس الغربية وأكثر من ثلاثة أرباع فلسطين في يد الصهاينة، ومر 15,823 يوماً منذ وقوع كل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

لقد مرت هذه الايام كلها، وكأنها يوم واحد مكرر الآف المرات. فلا تزال مظاهر الصراع على هذه الأرض المقدسة واحدة: شعبٌ لا يزال يعانى، ويصارعُ عدوا شرساً، ولكنه لم يستسلم ولم يركع، وعدوٌ جاء من الغرب محملاً بأوهامه وأساطيره ومخططاته ودعم الاستعمار الغربي له بالمال والسلاح والسياسة والإعلام. ولكن هذا العدو، وإن انتصر في معارك حربية، إلا أنه لم ينتصر في المعركة الاخيرة.

هى نفسُ الصورة: نفسُ العدوان الشرس، ونفسُ الصمود العنيد، يتغير اللاعبون، وتبقى اللعبة واحدة، مستمرة، ولم يصفّر الحكم، بعدُ، بانتهاء المبارة الدامية ولم يعلن من هو الفائز الأخير.

ونحن نعلم تماماً من سيكون الفائز الأخير. ليس بلفور أو وايزمان أو بن جوريون أو شارون أو نتانياهو، فكلهم ذهبوا وآخرهم في طريق الزوال. وليس جونسون أو ريغان أو البُشّين أو الكلنتونين، فكلهم ذهبوا وآخرهم ذاهب في طريق السلام المزيف.

وبقى في الميدان أبو محمد وأم محمد، الذين غرسوا الزيتون هم واجدادهم وعاشوا وماتوا على هذه الأرض. وهم الذين دفعوا بدمائهم ثمن وجودهم عليها منذ الازل. هم الذين اشعلوا ثورة 36، وهم أول فدائيين في غزة في اوائل الخمسينات وهم أبطال الثورة في اواخر الستينات وهم أبطال الانتفاضات التى لن ينتهى عددها وهم أيضاً أبطال المقاومة في جنين وغزة. عائلة أبو محمد وأم محمد الافتراضية هى التى وقفت في وجه بلفور وحلفائه لمدة 93 عاماً. لم تنتصر هذه العائلة انتصاراً واحداً حاسماً ولكنها انتصرت انتصارات صغيرة متوالية. والأهم من هذا كله أنها لم تنهزم ولم تستسلم ولم تركع.

وكان لها عنوان دائم لم يتغير. الكل يحجّ اليه، والكل يُرسل لها الرسائل عليه ويخطبون ودها فيه. هذا العنوان هو القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى النبي محمد (ص) ومقام السيد المسيح عليه السلام.

الطامعون في هذا العنوان حاولوا تدميره منذ ثمانية قرون، ورأوه مركز الكون في العصور الوسطي، بداية الكون ونهايته، لكنهم لم يروه، ولم يعيشوا على أرضه، ولم يولدوا على أديمه، ولم يدفنوا في أرضه، على مدى العصور مثل عائلة أبو محمد وأم محمد.

ومع ذلك استمرت مؤامرتهم على العنوان وأهل العنوان وأرض العنوان المقدسة على مدى قرون عديدة. وبدأت ثمار جهودهم تؤتى أُكُلها فقط في بداية القرن الماضى. ومَنْ لم يشاهد أحد فصولها السابقة في القرن الماضي، فإنها يراها مكررة كل يوم على أرض الواقع مكررة على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون. وهذا درس للنشء الجديد، فقضية جده هى قضية والده وهى قضيته أيضاً. ومسئولية الدفاع عنها تقع على كاهل كل فلسطينى شاباً كان أم شيخاً. ومن لا يدافع عن وطنه لا يستحق هذا الوطن.

قصتنا معروفة ومكررة ولكن لا بأس من استنباط العبر منها:

انظروا إلى هذه المفارقة التاريخية ذات الدلالة الكبرى:

في مساء يوم الاربعاء 31 اكتوبر 1917 تمكنت القوات البريطانية من الاستيلاء على بئر السبع بعد أن فشلت مرتين في احتلال غزة. وقد كانت غزة وبئر السبع تمثلان بوابة فلسطين الجنوبية. وفي مساء هذا اليوم المشئوم أُنزل العلم التركى الاسلامي ورُفع العلم البريطاني مكانه. وبذلك انتهى عهد من الحكم العربي الإسلامي امتد 1,400 عام. فأرسل اللنبى قائد القوات البريطانية برقية إلى لندن قال فيها: "لقد أخذنا بئر السبع. ستكون القدس هدية عيد الميلاد لكم". وصلت البرقية إلى لندن في 1 نوفمبر فأخرج بلفور الرسالة التى اتفق عليها مع زعماء الصهيونية قبل ذلك بشهور، وأعلن وعده المشئوم في 2 نوفمبر.

الانتداب والآثار

وعندما تعيّن رونالد ستورز في منصب الحاكم العسكرى للقدس بدأ في تنفيذ مطالب الصهاينة، فادخل اللغة العبرية كلغة رسمية، وغير اسماء شوارع القدس باسماء توراتية، وخلق نوادي ومؤسسات صهيونية تعاملت مع بريطانيا ثقافة وسياسة.

لكن الطابع العربي الإسلامي والمسيحي في المدينة لم يزل حينئذ غالباً. ولم تستطع بريطانيا تجاهله. فأصدرت حكومة فلسطين الانتدابية قانوناً عام 1924، أكد حماية الاماكن المقدسة واعتبار "الحقوق السارية" للديانات والملل والطوائف قبل الاحتلال البريطاني معترف بها من قبل حكومة الانتداب.

ومن اللافت أن حكومة الانتداب اعتبرت أن الآثار التاريخية في فلسطين ذات أهمية خاصة، فأصدرت في أول عهدها قانوناً لحمايتها. وهذا استمرار لجهود بعثة "صندوق اكتشاف فلسطين" البريطانية التى جاءت لفلسطين عام 1871 لكى تبحث عن الآثار التاريخية التى تؤكد قصص الكتاب المقدس. وهذا ايضاً استمرارٌ لابحاث الكثير من القساوسة والرحالة والضباط والجواسيس الذين رسموا وخططوا فلسطين وآثارها منذ القرن التاسع عشر على الأقل.

لكن الغريب حقاً أن قانون حماية الآثار الفلسطينية هذا استبعد منها كل الآثار التى انشئت أو رممت بعد عام 1700، واعتبرها غير ذات أهمية. وهذا معناه أن معظم الآثار الاسلامية العثمانية في القدس، وهى أكثرها عددا، قد اسقطت من الحساب. واستبعدت من التسجيل والحماية والصيانة، أى أنها شطبت من السجل الاستعماري.

ولما حاول الصهاينة الاعتداء على حائط البراق عام 1929، وجاهروا برغبتهم في هدم المسجد الاقصى وبناء الهيكل عليه، هب العرب للدفاع عنه، وقتل في الاشتباكات عدد من العرب واليهود. فكونت بريطانيا بعثة قضائية دولية لم يشارك فيها بريطانيون، وجاء في تقريرها الصادر عام 1930:

"إن ملكية الحائط الغربى [أى حائط البراق]، من حيث أنه جزء لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف تعود إلى المسلمين كملكية منفردة، مطلقة، كجزء من الوقف الإسلامي".

(خريطة 1)

كل حجر في القدس ينطق بتاريخه الإسلامي والمسيحي، والبشر الذين بنوا هذا الحجر عاشوا في سلام على هذه الأرض لعدة قرون إلى أن جاء الحدث الذى لم تر مثله فلسطين منذ 5,000 عام، ألا وهو نكبة 1948. كيف يمكن لهذا أن يحدث، ذلك الذى زلزل فلسطين وغيّر معالمها وشرد أهلها؟ أنتم تعرفون القصة وعايشتموها.

الغزو الصهيوني

تمكن الصهاينة من بناء جيش مدرب تحت الحماية البريطانية، بينما دمرت بريطانيا المجتمع الفلسطيني قيادة وشعباً في الثورة العربية الكبرى من عام 1936 – 1939. وفي نكبة عام 1948 تمكن الصهاينة من الاستيلاء على 78% من مساحة فلسطين، وتهجير أهالي 675 مدينة وقرية وضيعة بما فيها القدس الغربية، أهلها اليوم لاجئون في أصقاع الأرض، وهم يمثلون ثلثى الشعب الفلسطينى أى أكثر من ستة ملايين نسمة، وهى أعلى نسبة في العالم لتشريد شعب. ولكن ماذا عن القدس نفسها؟

(خريطة 1) في العهد العثماني كانت مساحة القدس 13,000 دنم تشمل القدس القديمة وبعض الأراضي حولها. وفي الانتداب كانت مساحة مدينة القدس حتى عام 1947. (خريطة 1) حوالى 20,000 دنم، ويسكنها حوالى 65,000 عربى.

(خريطة 2)

وفي 29 نوفمبر 1947، صدر قرار التقسيم الجائر، رقم 181 إذ أعطى اليهود الذين يملكون حوالى 5.5% من مساحة فلسطين بتواطؤ من الانتداب البريطاني أعطاهم أحد عشر ضعفاً أى 55% من مساحة فلسطين. وهذا القرار هو توصية فقط لا يصبح نافذاً إلا إذا وافقت عليه جميع الأطراف، وهذا لم يحدث. وللمقارنة، فإن تقسيم البلقان استهلك أكثر من خمسة مشاريع تقسيم إلى أن وافقت عليه البوسنة والهرسك مع جيرانهم الطبيعيين من الصرب، وهؤلاء المقتسمون كانوا سكاناً شرعيين، وليس مثل حالنا أقتسم وطننا مهاجرون يهود وصلوا إلى البلاد في جنح الظلام على سفينة تهريب. (خريطة 2)

المهم أن مشروع التقسيم استثنى القدس من دولة للعرب وأخرى غالبيتها يهود. اُقترح المشروع فقط عزلها في منطقة منفصلة Corpus Separatum مساحتها عشرة أضعاف القدس الانتدابية وتشمل قرى القدس (خريطة 2). وهذه القدس بكاملها تقع داخل الدولة العربية ولا توجد لها أى صلة جغرافية بالدولة الصهيونية في تل أبيب. (خريطة 3)

وهذا بالطبع لم يرضِ بن جوريون. فخلال 6 أسابيع فقط، من أول ابريل 1948 حتى منتصف مايو، واثناء وجود القوات البريطانية لحماية الفلسطينيين والحفاظ على كامل أراضى فلسطين كوحدة واحدة، حسب شروط الانتداب، قام الصهاينة بطرد الفلسطينيين من القرى الساحلية وبعض قرى الجليل، أى قاموا بطرد مواطنى الدولة اليهودية من العرب وهم نصف السكان اثناء سريان الانتداب، مما أدى إلى طرد نصف كافة اللاجئين عام 1948، قبل أن يدخل جندى نظامي عربى واحد لإنقاذ فلسطين في 1948/5/15. وقبل هذا التاريخ ببضعة ساعات، أعلن بن جوريون دولة إسرائيل على مساحة 11% فقط من فلسطين، وهى الأرض التى سيطر عليها في ذلك التاريخ. (خريطة 3).

(خريطة 3)

وعندما دخلت القوات العربية فلسطين بقرار اتخذ في آخر لحظة، لم يكن لديها الاستعداد الكافي لهذه المعركة، ولا النية، ولا القدرة العسكرية، ولا تنسيق القيادة الموحدة. بعضها دخل استجابة لمظاهرات الشعب العربي بعد مذبحة دار ياسين، وبعضها دخل لاقتسام فلسطين مع اليهود وبعضها دخل نكاية في هذا أو ذاك. (خريطة 4)

(خريطة 4)

ولما رأى بن جوريون هزال العرب في معاركهم الأولى، صمم على أن يرمى بقرار التقسيم جانباً ويحتل الأرض العربية في الدولة العربية لكى يصل إلى القدس. (خريطة 4).

وفي اثناء تقدم القوات الصهيونية نحو القدس، سقطت اللد والرملة في فضيحة تاريخية لا يزال صداها يتردد إلى اليوم. لكن هذه المدن انتقمت بأن أفرزت أولادها النجباء: جورج حبش وخليل الوزير وإسماعيل شموط. ثم تقدمت القوات الصهيونية إلى أن احتلت القدس الغربية في المعركة الشرسة التى خاضها "الجيش العربى" بقيادة ضباط بريطانيين وعرب، وأُنقذت القدس القديمة. ولكن سقطت قرى القدس والممر الذى يربط بين القدس ويافا. وبقى هذا الأصبع الممتد من تل أبيب إلى القدس شوكة في حلق الضفة الغربية (أو شرق فلسطين) إلى يومنا هذا.

ومن المفارقات، وما أكثرها، أن احتلال إسرائيل للقدس الغربية مخالف لإعلان استقلال إسرائيل نفسها. عندما أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل في 14/5/1948 لم يجد لنفسه شرعية يتكئ عليها بجانب ادعاءه صلات اليهود التاريخية بفلسطين، غير قرار التقسيم. وأعلن التزامه بقرار التقسيم في إعلان الاستقلال. وأول ما فعله بعد إعلان الدولة هو الدوس على هذا القرار.

(خريطة 5)

ولذلك فإن الأمم المتحدة عندما قبلت إسرائيل عضوا فيها، اشترطت عليها شرطين – لا مثيل لهما في عضوية أية دولة أخرى:

الشرط الأول: التزام إسرائيل بقرار التقسيم رقم 181 أى الانسحاب من القدس الغربية واللد والرملة والجليل الأعلى، أى ما يساوى 24% من مساحة فلسطين التى احتلتها إسرائيل زيادة عن مشروع التقسيم.

الشرط الثاني: الالتزام بقرار 194 الشهير القاضى بعودة اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من ديارهم والصادر في 1948/12/11، أى بعد يوم واحد من إقرار الأمم المتحدة لشرعية حقوق الانسان.

وافقت إسرائيل على هذين الشرطين لمدة يومين فقط إلى أن وافقت الأمم المتحدة على عضويتها فيها. وبعد يومين من الموافقة، وضعت إسرائيل شروطاً وتحفظات أخْلَت إلتزامها الدولي من مضمونه إلى يومنا هذا. (خريطة 5)

(خريطة 6)

وهكذا أصبحت القدس مقسمة لأول مرة في تاريخها منذ عدة قرون. لقد حدث احتلال ودمار وتهجير للقدس في سابق العصور، ولكنه لم يحدث لها تقسيم على الإطلاق قبل ذلك الاحتلال الصهيوني. (خريطة 5).

بقى من مساحة بلدية القدس الانتدابية حوالى 3,800 دنم في الجانب العربى وضم إلى المملكة الأردنية وبقى حوالى 16,000 دنم في قبضة اليهود.

انظروا ما فعلت إسرائيل، لا ما قالت للأمم المتحدة. ضمت إسرائيل القدس وقراها بعد 9 أيام فقط من احتلالها عام 1967، ونسفت حارة المغاربة بجانب حائط البراق، رغم قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعدم الاعتراف بهذا الضم. (خريطة 6)

ثم وسعت إسرائيل مساحة القدس إلى 6 أضعاف، أى 123,000 دنم منها توسيع القدس الشرقية بالاستيلاء على أرضها وقراها بمساحة 70,400 دنم. (خريطة 6).

(خريطة 7)

وهذا الاستيلاء على الأرض العربية معناه بالطبع زيادة عدد السكان العرب. ومن هنا بدأ الاستيطان لتصحيح المعادلة. ورغم المحاولات الإسرائيلية المستميتة، فإن عدد العرب في القدس الموسعة في منتصف 2010، كان 276,000 عربى من أصل 775,000 أى بنسبة 36%. وسياسة إسرائيل تخطط إلى عدم تجاوز العرب نسبة 30% من المجموع. ولذلك تسعى بكل الوسائل إلى طردهم وتهجيرهم. وليس من المستبعد إطلاقاً أن تقترف إسرائيل مذابح جديدة، وأن تطرد عدداً كبيراً من أهالى القدس، وأن تدمر مساكن جديدة، وأن تستمر في سياستها العنصرية الهمجية. (خريطة 7)

لم يتوقف هذا العدوان الإسرائيلي، فهم الآن يخططون لقدس أكبر، ويعزلون ما تبقى من القرى الفلسطينية بواسطة حائط الفصل العنصري. هذه خريطة (خريطة 7) رسمناها بناء على معلومات استقيناها من مكتب الأمم المتحدة OCHA، وتبين امتداد القدس لتشمل الأراضي المحصورة بحائط الفصل العنصري وفي هذه الحال يبلغ مجموع مساحة القدس في العصر الإسرائيلي الحالى حوالى 300,000 دنم أى 15 ضعفاً لمساحة القدس الانتدابية، أو 5% من كامل مساحة الضفة الغربية. وهى تستوعب كل مساحة القدس حسب قرار التقسيم عدا أبو ديس وبيت لحم. ويضاف إليها قرى جنوب وشرق وشمال القدس.

ويجب الا ننسى الأراضي التى تحتلها إسرائيل في مشارف القدس بصمت كامل من العرب. المنطقة الأولى هى منطقة الأرض الحرام في اللطرون ومساحتها 48,000 دنم وهى منطقة غير عسكرية ولكنها تابعة للضفة، وأهلها لهم الحق في العيش فيها بسلام. وهذا ما لم يتم. (شرح).

والمنطقة الثانية هى جيب اللطرون نفسه (الأحمر على اليسار) وهو جزء أصيل من الضفة، ومساحته 15,000 دنم وفيه قرى عمواس وبيت نوبا ويالو. وهى قرىً أمر يتسحاق رابين بتدميرها وطرد أهلها عام 1967، غير عابئ حتى بالتراث المسيحى الذى يقدس قرية عمواس.

وبذلك يضاف إلى هذه الخريطة أمامكم قرى في أكناف القدس ومساحة أراضيها حوالى 63,000 (62,908) دنم. هذه هى الأراضي التى استلبتها إسرائيل تحت سمع العالم وبصره.

(خريطة 8)

(خريطة 8) ولكن ما هو مصير أهلها أو ما معنى ذلك ديموغرافيا؟ (خريطة 8). هذه الأرض المستلبة لاستيطان 4 مجموعات: (1) بلوك جفعون (12,000)، (2) بلوك القدس الشرقية (123,000)، (3) مجموعة أدوميم (23,000) و(4) مجموعة عصيون (43,000).

وهذا معناه أن هذه المستعمرات الجديدة يستوطن فيها 88 ألف مستوطن بجانب 123 ألف في داخل القدس الشرقية ما يصل في مجموعه إلى 211 ألف مستوطن، على أرض فلسطينية مصادرة حديثاً ضمت إلى القدس.

ويوجد حوالي 300,000 مستوطن في باقى الضفة الغربية مقابل 2 مليون و800 ألف فلسطيني في الضفة الغربية، ما يعنى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية يساوى 20% من السكان. وهذه النسبة تقترب من نسبة عدد اليهود في كامل فلسطين قبل إنتهاء الإنتداب، وإقامة دولة إسرائيل، مع فارق كبير هو أن اليهود في فترة الانتداب لم يسيطروا على أكثر من 5.5% من مساحة فلسطين، وهم اليوم يسيطرون على 40% من مساحة الضفة الغربية على أقل تقدير. وأقصى ما يعرضونه على الفلسطينيين هو 60% من الضفة أى 12% من كل فلسطين، ستتقلص بلاشك إلى أقل من ذلك بكثير، وربما تصل إلى نسبة 6% من مساحة فلسطين. وهكذا يريدون تبادل الادوار مع الفلسطينيين قبل 1948، يملكون في فلسطين ما ملك الفلسطينيون قبل النكبة، ويملك الفلسطينيون ما ملك اليهود آنذاك.

(خريطة 9)

(خريطة 9) إن هذه التوسع الشيطاني، ليس المقصود منه فقط إسكان المستوطنيين، بل طرد أهل البلاد، وعزلهم في القرى المجاورة للقدس عن مدينتهم. (خريطة 9).

ثمانية قرى في الشمال الشرقي للقدس مثل بيت إكسا، بيت سوريك، بيت إجزا، بيت دقو، وبدّو، والقبيبة، وقَطَنّة، والطيرة عُزلت عن القدس بواسطة حائط الفصل العنصري.

وفي شمال القدس عزلت أربعة قرى وهى بيت حنينا وبير نبالا والحبيب والجديرة عن القدس الأم.

وفي شرق القدس عُزلت حوالي عشرة قرى عن القدس الأم منها أبو ديس، العيزرية، والرام. وهذه معناه عزل 22 قرية فلسطينية بعدد سكان 225 ألف و300 نسمة عن القدس الأم.

سياسة إسرائيل

تعتمد سياسة إسرائيل في تهجير الفلسطينيين من القدس على ثلاثة عوامل:

وهنا سنسمع الكثير من الأخوة المحاضرين الذين حضروا من القدس.

الأول: سياسة عزلهم في مناطق مسورة.

ثانياً: إنشاء ضواحي يهودية جديدة رخيصة لتشجيع الهجرة.

ثالثاً: منع تطوير الأحياء الفلسطينية لكى تصبح غير قابلة للسكن.

ولكى يتم ذلك، فإن إسرائيل تنشئ طرقاً إلتفافيه لخدمة اليهود، ولا تخدم الفلسطينيين مثل طريق القدس الشرقية الدائري، ومثل خط السكة الحديد الجديد، وبذلك تخلق مناطق معزولة ومسوُرة مثل الجيتو يحشر فيها الفلسطينيون خارج القدس. وأيضاً مثل هدم البيوت العربية، تحت أعذار تعسفية منها أيضاً الإستيلاء على الأراضي، التى تقع في وجه مشروع التوسع الصهيوني.

(خريطة 10)

(خريطة 10) على أن أهم السياسات الإسرائيلية ذات المغزى الديني، والتاريخي الهائل الذى يمتد على مدى 2000 عام من رسالة المسيح، وعلى مدى ألف واربعمائة عام من رسالة الإسلام، هو تهويد القدس العتيقة التى تحتوى على 223 معلم ديني وتاريخي هام. (خريطة 10).

بدأت هذه السياسة كما قلنا بهدم حي المغاربة، وتحويله إلى ساحة، ثم الإستيلاء على مجموعة بيوت فيما يسمى أحياناً بالحي اليهودي غالبيتها أملاك عربية، وسكن اليهود فيها بالإيجار في زمن الإنتداب، ثم إستولت الآن إسرائيل على ما يسمى بالحي اليهودي بأكمله.

(خريطة 11) الأخطر من هذا أن المستوطنيين بدعم مالي يهودي رسمي وشعبي من أمريكا، تمكنوا من شراء عدة منازل في الحي الإسلامي، والحي المسيحي (نفس الخريطة)، بواسطة عقود حقيقية أو مزورة لأشخاص وهميين. كما قامت إسرائيل بتطوير الأنفاق القديمة، لكى تصبح ممراً متصلاً من خارج القدس إلى حائط المبكى مباشرة يزوره السياح. ثم تخطط إسرائيل الآن لكى تفتح خطاً مباشراً لليهود من إحدى بوابات السور الشمالية والغربية، لتوفير مسالك مباشرة من الخارج إلى داخل القدس. (نفس الخريطة)، كما إنها تخطط لتوسيع القدس القديمة لجهة الجنوب، تحقيقاً لمعتقدات دينية ليس لها أصلُ في الحقيقة أو الواقع، تحت ما يسمى بالحوض المقدس. (خريطة 11).

(خريطة 11)

هذه المعلومات معروفة ومسّجلة يومياً في تقارير وخرائط ومراسلات دبلوماسية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الانسانية (OCHA) ولسفارات جميع الدول الغربية، بالإضافة بالطبع إلى العديد من الجمعيات الأهلية، الفلسطينية والأوربية.

انظروا ما جاء في تقريرٍ بحثىٍ أصدره Chatham House، أهم مؤسسة بحثية تعمل لصالح الحكومة البريطانية والاتحاد الأوربي في فبراير 2010.

يقول التقرير:

"إذا لم يكبح جماح الإجراءات الإسرائيلية، فإن طرد معظم أهالي القدس الشرقية من ديارهم لن يكون بعيداً عن التصور كما كان قبل عشر سنوات.

إن تحييد إسرائيل لدور السلطة الفلسطينية وخضوع القيادات الدينية التقليدية ودعمها من قبل الأردن، وتهميش حماس في المدينة قد أفقد الفلسطينيين كل عوامل المقاومة الفعّالة والمنسّقة. وفي المدى القريب إلى المتوسط، سيكون لإسرائيل حرية التصرف دون عائق. والتحدي الوحيد للاجراءات الإسرائيلية هو الحركة الإسلامية بقيادة رائد صلاح. وحيث أنه قادم من إسرائيل نفسها، فإن إسرائيل لن تقبل بتحويل هذا التحدى إلى حركة شعبية واسعة، أكثر من استقدام المسلمين للصلاة في القدس. وستكون النتيجة اللجوء إلى العنف.

وهذا سيؤدى إلى احتمالين خطيرين:

الأول: أن تنزلق القدس إلى تقسيم عنصري واضح يؤدى إلى طرد الطرف الضعيف.

والثاني: أن تتحول المدينة إلى ساحة قتال واسع حول الأماكن المقدسة".

الأوربيون يعرفون كل هذا ولا يعملون شيئاً. لأنهم لا يرغبون في الدفاع عنا، خصوصاً إذا لم ندافع نحن عن أنفسنا. إذن إسرائيل تقضم أرضنا قطعة قطعة، ويطلبون منا المفاوضات الأبدية، ونتانياهو وشريكه صاحب الماخور الروسي يقول لنا اعترفوا بأن فلسطين هى أرض إسرائيل Eretz Yisrael وأنتم ليس لكم مكان هنا إلا عبيداً أو عمالة وافدة تعطى إقامة مؤقتة وأجرة بخسة.

السؤال الجوهرى الآن هو: ماذا عملنا، وماذا يجب أن نعمل من أجل القدس. ومن أجل أم القدس: فلسطين من البحر إلى النهر ومن رأس الناقورة إلى أم رشرش على خليج العقبة.

هناك الكثير مما يمكن أن نعمله كابناء هذا الشعب المناضل، دون أن ننتظر من الأنظمة العربية جيوشاً جرارة ودبابات هادرة وطائرات تغطى وجه الشمس، فهذه كلها رابضة في المخازن، يعلوها الصدأ. الميادين كلها مفتوحة لاولاد أبو محمد وأم محمد، فهم أصحاب الحق الذين يدافعون عنه.

كلنا يعرف الحقائق والارقام التى عرضتها عليكم للتذكير، وكلنا يتألم ويأسف ويتوجع عندما يقرأ الصحف ويشاهد التلفزيون. لكننا مثل الكثير من شعوب العالم الثالث: شعب متلقٍ، شعب مستمع أو مشاهد. ولكن لا يغيّر الله ما بنا إلا إذا تحولنا من السلبية إلى الايجابية، من الاستماع والمشاهدة والآلم والأسف إلى العمل، العمل الكفء النشيط الفعال. واستذكر هنا قول جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر يستنهض همم الهنود لمقاومة الاحتلال البريطاني:

"يا أهل الهند، والله لو كنتم ذباباً لأزعج طنينكم الانجليز".

وأول مظاهر العمل أن يكون للقضية صاحب. من هو صاحبها؟ من هو المدعى في محكمة العدل، والمدافع عن حقه وأرضه وتاريخه؟ هو الشعب الفلسطينى بالطبع. أين هو اليوم؟

إن أول وأهم إنجاز للشعب الفلسطينى منذ النكبة كان إنشاء كيان موحد للشعب الفلسطينى، مُمَثَّلٍ في المجلس الوطنى والذى تبعته المقاومة المسلحة لانها مطلب الشعب. وهذا الإنجاز هو الذى وضع فلسطين على خريطة العالم عام 1974، وهو الذى خلق لها كرسياً في الأمم المتحدة وفتح لها سفارات كثيرة في العالم.

ولكن للأسف الشديد، أصبح الشعب الفلسطينى اليوم شعوباً متعددة. هناك شعب الضفة تحت وطأة الاحتلال وعسف سلطته، وشعب غزة تحت الحصار، وشعب 48 تحت عنصرية الصهيونية، وشعب الشتات العربي تحت الخوف من التوطين من جهة والخوف من سلطة الدولة المضيفة من جهة أخرى، وشعب الشتات الأجنبي وهو أكثرها حرية وفعالية في المحافل الدولية.

ومجموع هؤلاء اليوم 11 مليون فلسطينى في العالم، ليس لهم تمثيل في المجلس الوطنى الفلسطينى. وبعد أن عقد آخر اجتماع له معترف به في الجزائر عام 1988، ولد نصف الشعب الفلسطينى، وهم اليوم عصب الانتفاضة والمقاومة، وليس لهم تمثيل في تقرير قضاياهم المصيرية.

إذن فالواجب الأول هو تجديد انتخاب مجلس وطنى جديد. وقد قمنا نحن وغيرنا منذ عشر سنوات أو أكثر بالدعوة إلى انتخاب هذا المجلس ولكن وضعت أمامنا عقبات وصعوبات وحجج، لا يصمد أى منها إلى الفحص الدقيق. وسبب هذا التلكؤ هو بقاء أصحاب الكراسي في مكانهم والاحتفاظ بأختام مضبطة الشرعية للاستعمال عند اللزوم.

ولو كان لدينا مجلس وطنى مُمِّثل للشعب، لما احتجنا، عند اختلاف الاطراف الفلسطينية، إلى عواصم الدول العربية، وأجهزتها الأمنية للاحتكام إليها للمصالحة. ولو كان لدينا هذا المجلس، لما تهاونت أجهزة المنظمة العتيقة في إسقاط ما يسمى بمبادرة جنيف وتهاونت في الدفاع عن تقرير جولد ستون وتهاونت في محاربة حصار غزة، وغير ذلك كثير.

ومن المؤسف حقاً أن نقع في فخ المفاوضات، مباشرة كانت أوغير مباشرة، بحيث يتم اختزال القضية الفلسطينية إلى احتلال إسرائيل عام 1967 كأنما انكمشت فلسطين إلى خُمس مساحتها، واندثر الفلسطينيون ولم يبق منهم إلا خُمْسهم في الضفة. وليس هذا فحسب، بل يتم تفتيت القضية التاريخية كلها إلى مواضيع ممزقة مثل الأمن والحدود والمياة والسيادة الصورية وتوطين اللاجئين في بقعة ما على وجه الأرض. ولو كان لدينا حس تاريخي أو قانوني، لأدركنا أن قضية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 هى واحدة فقط، هى إزالة الاحتلال الإسرائيلى كما قضت به عشرات القرارات الدولية. وهو مطلب واحد يَجُبُّ كل أمر غيره.و ما هذا التفتيت إلى عدة ملفات إلا خدعة من إسرائيل لست أدرى كيف أنطلت على مفاوضينا الاشاوس لكى تتهرب من الالتزام بالقانون الدولى وقرارات الامم المتحدة ولكى تقول إن الضفة ليست محتلة، وإن لها حقاً فيها، وربما لكم انتم الفلسطينيون أيضاً لكم جزء من حق، فلنجلس لنتفاوض عليه.

ولكن حتى بزوال الاحتلال تبقى لنا القضية الكبرى، القضية التى تزيل آثار النكبة، وتعكس عملية التهجير العرقى بالعودة إلى الوطن.

ونحن كشعب، بوجود المنظمة أو بدونها، علينا واجب كبير يجب القيام به اليوم قبل الغد.

اولاً: يجب الاستفادة من التعاطف العالمى الكبير خصوصاً في المجتمعات الغربية. لدينا الآن أكثر من مليون فلسطينى مؤهلين باللغات والعلم والخبرة، يمكن تجنيدهم للقيام بهذا الدور، الذى لا يحتاج إلى إذن أو ترخيص من أحد، ولا يحتاج إلى كثير من المال، ولكنه يحتاج إلى العزيمة والكفاءة.

ثانياً: لدينا رصيد كبير من الاحكام القانونية مثل القرار الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الصادر في يوليه 2004 حول جدار الفصل العنصري. هذا القرار هو كنز قانوني لم يصدر لنا مثله منذ وعد بلفور المشئوم. نحن نحتاج إلى قوة قانونية ضاربة في كل المحافل الدولية لتنفيذ هذا القرار وتطبيقه. ويؤسفنى القول أنه عندما قمنا بمراجعة السلطة حول جهدها في الاستفادة من هذا القرار، وجدنا أن لها مكتباً مختصاً بهذا الموضوع ولكنه منزوع القدرات، قليل الفعالية. والآن يحمل عبء الاحتجاج على جدار الفصل العنصري أهل بعلين والمتضامنين معهم من سائر بلاد العالم.

ثالثاً: إن تقرير جولد ستون وغيره من التقارير الدولية، تكوّن مادة قانونية لتطبيق ميثاق روما لعام 1998 المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية. وبموجبه يمكن مطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين في جميع بلاد العالم لاقترافهم جرائم حرب بموجب المادة 8، وجرائم إبادة بموجب المادة 6 من الميثاق. من يقوم بهذا الدور اليوم؟ جمعيات أهلية بريطانية تساعدها جمعيات فلسطينية في الضفة وغزة. أين الصوت المدوى للشعب الفلسطينى، أين الشعب الضحية في كل هذا؟

رابعاً: إن مقاطعة إسرائيل التى بدأتها الدول العربية في عهد الضمير العربي، عهد جمال عبد الناصر، قد أنحَسرت، ولم يبق ملتزماً بها إلا القابض على وطنيته مثل القابض على الجمر. من يحمل الراية الآن؟

الذى يحملها مجموعة من الشباب الفلسطينيين والأجانب في حملة المقاطعة المعروفة بــ BDS. ورغم تواضع جهودها، إلا أنها أنتشرت في العالم الغربي، ما جعل هارتس في 2010/9/5 تقول إن حملة المقاطعة الشعبية تنتشر بشكل متسارع. أين نحن من هذا؟ الاّ توجد المنتجات الإسرائيلية في بعض الاسواق العربية سراً وعلناً؟ والحملة الخجولة التى أطلقتها السلطة أخيراً في الضفة لمقاطعة منتجات المستوطنين، لا منتجات إسرائيل، أليست هذه الحملة ضئيلة بالقياس إلى المقاطعة العالمية لإسرائيل؟

خامساً: قبل أن نتجه إلى العالم لنعرض قضيتنا، ألا يجدر بنا أن نتجه نحو شعبنا نفسه؟ اليوم لا يوجد من اللاجئين إلا 6% منهم هم الذين ولدوا في ديارهم قبل التهجير العرقى في عام النكبة. ولو أضفنا إليهم 30% شاركوا في المقاومة المسلحة في الستينات والسبعينات، لبقى لدينا ثلثى الفلسطينيين لا يعرفون فلسطين لا بالتجربة، ولا بالكفاح من أجلها، فهم يعيشون اليوم في عصر الاستسلام والانبطاح. والاسوأ من ذلك أن مقررات الدراسة في كثير من أماكن التواجد الفلسطينى اختُزلت وتراجعت وتقزمت حتى أوشك الفلسطينيون على إنكار فلسطين، كما أنكر يهوذا الاسخريوطي السيد المسيح.

إذن يجدر بنا إذكاء الروح الوطنية للنشء بكل الوسائل: في البيوت أولاً ثم في المدارس حيث أمكن، في الندوات والمؤتمرات، في محطات تلفزيونية خاصة، في المباريات والمنافسات الوطنية، وغير ذلك كثير.

سادساً: يجدر بنا إعادة اللحمة إلى مؤسسات الشعب الفلسطينى الشعبية من نقابات وروابط وجمعيات. وإعادة تكوينها وانتخابها حيث أمكن. لقد سرقت الصهيونية أرضنا ولكننا حملنا تاريخنا معنا. ولذلك يجب إعادة تركيب هذا الشعب في كل مكان في الشتات. ولنا في الانترنت، وحتى الفيس بوك، أسوة حسنة. فعلى هذه الشبكة التى تلغى المسافات توجد عدة مواقع توثق الشعب الفلسطينى وأرضه وتاريخه. يجب تجميع وتقوية كل هذه الجهود التى لا تحتاج، أقولها مرة أخرى، إلى إذن من أحد.

سابعاً: القوة الحقيقية الضاربة هى القوة الشعبية. من الذى أوقد شرارة ثورة 1936 ودفع ثمنها من دمه؟ ومن الذى بدأ أول حركة مقاومة في بداية عام 1950؟ ومن الذى أعاد اللحمة إلى الشعب الفلسطينى بالمقاومة المسلحة في الستينات والسبعينات. ومن الذى أشعل الأنتفاضة الأولى والثانية؟ ومن الذى رفع راية المقاومة في غزة وجنوب لبنان إلى يومنا هذا. كل هذه حركات شعبية. والسبب غياب الجيوش الرسمية، التى دخلت فلسطين مرة واحدة عام 1948 للأسباب التى ذكرتها، ولم تدخل بعدها حرباً ابداً من أجل فلسطين، بل من أجل الدفاع عن أراضيها التى احتلت.

إذن فالدرس الذى نتعلمه أن الشعب هو صاحب الحق وعليه واجب الدفاع عنه، وأنه لا فائدة ترجى من القعود وانتظار الفرج من صديق أو عدو.

ثامناً: قضيتنا باختصار هى قضية شعب طرد من أرضه. وهو يريد أن يسترجع حقه وأرضه. إن ثلثى الشعب الفلسطينى هم لاجئون، ولو أضفنا إليهم النازحين عام 1967 لأصبح لدينا ثلاثة أرباع الشعب الفلسطينى لا يعيشون في ديارهم. هذه أكبر نسبة لشعب في التاريخ. فلذلك لابد أن يكون تجنيد اللاجئين للدفاع عن إرثهم وتراثهم من الاولويات، كما كان الوضع سابقاً. لقد زرت أكثر من 50 مخيماً ومسكناً للاجئين في كافة انحاء فلسطين وفي البلاد العربية وفي البلاد الأجنبية، فوجدت أن الكل يتحرق شوقاً للعمل، خصوصاً في ظل غياب المنظمة ودائرة اللاجئين. يجب أن تكون لدينا قوى فعالة منظمة في كل تواجد للاجئين في انحاء العالم.

هذه الميادين الثمانية، وغيرها كثير، مفتوحة للعمل، وبها يعمل الآن الكثير من ابناء شعبنا المخلصين في كل بلاد العالم. هذه ليست مشاريع نظرية أو طوباوية، بل هى تحت التنفيذ. والمطلوب الآن من كل فرد منا أن يشارك في هذه الأعمال، وأن يقدم ما يستطيع، حتى تصبح هذه الجهود قوية ومتماسكة ومنتشرة.

وفي نهاية المطاف، يبقى حقنا في أرضنا العربية الفلسطينية من النهر إلى البحر، ثابتاً وأصيلاً، لا تهزه أساطيرٌٌ توراتية تخترع تاريخاً مزيفاً، ولا قوة عسكرية تزرع الهزيمة في النفوس، ولا ضغوط سياسية تخيف الخائف وتقوى الشجاع، ولا تخاذل عربى رسمى يتخذ من العجز والخنوع سياسة رسمية للدولة، ولا قهر للشعب الفلسطينى ومطاردة لمناضليه والمدافعين عنه، على يد الصديق قبل العدو.

وهذا الحق يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: هى حق العودة، حق استرجاع الوطن والعيش على أرضه بكرامة وحرية، حق إلتحام الجغرافيا الفلسطينية مع التاريخ الفلسطينى مرة أخرى على أرض الوطن. حق العودة هو جوهر الحقوق وأصلها. وهو الحق الذى يصفه القانون الدولى بأنه "غير قابل للتصرف"، ونصفه نحن بأنه نبراسنا ومصدر كينونتنا وشهادة إنسانيتنا. ولا رجوع عنه ولا تهاون فيه.

ولعل واسطة العقد في هذا الوطن، القدس الشريف وأكناف القدس وقراها، تكون أول جائزة لتنفيذ حق العودة. فهذا الحق يعنى استرجاع القدس لأهلها، وتحريرها من كل مغتصب.

ولذلك فإن شعارنا الكبير يبقى حق العودة. ولا شك عندى أنه قادم. وما ضاع حق وراءه مطالب.

والسلام عليكم ورحمة الله***