رغم أن فلسطين، أرضا وشعباً، شغلت العالم، وشغلت أهلها على وجه الخصوص، منذ وعد بلفور قبل 90 عاماً إلا أن نصفها الجنوبى ظل مجهولاً ومهملاً حتى من ابناء فلسطين أنفسهم.

تاريخ عريق

في القرن التاسع عشر وما قبله كان جنوب فلسطين يعرف ببلاد غزة، ويقع غالباً تحت سلطة متصرف القدس. وكان يتمتع بشبه استقلال ذاتى، لان حمايته كانت تقع على كاهل فرسان العشائر الذين لم يخضعوا أبداً للتجنيد في الجيش العثماني. وعندما احتاجت الدولة العثمانية إلى جنود، كانت تطلب من شيوخ العشائر إرسال متطوعين، وليسوا مجندين، فكان هؤلاء يرسلون فرقاً متطوعة من الفرسان تذهب وتعود وتحارب كوحدة منفصلة.

وعندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882، وسعت من نطاق نفوذها في سيناء وخططت لاحتلال فلسطين. وكانت بريطانيا قد أرسلت بعثة مساحية تحت إسم "صندوق اكتشاف فلسطين" لدراسة جغرافيا فلسطين وجيولوجيتها وآثارها التاريخية والأماكن المذكورة في الكتاب المقدس. وبقيت البعثة في فلسطين 6 سنوات (1871 – 1877) ثم عادت إلى لندن وأصدرت في الثمانينات من القرن التاسع عشر 26 خريطة مفصلة لفلسطين و10 مجلدات عن نباتاتها وطيورها وتاريخها الطبيعي وآثارها وعن القدس بوجه خاص.

لكن هذا المسح وصل جنوباً إلى وادي غزة فقط، ولم يشمل باقي جنوب فلسطين. فقام كتشنر وهَلْ عام 1883 بمسح وادى عربة وجنوب فلسطين. وقام نيوكمب بمساعدة لورنس العرب بمسح "النقب" – من غزة إلى العقبة عام 1914. كما قامت بعثات مساحية مصرية تحت إدارة انجليزية في نهاية القرن التاسع عشر بمسح شبه جزيرة سيناء. وهذا ما أدى عام 1906 إلى تحديد "الخط الادارى الفاصل" بين فلسطين ومصر، ويمتد بين أم رشرش وطابا على خليج العقبة إلى رفح على شاطئ البحر الابيض المتوسط.

كان هذا الحد أول حد إدارى فاصل بين فلسطين (أو سوريا الكبرى) تحت الحكم العثماني وبين مصر تحت الحكم الانجليزي، أو بين بلدين عربيين واقعين تحت حكم غير عربى. وفي معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 أصبح هذا الحد الإدارى البسيط حدوداً دولية ذات أسلاك شائكة ونقاط مراقبة.

ولما كانت عشائر فلسطين ممتدة بطبيعة القرابة والجوار والعلاقات في شرق الأردن (شرقاً) وفي سيناء (غرباً)، فإن الحد الادارى لعام 1906 تسبب في فصل العشائر عن بعضها وفصلها عن حقولها ومراعيها وموارد مياهها، فثارت على لجنة الحدود المصرية وتم تعديل اتفاقية الحدود بحيث يسمح للأهالى بعبور الحد الادارى في أى اتجاه بكل حرية، ولكن لم يسمح للجنود الاتراك حاملى السلاح بعبور الخط نحو مصر. أما حد قضاء بئر السبع الشرقى، وهو وادى عربة، فبقى مفتوحاً إلى درجة كبيرة خلال عهد الانتداب بأكمله.

ومن المفارقات أن قطع أوصال البلاد العربية التى وضعها الاستعمار بين مصر وفلسطين وفصل الأهالى عن حقولهم ومياههم عام 1906، قد تكرر عام 1923 عندما اتفق البريطاني نيوكمب (الذى وضع خريطة النقب) مع الفرنسي بوليه على فصل فلسطين عن سوريا ولبنان مما أدى إلى تمزيق أراضى 23 قرية في قضاء صفد، والذى أدى بدوره إلى ثورة الأهالى، فاضطرت سلطات الاستعمار إلى تعديل اتفاقية الحدود الشمالية بحيث يسمح للاهالى بالعبور إلى حقولهم والاستفادة من مصادر مياههم بما فيها الملاحة والصيد. مرة أخرى تحول هذا الخط الادارى إلى حدود دولية مع لبنان وسوريا عند انشاء إسرائيل عام 1948.

عودة إلى بئر السبع. لقد انقطعت الصلة الجغرافية بين فلسطين ومصر في وادى النيل قبل الحدود الادارية عام 1906 بكثير، عندما فتحت قناة السويس عام 1869. أصبح الحاجز المائى عقبة كبيرة أمام عبور القوافل من الحجاز وبلاد الشام إلى مصر والعكس. وتوقف "درب الحج المصري" الذى كان يعبر سيناء إلى العقبة ويلتقى قريباً منها مع "درب الحج الشامي" إلى مكة والمدينة. واستعيض عنه بالنقل البحرى من السويس إلى جدة بعد إقامة محجر صحى في طور سيناء.

ومنذ هذا التاريخ انفصلت عشائر مديرية الشرقية في مصر وأصلها شامى أو حجازى عن جذورها في تلك البلاد.

وخلال القرن التاسع عشر كله وقبله بقليل زار جنوب فلسطين كثير من السياح والقساوسة والجواسيس وضباط الاستخبارات. فهذا الكونت فولني (1875) يزور فلسطين كلها ويصبح كتابه عن رحلته في مصر والشام مادة إجبارية لضباط نابليون. وهؤلاء علماء نابليون في موسوعتهم "وصف مصر" (التى جُمعت معلوماتها بين 1798 – 1801) يسردون وصفاً كاملاً للعشائر العربية بين القاهرة ودمشق، بما فيها عشائر بئر السبع، يذكرون فيه عددهم وعدد فرسانهم ومدى قوتهم ومناطق أراضيهم واسماء عشائرهم وشيوخهم.

وهذا سيتزن يزور تلك البلاد عام 1806، وبركهاردت السويسري جاسوس الانجليز عام 1812. أما فيكتور جوران اليهودي الفرنسي فيزور كل قرية في فلسطين عام 1863 ويكتب عدة مجلدات عنها. أما المستشرق النمساوي، ألوا موزل، جاسوس عائلة هابسبرج الحاكمة، فقد زار عشائر فلسطين وسوريا والأردن، وكتب عنها بالتفصيل. ولكن لم تصل دقة أى منهم في الوصف والتفصيل مثلما وصل وصف المستشرق اليهودي جاسوس القيصر الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم، فقد كتب وصفاً كاملاً للعشائر في فلسطين والأردن والحجاز وسوريا بما فيها تاريخهم ومناطقهم وعدد بيوتهم واسماء شيوخهم وسلالاتهم.

ولم يتأخر الفرنسيون في إرسال جاسوسهم الأب جوسون التابع للمدرسة الانجيلية في القدس، فطاف شرق الأردن وجنوب فلسطين وسيناء في مطلع القرن العشرين وصنّف عشائرها، وانتهى أمره جاسوساً للانجليز في بداية حملة اللنبي على فلسطين.

ومن العجيب أنه باستثناء "صندوق اكتشاف فلسطين" والسيطرة الانجليزية على مصر، لم يكن للانجليز جاسوس يضاهى ذلك الالماني أو النمساوي. وحتى لورنس لم يكن له ذكر في جنوب فلسطين، وإنما اقتصر نشاطه عامى 1917 – 1918 على شرق الأردن.

أين مكان الحكم التركي من كل هذا؟ بالطبع لم يكن الاتراك، ولا حتى أهالى فلسطين، على علم كامل بهؤلاء الجواسيس الذى يخططون ويرسمون ويرصدون. ولم يكونوا أيضاً على علم بشبكة الجاسوسية الصهيونية (نيلي) التى كانت تخدم الاستخبارات البريطانية قبل الحرب العالمية الأولى من مزرعة يهودية قرب قيسارية، ويمتد نشاطها إلى رفح والاسكندرية. ولكن الاتراك اكتشفوا هذه الشبكة اثناء الحرب العالمية الأولي وأعدموا أفرادها.

في تلك الفترة، كان اهالى بئر السبع مشغولين بمشاكلهم الداخلية. وكل "حروبهم" كانت على شكل "طوشة" أو "كونة" على قطعة أرض أو اعتداء على جار أو رفضاً لتعدى السلطات التركية على بلادهم. لكن هذه الحروب الداخلية انتهت تقريباً مع نهاية القرن التاسع عشر. وتزامن ذلك مع شعور الاتراك بالتهديد البريطاني في مصر لفلسطين. فقامت الحكومة التركية في عام 1900 باحياء موقع بئر السبع التاريخي. واقاموا فيه مدينة بئر السبع الحديثة بتخطيط شوارع مستقيمة على شكل مربعات، وأودعت فيه مواد تموينية وعسكرية استعداداً لحرب قد تطول. ومدت سكة الحديد إلى بئر السبع ثم عوجا الحفير على الحدود المصرية. وهادنت شيوخ العشائر وأغدقت عليهم العطايا واقيم مهرجان كبير لتكريمهم. وأثمرت هذه الجهود في عام 1915، عندما استبق الاتراك الهجوم البريطاني على فلسطين بالهجوم على قناة السويس فيما عرف باسم "جردة القناة"، فتطوع 1500 من فرسان عشائر بئر السبع، وابلوا بلاء حسناً في قطية. لكن الهجوم التركي بقيادة جمال باشا قد فشل لسوء التخطيط وطول خطوط المواصلات. وبقيت مدينة بئر السبع مدينة محصنة نسبياً لاعتبارها بوابة فلسطين الجنوبية.

هذا ما أدركه اللنبي الذى استلم قيادة "الحملة العسكرية المصرية" لاحتلال فلسطين عام 1917 بعد فشل سلفه موراى في احتلال غزة مرتين في ربيع 1917 بعد أن تكبد الانجليز عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

وضع الضباط الاستراليون في الحملة خطة للتمويه بمحاولة اقتحام غزة مرة ثالثة ولكن القوة الكبرى توجهت في مسيرة ليلتين شرقاً للالتفاف حول بئر السبع من الجهة الشرقية. وفوجئت الحامية التركية البالغ عددها 5000 جندي بقيادة عصمت بيك (عصمت باشا اينونو فيما بعد، الرئيس الثانى للجمهورية التركية بعد أتاتورك) بقوة بريطانية من جنود المستعمرات قوامها 50,000 جندي تهاجمهم من الشرق.

وبسقوط بئر السبع في 1917/10/31 أرسل اللنبي برقية إلى لندن يقول فيها "سقطت بئر السبع. ستكون القدس لكم هدية عيد الميلاد". وصلت البرقية في 1 نوفمبر. فأخرج جيمس بلفور ورقة من درج مكتبه كان قد اتفق على نصها مع الصهاينة قبل عدة شهور وأصدر "إعلان بلفور" في 1917/11/2.

بئر السبع في عهد الانتداب

قسم الانتداب البريطاني فلسطين إلى ألوية، والألوية إلى 16 قضاء، وكل قضاء مقسم إلى مدن وقرى والأراضى التابعة لها. وبذلك أصبحت بلاد غزة تعرف باللواء الجنوبي وقسمت إلى قضائين: (1) قضاء غزة ويشمل القرى الساحلية الجنوبية ومساحته 1,113,000 دنم. و(2) قضاء بئر السبع ومساحته 12,577,000 دنم، أى ما يساوى تقريباً نصف مساحة فلسطين ويمتد من الفالوجة شمالاً وغزة غرباً والخليل شرقاً إلى أم رشرش على خليج العقبة جنوباً.

وكانت تعيش على أرضه وتفلحها 77 عشيرة مقسمة إلى 7 قبائل: الترابين وهى أكبرها ثم التياها والجبارات والعزازمة والحناجرة والسعيدين والأحيوات. لكن 95% من هذه القبائل وخصوصاً الترابيين والتياها والجبارات والحناجرة كانت تفلح الجزء الشمالى والغربى من قضاء بئر السبع حيث كانت تسقط الأمطار بأكثر من 100 ملم في السنة وهى الصالحة لزرع الشعير أو شمالاً حيث تسقط الأمطار بأكثر من 200 ملم في السنة وهى الصالحة لزرع القمح.

ولذلك كان هذا القضاء هو سلة الخبز لفلسطين. وحتى قبل الانتداب كانت السفن المحملة بالحبوب تتكدس في ميناء غزة، وكانت بريطانيا تستورد في عهد الانتداب معظم محصول الشعير الذى كان يستعمل لصناعة البيرة. وزراعة الحبوب الواسعة في القضاء هى ما جعلت القس تومبسون الذى زار البلاد عام 1853 يندهش عندما رأى الحقول ويصيح "قمح، قمح، بحر من القمح".

لذلك فإن المساحة المفتلحة كانت تصل إلى حوالى 4 مليون دنم في أوقات الخصاب ولا تقل عن 2.0 مليون دنم. أما المناطق القليلة المطر في جنوب بئر السبع (الذى سماه الانجليز النقب، نقلاً عن الكلمة العبرية "نيجيف") فكان أهلها يشتغلون بالرعى وتربية الماشية.

احتفظ أهالى بئر السبع بملكيتهم للاراضى حسب قانون العرف والعادة. وبموجبه تم البيع والشراء والإرث. وإذا تعدى طرف على أرض أخر قامت الحروب أو "الكونات" وربما استمرت سنيناً إلى أن تنتهي بالصلح.

واعترفت حكومة الانتداب بملكية الأهالى لأراضيهم. وفي 29 آذار (مارس) عام 1921 التقى ونستون تشرتشل وزير المستعمرات البريطاني بشيوخ بئر السبع بحضور هربرت صمويل أول مندوب سام بريطاني (صهيوني)، وأكد لهم اعتراف الحكومة بملكيتهم للاراضى كما هى حسب العرف والعادة (كما جاء في وثيقة CO733/2.P.77 الموجودة في PRO مركز المحفوظات البريطاني)، وطلب منهم تسجيل أراضيهم وأعفاهم من رسوم التسجيل، لكنهم لم يروا ضرورة للتسجيل. وفي عهد الانتداب، دفع الأهالى العشور كضرائب على أراضيهم، وحكمت محاكم الانتداب بصحة انتقال الملكية في حال البيع والشراء والإرث.

وقدرت "لجنة الأراضى" التى كونتها حكومة الانتداب في عام 1920 برئاسة البريطاني أبرامز والعربي فيضى العلمي واليهودي كالفارنسكي (رئيس شركة استعمار) وأصدرت تقريرها في 31/5/1921 أن الأراضى المفتلحة في قضاء بئر السبع لا تقل عن 3,750,000 دنم عدا المراعى.

وفي عام 1928 وضعت بريطانيا، بناء على إلحاح الصهيونية، نظاماً لمسح الاراضى (خرائط كادا سترال) وتتبعه محاكم "تسوية الأراضى" التى تفصل في ملكية الأراضى المرسومة على الخرائط، وذلك لفرز الأراضى التى لا توجد لها أوراق ملكية واضحة فتأخذها الدولة وتسلمها لليهود حسب صك الانتداب الذى يدعو إلى استيطان اليهود استيطاناً كثيفاً لكل الأراضى التى تقع تحت يد الحكومة.

بدأت "تسوية الأراضى" في المناطق ذات الوجود اليهودي في السهل الساحلى ومرج ابن عامر وقضاء صفد لإثبات ملكية اليهود، وعندما انتهى الانتداب لم تكن دائرة "تسوية الأراضى" قد أنجزت أكثر من حوالى 5.25 مليون دنم، أى حوالى خُمس مساحة فلسطين. ورغم أن أعمال المساحة بدأت في غزة في اوائل العشرينات من القرن العشرين على سبيل التجربة، إلا أنها لم تكمل عملها عند مغادرة بريطانيا فلسطين، ولم تسجل باقى فلسطين تحت نظام "محاكم التسوية"، بما في ذلك قضاء بئر السبع.

لكن بريطانيا أسرعت قبل رحيلها من فلسطين في إكمال خرائطها الطبوغرافية عن فلسطين لأسباب عسكرية اثناء الحرب العالمية الثانية، فأصدرت 16 خريطة لفلسطين بمقياس 1: 100,000 بها أحدث المعلومات التى جمعتها عن فلسطين من رأس الناقورة حتى عوجا الحفير جنوب مدينة بئر السبع. أما الخرائط التفصيلية (الكادا سترال) بمقياس 1: 20,000 فأنجزت منها حوالى 130 خريطة فقط لم تغط في قضاء بئر السبع إلا بعضاً من الجزء الشمالى والغربى. وفي كل هذه الخرائط، أضيفت اسماء العشائر التى تستوطن تلك البلاد، بل وظهرت هذه الاسماء على الخرائط التى رسمت قبل احتلال فلسطين واستعملها اللنبي في حملته.

واستدركت بريطانيا ما فاتها من مسح أراضى فلسطين على الطبيعة، فأخذت أكثر من 5000 صورة جوية في عامى 1945، 1946 وبعضها في عام 1948. وبينت فيها اجزاء واسعة من قضاء بئر السبع. ويتضح من هذه الصور الجوية أن معظم قضاء بئر السبع كان مفتلحاً بالكامل، ويمكن رؤية الحقول والمزارع بكل وضوح في هذه الصور. وقد أدرجت هذه الصور لمعظم فلسطين في "أطلس فلسطين 1948"، الذى أصدرته "هيئة أرض فلسطين" في لندن عام 2005.

وفي ميدان الحركة الوطنية لم يختلف أهالى بئر السبع عن إخوانهم في سائر فلسطين في الدفاع عن الوطن. وشاركوا في المؤتمرات العربية الفلسطينية السبعة في عهد الانتداب، ومؤتمر اللجان القومية عام 1936 والمؤتمر العربي القومي في بلودان عام 1937. وكان بعض شيوخهم اعضاء في الهيئة العربية العليا وفي المجلس الإسلامي الأعلى بغزة. كما كانوا من الموقعين على إعلان "حكومة عموم فلسطين" في اكتوبر 1948.

وفي اضطرابات عام 1921 طلب تشرشل من شيوخ العشائر الخلود إلى الهدوء والسكينة عندما ثاروا على وعد بلفور. ذلك لان السيطرة على البلاد كانت في أيديهم. وفي ثورة البراق أرسلوا فرساناً إلى القدس للوقوف مع إخوانهم هناك.

وفي منتصف الثلاثينات من القرن الماضى، انشئت "جمعية البدو العربية" ومقرها مدينة بئر السبع. وكانت تستنهض الهمم وتنوّر الناس عن اخطار الصهيونية وتحذر من التفريط بالأرض، وتهدد كل من تسوّل له نفسه بذلك، وتفضحه أمام الناس.

وفي ثورة 1936 – 1939 سيطر الثوار في بئر السبع بالتعاون مع إخوانهم في غزة والخليل على قضاء بئر السبع بأكمله، وطردوا الانجليز منه وأقاموا حكماً عربياً في بئر السبع لمدة سنة. وحُكم على بعض قادتهم بالإعدام فلجأوا إلى مصر حتى عام 1942 عندما عادوا وبدأوا تجميع قواهم مرة أخرى، للدفاع عن الوطن. وتحالفوا مع قوات الاخوان المسلمين الذين وصلوا إلى فلسطين في بداية عام 1948، وبقي قضاء غزة وقضاء بئر السبع عربيين خالصين، إلا من بقع صغيرة، إلى أن دخل الجيش المصري فلسطين في 1948/5/15.

وتسرب 60,000 دنم إلى اليهود اثناء حكومة الانتداب أى 0.5% من مساحة القضاء، سرعان ما انشأ عليه الصهاينة 11 مستعمرة قبيل انتهاء الانتداب، في كل منها بضعة أكواخ وما لا يزيد على 30 جندياً في كل موقع. وبالمقابل بلغ عدد سكان القضاء في نهاية الانتداب 110,000هم الأغلبية الساحقة في القضاء وأصحاب أرضه.

وعندما زارت اللجنة الخاصة للامم المتحدة فلسطين (UNSCOP) في صيف 1947 وبقيت لفترة وجيزة، أخذها الصهاينة لزيارة احد هذه المستعمرات قرب عسلوج لمشاهدة ما وصفوه بأنه مزرعة نموذجية للتطور الزراعى المرتقب. ولم تكلف اللجنة نفسها عناء مقابلة ممثلين عن أكثر من 100,000 فلسطيني هم سكان القضاء يزرعون ملايين الدنمات في أرضهم. وعندما قرر الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة إبلاغ الوفد الصهيوني أن أمريكا ستصوت لصالح بقاء قضاء بئر السبع عربياً في مشروع التقسيم، اتصل اللوبي الصهيوني بهارى ترومان وأقنعه بعكس ذلك. واتصل ترومان برئيس الوفد الأمريكي قبل دقائق من اجتماعه مع الوفد الصهيوني، وأبلغه بأن يعكس قرار الخارجية الأمريكي وأن يوافق على ضم القضاء إلى إسرائيل. ولا تسل عن دهشة رئيس الوفد من هذا الانقلاب المفاجئ ومدى سطوة النفوذ الصهيوني.

النكبة

عندما دخل الجيش المصري فلسطين، أمر جميع المتطوعين الفلسطينيين بتسليم سلاحهم ("لانهم لا يتقنون فنون القتال وقد يتدخلون في سير العمليات العسكرية"). وبعد مقتل النقراشى وحسن البنا مؤسس حركة الأخوان المسلمين، قبض على متطوعى الاخوان في فلسطين وأودعوا سجنى رفح والبريج.

وصلت القوات المصرية إلى إسدود وهو حد التقسيم للدولة العربية، وتوقفت هناك. وتمركزت في خط ساحلى امتد من رفح إلى غزة ثم المجدل. وفي الشرق دخلت القوات المصرية من عوجا الحفير إلى بئر السبع ثم بيت لحم وتركت قوات صغيرة في كل هذه الاماكن، وارتبط الطابور الساحلى بالطابور الشرقى بواسطة طريق بيت جبرين – الفالوجة – المجدل، في مواقع دفاعية فقط.

هذا الإنتشار الواسع كان قليل الكثافة، وكانت القوات قليلة الخبرة في طبيعة البلاد وقليلة الخبرة العسكرية، مقابل القوات الصهيونية المدربُة تدريباً جيداً في الحرب العالمية الثانية والتى يفوق عددها القوات المصرية بكثير، عكس ما كانت تدعيه الدعاية الصهيونية.

وفي معركة حاسمة في منتصف اكتوبر 1948، اخترقت القوات الصهيونية محور بيت جبرين – المجدل، تاركة جيب الفالوجة محاصراً، واحتلت بئر السبع في 21/10/1948، أي بعد 31 سنة بالضبط من سقوط بئر السبع في يد اللنبي. وفي الشهور التالية تم سقوط باقى القضاء الشمالى. وفي 1949/2/24 وقعت إسرائيل اتفاقية الهدنة مع مصر. وبعد اسبوعين من ذلك، وخلافاً لهذه الاتفاقية التى لم يجف مدادها بعد، انطلقت القوات الصهيونية لاحتلال النقب جنوب بئر السبع ووصلت إلى مياه خليج العقبة ورفعت علم اسرائيل على ام رشرش، آخر نقطة شرطة فلسطينية. وبذلك سقط النصف الجنوبي من قضاء بئر السبع دون إطلاق رصاصة واحدة.

وهكذا أفرغت إسرائيل قضاء بئر السبع من أهله وأصبحوا لاجئين، ما عدا قلة بقيت. ويبلغ عدد أهالى قضاء بئر السبع الآن ما يقرب من مليون نسمة. وباستثناء من بقوا، فإن عدد اللاجئين اليوم (2008) هو795,000 منهم 380,000 في الأردن، و375,000 في غزة، و40,000 في الضفة وبضع عائلات في لبنان وسوريا. وسرعان ما انخرط شبابهم في الحركات الفدائية فأبلوا بلاء حسناً في اختراق خط الهدنة في الخمسينات محاولين العودة إلى الوطن. وكانوا عنصراً فعالاً في الثورة الفلسطينية ابتداء من عام 1969، وسقطت منهم أعلى نسبة من الشهداء لعدد السكان في العقود الستة الماضية.

بئر السبع تحت الاحتلال الاسرائيلي

اقترفت القوات الصهيونية مذبحة عندما دخلت بئر السبع. ويذكر الناجون منها أن الجثث قد تكومت فوق بعضها. ومن بقى على قيد الحياة من الأهالى نقلوا في شاحنات أفرغت ركابها على حدود غزة. كذلك يتحدث الأهالى عن مذبحة العتايقة التى لم يستطع أحد من الناجين ذكرها إلا بعد سنوات طويلة. أما عرب العزازمة فقد طاردتهم وحدة 101 بقيادة شارون على مدى سنوات عديدة (1950 – 1954) وقتلت منهم الكثير وطردتهم إلى مصر. لقد كان هذا هو النسق المعتاد لعملية التطهير العرقى الذى مارسته الصهيونية منذ ذلك الحين.

عندما أجليت العشائر من مواطنها، وعلى رأسها القيادات الوطنية، بقى في إسرائيل 14,000 شخص، 90% منهم من قبيلة التياها، والآخرون بقايا عشائر لم ينزح أفرادها كلهم. بدأت إسرائيل بخطة متكاملة للسيطرة على الأراضى العربية، وضربت عرض الحائط بحقوقهم في العهد العثماني والبريطاني.

تعتمد إسرائيل في نهبها للأرض العربية على قانون الأراضى العثمانية الصادر عام 1858، الذى يعتبر السلطان خليفة المسلمين، هو المرجع الأعلى لملكية معظم أراضى فلسطين، عدا الوقف. وتعتبر إسرائيل نفسها "خليفة" السلطان، وبالتالى فهى تملك كل أرض فلسطين، مالم يثبت مالكها أو حائزها عكس ذلك. وتعتبر إسرائيل أن أراضى بئر السبع كلها أراضى "موات" وبالتالى فهى ملك الدولة، وليست ملك أصحابها، وتعتمد إسرائيل على نص المادة 103 من قانون الأراضى (1858) التى تفسر أراضى "الموات" بأنها: "الأراضى الخالية، وغير المفتلحة، وأراضى القفر والمستنقعات والجبال وأراضى الغاب، وليست مسجلة بعقد ملكية، وليست مخصصة منذ القدم لمجتمع أو مرعى، وتبعد عن أقرب قرية مسافة يسمع منها صوت عال (مقدرة بـ 2,850 متراً)".

ولا ينطبق شىء من هذا على أراضى قبائل بئر السبع، في شمال وغرب القضاء. فهى قطعاً ليست خالية إذ كان يعيش فيها حوالى 100,000 نسمة عام 1948. وكل دنم فيها تسقط عليه امطار تزيد عن 100 مم / السنة مزروع أو مستغل، كما أكدته، الصور الجوية التى اخذتها المساحة العسكرية البريطانية. وهى "مخصصة" لهم حسب القانون العثماني، إذ لم يسكن فيها أحد غيرهم عبر مئات السنين.أما من حيث سماع الصوت، فلا يوجد في اراضيهم المزروعة والمأهولة، دائرة قطرها 5.7 كم خالية من أى انسان. أما الاراضى القفر فهى تقع الى الجنوب من كرنب وعسلوج حتى ايلات أو أم رشرش.

ويكفى هذا الوصف لاثبات عدم انطباق "الموات" على هذه الاراضى. لكن إسرائيل تصر على ابراز "عقد ملكية" لاثباتها. وقد ذكرنا أن الملكية في قضاء بئر السبع فردية، وليست قبلية أو "مشاع"، وتباع الأرض وتشترى من الأفراد، بموجب اتفاقات ثنائية، وبحدود معروفة ومتفق عليها بين الجميع، وبموجب تلك الملكية، دفع الاهالى ضريبة "العشور" للأتراك وحكومة الانتداب على مدى السنين. ولا يزال بعض الاهالى يحمل ايصالات الضرائب. وتوجد تلك الاثباتات في ملفات الحكومة البريطانية عن فلسطين وعن مصر حتى قبل ترسيم الحدود بينهما.

وتؤكد وثيقة تركية (IMMS 122/5229) صادرة في 4/5/1891 من مجلس شورى الدولة التركية أن مجلس إدارة اللواء أرسل مأمور الدفتر الخاقانى "لتحديد وتحرير أراضى كل قبيلة وقسموا (أى: سجلوا) خمسة ملايين دنم" من مجموع مساحة القضاء التى تتجاوز عشرة ملايين دنم أصحابها ("متصرفيها القدماء بموافقة اللجنة العسكرية الخاصة وأنه بذلك تحققت موافقة المشايخ والعربان") وبلغت رسوم الطابو 1,250,000 قرشاً.

وعندما دخل الصهاينة لاستلام فلسطين من سلطة الانتداب البريطانية عام 1920، تولى هربرت صمويل، الصهيوني اليهودي، منصب أول مندوب سام بريطاني، ومثله الصهيوني نورمان بنتويتش، السكرتير القانوني للحكومة، وأيضاً تولى حاييم كالفاريسكي، المنصب الرئيسى في "هيئة تسوية الأراضى" الحكومية، وهو مدير "شركة الاستعمار اليهودي". وكان تركيزها الاساسى على الأرض، وتحويل ملكية كل الأراضى، ما لم يثبت العكس بشكل قاطع، إلى الدولة لتبيعها أو تؤجرها لليهود.

مع ذلك، فلم يصدر اطلاقاً قرار من حكومة الانتداب ان أراضى بئر السبع المأهولة أراضى موات بل على العكس اكد صمويل لشيوخ بئر السبع ان "حقوقهم الخاصة والعرف والعادة الساريتان ستبقى كذلك، من دون تدخل من جانب الحكومة".

حتى عندما تركت أرض في بئر السبع من دون فلاحة لمدة 3 سنوات، لم تستول عليها الحكومة، كما هو الحال لو كان تصنيفها أرض "موات" حسب القانون. والقانون الذى وضعه صهاينة حكومة الانتداب عام 1921 (قانون الأرض الموات، الجريدة الرسمية رقم 38) يحظر على أى شخص فلاحة أى أرض موات من دون أذن، بعد صدور ذلك القانون. ومن يفلحها قبل ذلك. عليه ان يبلغ السلطات قبل 1 أيار 1921. ولو فرضنا أن اراضى بئر السبع اعتبرت "موات" (وهذا غير صحيح)، فإن الحكومة البريطانية، في شخص تشرشل، أقرت بحقوقهم في أراضيهم كما هى، في سنة صدور هذا القانون.

لكن إسرائيل، في سعيها الحثيث لنهب أراضى بئر السبع، تجاهلت تلك الحقوق التاريخية، واصدرت قوانين كثيرة لتخدم أغراضها.

بعد أن طردت الأهالى من أراضيهم في عام 1951، سنت قانون "الاستحواذ على الأراضى" في عام 1953، بموجبه سمحت لسلطة التطوير استملاك "الأراضى الخالية في نيسان (ابريل)1952". ومن بينها 1,225,000 دونم لمواطنين فلسطينيين موجودين، معظمهم من التياها.

بدأت إسرائيل بفرض الاحكام العرفية عليهم، التى استمرت حتى عام 1966، وأعلنت أن كل أراضيهم هي "أراضى دولة". وفي عام 1950 صدر قانون "نقل الملكية" الذى جعل حكومة إسرائيل وصياً على "أملاك الغائبين"، وفي 1/4/1952 وكلت "لهيئة التنمية" الحق في الاستحواذ على كل الأراضى "الخالية" من السكان. كيف يمكن أن يكون الاهالى القاطنين في مواطنهم من "الغائبين"؟ وكيف يمكن أن تكون أراضيهم "خالية"؟ الحل الاسرائيلي هو نقلهم في شاحنات بالقوة إلى مكان أخر قبل هذا التاريخ.

اختارت إسرائيل معزلاً (المعروف باسم "السياج") في منطقة قاحلة شرق طريق الخليل – بئر السبع – عسلوج ومساحته 900,000 دونم، أى 7 في المئة من مساحة قضاء بئر السبع، وتركتهم فيه، ومنعتهم من مغادرة المنطقة "لأسباب امنية" لمدة 16 عاماً.

كيف حدث ذلك؟ يقول تقرير إسرائيلي من ملفات هاشومير هاتساعير (مابام) عام 1953 إنه منذ تأسيس إسرائيل لم تكد تنقضي سنة من دون عمليات طرد وترحيل للبدو من أراضيهم إلى أماكن قاحلة في الشرق، وإخلاء المناطق الخصبة في الشمال الغربى من أهلها. وتمت عملية الترحيل على مراحل وبطرق مختلفة، منها الادعاء أن الترحيل مؤقت، مثلما حدث مع عرب المسعوديين. وفي حالات أخرى اعطيت وعود كاذبة بالتعويض. وفي احدى الحالات تم ذلك عن طريق الرشوة لأحد الاشخاص من ذوى النفوذ (تم الترحيل ولم تدفع الرشوة). وأحياناً كان الجيش يلجأ إلى القوة السافرة للطرد. وفي كل الحالات تقريباً كانت تسبق عملية الترحيل، عمليات ازعاج مستمرة من الجيش، وعمليات تفتيش وتمشيط متواصلة ليل نهار. واطلاق رصاص على المواشى وخطفها، والتهديد بقطع التموين، والادعاء أن من بينهم متسللين أو فدائيين أو مهربين، وترويع السكان بسبب ذلك.

ومن العشائر التى طردت خارج إسرائيل بهذه الاساليب، عرب الجراوين، وعرب أبو رقيّق، وعرب أبو كف. وقدم الشيخ حسين أبو كف مطالبة باملاكه المسجلة في مدينة بئر السبع، فشن الجيش على عشيرته حملة تفتيشية بحجة وجود متسللين بينها، وأجبروها على ترك أراضيها. أما عرب الفراحين (عزازمة) فكانوا يقيمون شمال بير عسلوج وطردوا إلى الشقيب، ثم إلى شرق الأردن، بدعوى أنهم مهربون.

أما قبيلة الصناع، وعلى رأسها الحاج ابراهيم الصانع، فقصتها معروفة من ملفات مراقبى الهدنة، ومذكورة في كتاب هتشنسون "الهدنة الدامية". لقد طردت القبيلة من أرضها في الشريعة إلى اللقيّة ثم إلى تل عراد. فلم يقبلوا بذلك، فطردوا إلى الأردن في أيلول 1952. وبعد تدخل مراقبى الهدنة واحراج الإسرائيليين، سمح لهم بالعودة إلى عراد القاحلة، ولم يعودوا إلى ارضهم الخصبة، كذلك طردت اسرائيل 1000 شخص من عرب الجهالينو 2000 شخصاً أخر إلى الأردن في شتاء 1949 / 1950.

وعلى مدى سنوات بين 1949 – 1954 طردت إسرائيل 6,200 شخص من قبيلة العزازمة إلى سيناء في عدة عمليات، كانوا يعودون بعدها إلى ديارهم. والسبب الذى تدعيه إسرائيل لهذا الطرد هو اتهامهم بوضع ألغام على الطريق واعمال التخريب. وفي أيلول 1953 قامت وحدة 101 مع قوات من مستعمرة كتسيعوت معززة بالطائرات، بقيادة الارهابى اريل شارون بمهاجمة العزازمة، فأحرقت بيوتهم ودمرت ممتلكاتهم واعملت فيهم مذبحة رهيبة، واحتلت إسرائيل منطقة العوجا المنزوعة السلاح (260,000 دونم) منذ ذلك الحين. وتقول المصادر الإسرائيلية إن 17,000 شخص طردوا من إسرائيل بين 1949 – 1954، والرقم الحقيقي أكبر من ذلك.

وهكذا لم يبق فلسطيني في قضاء بئر السبع إلا وطرد من أرضه، إما في نكبة 1948 وهم الغالبية، أوبعدها بسنوات قليلة إلى خارج فلسطين المحتلة، أو إلى معزل داخلها في الأرض المحتلة ولكن في غير أرضه. وأصبح هؤلاء لاجئين في بلادهم، على الرغم أنهم "مواطنون" في دولة إسرائيل، ولم تمنح لهم هويات إسرائيلية إلا عام 1952، لكن ذلك كان بعد نقلهم إلى المعازل وتطبيق "قانون أملاك الغائبين" عليهم، ومصادرة أراضيهم الخصبة، لإقامة المستعمرات عليها. ولازالت المعركة على الأرض والهوية قائمة إلى اليوم.

وفى عام 1969، صدر قانون إسرائيلي يبطل القانون العثماني بأن وضع اليد يشكل مصدراً لحيازة أرض "الموات" ونصت المادة 155 منه ان "جميع أراضى الموات تسجل باسم الدولة". وبموجبه صادرت كل الأراضى داخل المعزل (900,000 دونم)، وخارجه (11,600,000 دونم).

حاول بعض الاهالى العودة إلى أراضيهم، بعد انتهاء الحكم العسكرى في عام 1966، والسماح لهم بالخروج من المعزل، وقدموا إلى حكومة اسرائيل أوراقاً ثبوتية بملكيتهم من العهد العثماني، لكنها رفضت عودتهم إلى ديارهم.

ويعيش الآن في بئر السبع 19 عشيرة، يبلغ عددهم اليوم (2008) حوالى 200,000 نسمة، من بينهم 7 عشائر، تعيش على جزء من أراضيها الأصلية، و12 عشيرة، رحّلتها إسرائيل من موطنها الأصلي إلى أماكن أخرى بضعة كيلو مترات ما بين 14/4/1948و 1/5/1952، فأصبحوا لاجئين في بلادهم.

وتسعى اسرائيل بذلك إلى انتزاع الأرض من أصحابها أولاً، تم توطينهم في قرى محصورة ثم تحويل أهلها إلى عمالة رخيصة في المستعمرات اليهودية، بدلاً من أن يمارسوا الزراعة في أرضهم التى يملكونها.

واستولت اسرائيل حتى سنة 1960 على 38 في المئة من الأراضى التى خصصوها للعرب "احتفالاً بمعاهدة السلام مع مصر" ثم استولت الحكومة على 82,000 دونم من أراضى تل الملح لتحويلها إلى مطار كبير،

بموجب "قانون استملاك أراضى النقب – اتفاقية السلام مع مصر 1980". ولا ندرى ما العلاقة بين مصادرة أرض عربية واتفاقية السلام؟ كما اقيمت ديمونة – المدينة النووية – على 2000 دونم من أرض الهواشلة، واستمر النزاع عليها 15 عاماً ولا يزال مستمراً حتى اليوم. كما صادرت الدولة 45,000 دونم لانشاء مدينة عراد عليها.

ونظراَ لأن الزراعة هى المورد الرئيسي للسكان، فقد "أجّرت" إسرائيل 100 دونم من أراضى المعزل لكل اسرة من "اللاجئين"، واستعملت السلطات الإسرائيلية هذا وسيلة للضغط، لمكافأة من يتعاون وحرمان من لا يتعاون. ورفض كثير من السكان توقيع اتفاقات ضمان واستئجار، خصوصاً عندما تكون الأرض ملكهم، لأن الدولة تريد بموجب الاتفاقات تثبيت ملكيتها، وإنكار ملكيتهم لهذه الأراضى المستأجرة.

حتى عام 1979 قدم الفلسطينيون في بئر السبع أكثر من 3220 طلباً لتسجيل أراضيهم، لكن لم يسجل طلب واحد، مع أنه تمت تسوية 22 في المئة منها. وعلى رغم أن إسرائيل تصدر القوانين التى تحلل الباطل كما تشاء، الا أن السلطات وجدت ان الطرق القانونية مكلفة وطويلة، وتثير دعاية سلبية، فلجأت إلى أسلوب الضغط والابتزاز. وفي مجتمع قليل الحيلة والخبرة، واقع تحت رحمة تلك السلطات، تنجح هذه الطرق أحياناً ومنها محاولة اقناع الفلسطيني أن أرضه ذهبت من دون رجعة لمستوطنة إسرائيلية، والأفضل له أن يأخذ شيئاً بدلاً من لا شىء. وتعرض عليه أن يتنازل عن 50 في المئة من أرضه للدولة، ويبيع 30 في المئة منها بتعويض بخس وتسجل له ملكية 20 في المئة فقط. وهذا الحل اقترحت اسرائيل بدعوى "قانون السلام 1980" وأقامة مطار عسكرى بمنطقة تل الملح، وهذا الاقتراح معروض فقط لاصحاب الأراضى المطلوبة والدولة في عجلة من الأمر لسلبها، وهى ليس معروضا على سائر المالكين وهو بالطبع مرفوضاً جملة وتفصيلاً والغرض اساساً هو الحصول على توقيع الفلسطيني بالتنازل عن أرضه، وهو المطلب الأساسى القديم لإسرائيل.

ومع أن إسرائيل لا تعترف بملكية الفلسطينيين في قضاء بئر السبع وتعتبره "أملاك دولة"، ولا تكترث باعتراف بحكومة الانتداب بملكية الاهالى للاراضى، ولا عيشهم عليها لقرون عديدة، ولا دفعهم الضرائب للحكومة التركية والبريطانية، ولا اعترافهم بملكية الأرض التى اشتروها من العرب قبل 1948، إلا أنها توافق ضمنياً على ملكية الأرض لمن يدخل معها في عقد "تسوية". أما إذا لم يوافق المالك على هذه التسوية فإنه من شبه المستحيل الحصول على حقه بواسطة القانون والمحاكم الإسرائيلية.

ومن يقف في وجه إسرائيل، فلا يحصل على أرض أو أذن، أو ترخيص، أو أى خدمة من خدمات السلطات. ومدى نجاح اسرائيل في ذلك يتضح من هذه الأرقام: 50 في المئة من الفلسطينيين عمال اجراء، 30 في المئة عاطلون عن العمل، والباقون أعمال مختلفة، ومنهم 2 في المئة يعملون في الزراعة (مهنتهم الأصلية).

وفي عام 1976، وضعت إسرائيل مخططاً لتعمير النقب، كان هدفه تطوير المستعمرات اليهودية في الأراضى العربية الخصبة، وتطوير منطقة صناعية في الأرض القاحلة التى نقل اليها العرب في المعزل. وانشات لهم مجمعات تركيز بهدف "تركيز البدو"، هى رهط، تل السبع، كسيفة، عرعرة، حورة، اللقية وشقيب السلام. والتى حططت بشكل مدينة ولا تلائم نمط معيشة الاهل القروى الزراعى.

لم يستشر أحد من الفلسطينيين حول هذا التخطيط، ولا توجد لهم مصادر عمل في تلك المجمعات، لأن المقصود هو نزعهم من أراضيهم، وانشاء مدن عمال، لاستخدامهم اجراء لدى اليهود، كما كان الحال في جنوب افريقيا.

ولقد فشلت فكرة تجميع الأهالى وانتزاعهم من مواطنهم الأصلية، وأصبحت هذه المجمعات غير قادرة على إعالة نفسها لانتشار البطالة والعيش على الإعانات الإجتماعية وعانت من انتشار المخدرات والعنف على نحو غير مسبوق في المجتمعات الفلسطينية التقليدية.

ويبلغ عدد سكان قرى التوطين هذه 110,000 نسمة (عام 2007). ومساحة الأراضى المخصصة لها 60 كم2 فقط أى ما يساوى 0.5% من مساحة قضاء بئر السبع. وتدرج هذه القرى في أسفل السلم الاقتصادى والاجتماعى، فهى تحتل الدرجات العشر الدنيا من أصل 200 درجة لأغنى وأقوى بلدة إسرائيلية.

إذا كان هذا هو حال القرى المعترف بها، فما هو حال الفلسطينيين الذين رفضوا الاقتلاع من ديارهم وبقوا فيها؟ يبلغ عدد هؤلاء حوالى نصف سكان قضاء بئر السبع (حوالى 90,000 نسمة) ويعيشون في 45 قرية غير معترف بها.

هذا معناه أنهم محرومون من الخدمات الاجتماعية والمواصلات والهاتف والصحة والتعليم وتصريف النفايات. ومحرومون كذلك من انشاء أى مبنى دائم، وإذا انشئ فإنه يتعرض للهدم فوراً مع دفع غرامات. وقد دمر ما يزيد على 1000 منزل في النصف الثانى من التسعينات.

وتصاعدت وتيرة التدمير والاقتلاع بعد ذلك، ففي عامى 2006و 2007 هدمت إسرائيل قرية أم الحيران وقرية طويل أبو جروال، وعندما أعاد الأهالى بناء بيوتهم هدمت القرية 12 مرة أخرى.

وبالطبع لا يسمح أن يكون لهذه القرى أى تمثيل مدنى عن طريق سلطات محلية أو بلدية. ولهذا نشأ المجلس الاقليمى للقرى غير المعترف بها في النقب وهو جمعية غير حكومية تقوم بمجهود كبير بموارد محدودة أمام سلطة عاتية.

كما هى عادة المشاريع الاستيطانية الاستعمارية، أسست إسرائيل عام 1984 "سلطة تطوير البدو". هذا الاسم الجميل غرضه العكس تماماً، فهو يعزل البدو عن سائر المجتمع العربي، ويسيطر على ميزانيتهم التى تكون عادة موزعة على وزارات الخدمات في المجتمع العادى. وإذا علمنا أن هذه السلطة تابعة لادارة الاراضى في إسرائيل (ILA) التى استولت على أراضى اللاجئين التى تقدر ب 93% من مساحة اسرائيل، اتضح لنا الهدف الحقيقى من هذه السلطة. فهى تستخدم ميزانيتها الكبيرة لشراء الاراضى العربية او التنازل عن جزء منها أو للابتزاز من أجل خدمات عادية تقدمها أى حكومة عادلة لمواطنيها. وهى بذلك تسعى إلى "تركيز" المزيد من البدو في مدن عمال والاستيلاء على اراضيهم. هذا في نفس الوقت الذى وضعت فيه خطة لاغراء اليهود بتملك مساحات كبيرة من الأرض لإقامة مزارع كبيرة لهم (ranches) وتقدم لهم المياه والكهرباء وسائر الخدمات. هذا وجه أخر من عملية التطهير العرقى التى تمارسه الآن في بئر السبع.

وهذا جزء من خطة شارون التى أعلنها في يناير 2003 للسيطرة على النقب نهائياً والتخلص من مشكلة العرب فيه. تقضى الخطة بانشاء عدد قليل (لا يتجاوز 8) من المجمعات الجديدة ومن ثم تهجير باقى سكان القرى غير المعترف بها إليها ومقابل ذلك يشجع اليهود على الاستيطان بمنحهم أراضٍ واسعة مع كافة الخدمات وأقامة منشأت عسكرية وتطويرية صهيونية وهذا بالطبع يقتضى تشديد اجراءات الهدم والترحيل وانشاء وحدة شرطة جديدة من القوات الخاصة لتنفيذ برنامج التطهير العرقى.

وتقوم بالرقابة على اقامة المجمعات هيئة فاشية، اسمها "الدوريات الخضراء" (وتعرف لدى الاهالى بـ "الدوريات السوداء") انشأها الارهابي شارون عام 1977. ومن الغريب انها تخضع لوزارة الزراعة، إدارة الأراضى والصندوق القومى اليهودى، وغرضها المعلن: "حماية البيئة"، ولكنها تقوم بملاحقة الاهالى العزل لاجل القضاء على مصدر عيشهم وتقوم باتلاف المحصولات، ومصادرة الماشية، ورمى الحيوانات الاليفة كالكلاب بالرصاص وقطع الأشجار المثمرة. ويفخر رئيس هذه العصابة ان مهمته ان تصبح الأرض "يهودية" وانه يشكل مصدر رعب مستمر للسكان الذين لا حول لهم ولا قوة.

وقد انشئت اسرائيل ما سمى بمجلس أبو بسمة الاقليمى للسيطرة على القرى المعترف بها مجدداً وليست لديه سيطرة على سكان المنطقة اليهود، كما هو الحال في المجالس الاقليمية الأخرى التى تخطط لمصلحة كافة السكان. وغالبية اعضاءه معينين من الصهاينة اليهود بمن فيهم رئيس المجلس وكذلك شاغرى المناصب الحساسة كلهم يهود.

ولكن كل هذه الخطط لتصفية القرى غير المعترف بها وتصفية الملكية العربية للأرض في الوطن قد فشلت إلى حد غير مرضى لاسرائيل. ولذلك قررت اخيراً اسرائيل اقامة سلطة جديدة اطلق عليها "سلطة توطين البدو" هذه السلطة المقصود منها التنفيذ بالكامل لسياسات الاقتلاع والتركيز التى فشلت الهيئات الصهيونية السابقة بتنفيذها، وهنا الامر في غاية الخطورة، إذا ان تلك السلطة سوف تعمل بموجب قانون يتم سنه والتصديق عليه في الكنيست الاسرائيلية يضع أسس لتنفيذ السياسات العنصرية بموجب هذا القانون كما يضع جدولاً زمنياً محدداً “ULTIMATUM” ومن يستعصى عليهم من الأهالى ولا يرضخ لما يقترحونه يتوجب العمل بالقوة لاخلائه واقتلاعه من ارضه. ولغرض تقديم اقتراحات لصياغة القانون تم تعيين لجنة برئاسة قاضى محكمة العدل العليا المتقاعد اليعازر جولدبرج والذى كان في يوم ما مراقب الدولة وقدم تقريراً ينتقد اجهزة الدولة التنفيذية لانها لم تعمل بجد على اجلاء عرب النقب وتركيزهم. هذه اللجنة تتضمن 8 اعضاء 6 منهم يهود و2 عرب من ابناء مجمعات التركيز، اى انه لا يوجد تمثيل لاهل القرى غير المعترف بها.

ولذلك قرر المجلس الاقليمى للقرى غير المعترف بها مقاطعة هذه اللجنة، لعدم تمثيل أصحاب الحقوق ولاستمرار السلطات الاسرائيلية في هدم البيوت وطرد الأهالى. ويطالب المجلس بالاعتراف اسرائيل بكل شبر من ملكية الأرض العربية.

ومن جهة أخرى، قسمت وزارة الزراعة الاسرائيلية اراضى المراعى بدون ربطها ببداية موسم الرعى بالجنوب. ونظراً لان المواشى تعتبر ثروة أساسية لمربى الماشية، فإن تقييد مناطق المراعى ومنع الوصول إليها يعتبر ضربة اقتصادية للمواطنين العرب. وقد خضعت الوزارة لبعض المطالب بعد أن قام المواطنون بعمليات "عصيان مدنى" واقتحام المراعى دون تصريح.

والخلاصة، أن اسرائيل لن تتوقف عن الاستيلاء على الاراضى وطرد أهلها ما لم يستمر المواطنون العرب في الدفاع المستميت عن وجودهم وأرضهم وحقوقهم.

التعلـيم

وفي كل هذه الظروف من الاضطهاد، لا غرابة ان ينخفض مستوى التعليم عن مثيله بين اليهود، وبين اخوانهم الذين نزحوا عام النكبة إلى غزة والضفة، إذ تبلغ نسبة من اكملوا الدراسة الثانوية 10 في المئة فقط في القرن الماضى بينما تبلغ النسبة لليهود 47 في المئة، وهى مقارنة فاضحة للمساواة بين المواطنين في إسرائيل، بل أن المقارنة مع اخوانهم الذين نزحوا عام النكبة إلى قطاع غزة، وفقدوا الوطن ومصدر المعيشة، ذات دلالة أيضاً على حكم إسرائيل، فهى تبلغ 44 في المئة، أى مقاربة لنسبة اليهود.

وتشير أرقام التعليم الحالية التى رصدها إسماعيل أبو سعد في تقرير إلى مؤسسة التعاون إلى تدهور كبير في السنوات الأخيرة إذ بلغت نسبة التسرب عام 2005 قبل إنهاء المرحلة الثانوية لطلاب بئر السبع 28% مقارنة بــ 21% لباقى المجتمع العربي و1% لليهود. وفي العام 2004 – 2005 نجح 27% من طلاب بئر السبع في الثانوية مقارنة بـ 32% في المجتمع العربي و57% لليهود. وهذ الارقام تعكس إهمال إسرائيل للمجتمع العربي وتجهيله وتهميشه. والدليل على ذلك واضح جداً كما سبق القول لأن تحصيل أبناء المجتمع الفلسطيني نفسه في الشتات وفي ظروف اللجوء في الدراسة الثانوية والجامعية والعالية يقارب جداً مستويات الطلاب اليهود في إسرائيل.

ونفس هبوط المستوى ينطبق على الصحة أيضاً، فلا يلاقى أهالى بئر السبع المستوى اللائق من العناية الصحية، وانتشرت بينهم أمراض جديدة لم تكن معروفة من قبل مثل أمراض القلب والسكرى.

النضال للحفاظ على الأرض.

من المعلوم أن هدف الصهيونية هو اقتلاع أصحاب الأرض والاستيلاء على هذه الأرض لاستيطان المهاجرين اليهود. ولا يوجد مثال حى على تنفيذ هذا الهدف في الوقت الحاضر أكثر وضوحاً من قضاء بئر السبع. فالأرض المعرضة للأنتزاع أكبر من مساحة الضفة الغربية بأكملها. ولا يزال نصف أهالى بئر السبع يعيشون في 45 قرية غير معترف بها، لا تصلهم خدمات التعليم ولا الصحة ولا المياه ولا الطرق. وفي قلب عجيب للحقائق تصفهم اسرائيل بأنهم "غزاة لأرض إسرائيل" ولهذا فإنها تهدم مساكنهم وحتى مساجدهم بصفة دورية، وتقتل مواشيهم وترش محاصيلهم بالكيماويات القاتلة. ومن فاته مشهد النكبة 1948 يستطيع أن يراها اليوم في بئر السبع. ولذلك فإن من أولويات الوقوف إلى جانب أهلنا في بئر السبع هو مساعدتهم في التشبث بالأرض والتمسك بحقهم فيها والبقاء عليها ومنع ترحيلهم عنها. ولتقوية صمود المجتمع الفلسطيني هناك يجب الاهتمام كذلك بالتعليم والتنوير، فهذا مشعل الانارة الوطنية.

ورغم الظروف الصعبة، فقد قام الفلسطينيون بتنظيم عدة جمعيات للدفاع عن حقوقهم، من أقدمها: جمعية مؤازرة وحماية حقوق البدو، كما ان جمعية الأربعين وجمعية إتجاه وجمعية عدالة والجمعية العربية لحقوق الانسان التى توجد مراكزها في الشمال تشارك في حملات صمود الأهالى في ديارهم وتنشرها للعالم.

وقد وقف "المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها" الذى يتحمل عبء الدفاع عن القرى غير المعترف بها ووقفت معه منظمات فلسطينية لحقوق الانسان وتحالف المنظمات الأهلية وغيرها في وجه الاستيطان السافر. ووصلتهم مظالمهم إلى لجان الأمم المتحدة المتخصصة، وانتشرت أخبارهم على الانترنت وفي بعض الفضائيات. إلا أن الجهد الحالى أقل بكثير من المطلوب، ويلزم لهذه الهيئات الدعم المادى والمعنوى الكبير.

وقد حدد المجلس الاقليمى 3 ميادين لمواجهة تحديات الاستيطان الاسرائيلي:

  1. الحفاظ على الأرض حيث ان إسرائيل تعتبرها أراضى دولة.
  2. العيش في البيت حيث أن إسرائيل تهدم بيوتهم، بل وقراهم بحجة أنها غير مرخصة.
  3. تقوية الهوية لدى الجيل الناشئ ورفع مستوى الانسان عن طريق الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمواصلات والماء والكهرباء.

بالنسبة للميدان الأول (الارض) يسعى المجلس لاثبات الملكية وجمع المعلومات وبناء طواقم قانونية والتواصل مع المؤسسات الدولية ذات الشأن.

وبالنسبة للميدان الثانى (البيت) يسعى المجلس إلى إعادة بناء البيوت وفضح الممارسات الصهيونية في الهدم والتدمير.

وبالنسبة للميدان الثالث (الانسان) يسعى المجلس إلى تعزيز الانتماء الوطنى وتشجيع قيادات شابة ومساهمة المرأة في المجتمع والتركيز على التعليم والتنوير والاكتفاء الاقتصادى ومنع الأسرلة والانحراف.

وهذه أهداف عظيمة وضرورية ولكنها تحتاج إلى عون كبير.

وإذا كان هناك من جهد حقيقي ومباشر وآنى للوقوف في وجه النكبة التى تمارس اليوم، فإنه يجب توجيههه بكل قوة نحو قضاء بئر السبع، سواء بالدعم المالى أو القانوني أو التعليمي أو المعنوى. فهناك الفرصة الوحيدة الباقية لمنع استمرار هذه النكبة.