أيها الأخوة والأخوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

لن أتحدث إليكم بلغة العواطف والشعارات، ولن ألهب عواطفكم بالكلمات الرنانة، بل أريد أن أتحدث عليكم بلغة المنطق والحقائق الهادئة، فهذه هى الأبقى والأدوم. وهى السبيل الوحيد للخلاص.

تسعون عاماً مرت على حرب استعمارية ضد شعب أعزل، استعمل فيها عدوه كل أسلحته العسكرية والسياسية والمالية والإعلامية، ضد شعب لا يزال صامداًَ وإن كان مثخن الجراح، فقد مئات الآلاف من الشهداء، وأصبح ثلاثة أرباعه يعيشون خارج ديارهم.

نقول دائماً: نحن الآن في منعطف خطير سنة بعد سنة، لان الخطر لا زال قائماً سنة بعد سنة. لكننا اليوم اسوأ من عام النكبة 1948، بل واسوأ من أعوام الثورة 36 – 39.

كنا على أرضنا، واليوم نحن في الشتات. كنا نعرف العدو من الصديق، واليهودى من العربى الفلسطينى. واليوم اختلطت الاوراق، وصار منا من يمارس العبرية السياسية رغم أنهم قلة، وصار من اليهود من يمارس الوطنية الفلسطينية رغم أنهم قلة أيضاً. كنا نعرف قياداتنا ونطيعها لانها صادقة، ولو أننا عرفنا بعد سنين أنها لم تكن في مستوى الحدث. واليوم اختلطت الأوراق. فكلَّ يدعى هذه القيادة، ولا نعرف دائما أن هذا القائد أو ذاك هو مع فلسطين أو مع اسرائيل. ولسنا بالطبع نحتاج الآن إلى سنين لنعرف أن الكثير منهم هو قطعاً ليس في مستوى الحدث. بل إننا نعرف أن قلة منهم فاسد سياسياً ووطنياً ومالياً وأخلاقياً، وبعض هؤلاء جالسون في الصفوف المتقدمة من مقاعد القيادة. ولا نحرك ساكنا لنغيّر هذا الوضع أكثر من الغضب والإحباط والأسف العميق.

نحن اليوم 11 مليون فلسطينى، ثلثاهم من اللاجئين، وإذا أضفنا اليهم النازحين بعد 1967، فإن ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعيشون خارج ديارهم ومواطنهم الأصلية. 30% من شعبنا في المناطق المحتلة (12% في غزة، 18% في الضفة) وهؤلاء فقط تمتعوا بانتخابات نزيهة شهد لها العالم بذلك. أما الـ 70% فليس لهم صوت في تقرير مصيرهم، بينما يتحدث بأسمهم ويقرر عنهم أناس لم يكسبوا ثقتهم ولم ينتخبوهم.

كيف لهذا الوضع أن يستمر؟

نحن شعب جبار في التضحيات والصمود، ضعيف في التنظيم والانضباط. شبابنا برزوا في كل ميادين العلم والعمل، وقيادتنا فشلت في بناء كيانه ومؤسساته، ولم يهب شعبنا لإصلاحها أو تغييرها، لان العملية الديموقراطية – وهى عبارة أبتذلت خصوصاً عندما نادى بها بوش - كانت غائبة، بل ممنوعة من الصرف.

دفعنا ثمناً غالياً لذلك. شهداء وجرحى وأسرى، وتشريد واضطهاد وتمييز عنصرى وفصل عنصرى وطمس التاريخ ومصادرة الجغرافيا. لكننا صامدون إلى اليوم. لم نفقد الأمل. ولكن يبقى العمل.

وحدة الشعب هى الأساس

وحدة شعبنا – وهى المقياس الأهم لبقائنا – تأكدت عام 1964 عندما أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية بناء على قرار واختيار مجلسها الوطنى واعترف العرب بوجودها وشرعيتها. والمجلس الوطنى هو الذى يعبر عن هذا الشعب ويمثله ولا أحد غيره.

وبعد عشرة أعوام، أعترف المجتمع الدولى بالشعب الفلسطينى من خلال منظمة التحرير عام 1974، وأكد في قرار الأمم المتحدة رقم 3236 أن الحقوق الفلسطينية وأولها حق العودة وحق تقرير المصير هى حقوق غير قابلة للتصرف، واعترفت الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب واعتمدت 110 دولة سفارات فلسطين لديها.

كان إنجازاً رائعاً ليس له مثيل. لقد دفع الآلاف من شبابنا حياتهم ثمناً للوطن في عمليات عسكرية ذات أثر متواضع، ولكن شعبنا بمواقفه الشعبية والعسكرية أثبت أنه يستحق أن يعترف العالم به، ويقف إلى جانبه.

وهذا كله معرض للضياع اليوم. لكن الأمل موجود، والعزيمة موجودة، وخطة العمل موجودة، وبقى أن نتكاتف لنحققها.

لا شك أنكم جميعاً تعرفون هذه المحطات الهامة وأثرها على قضيتنا. في الستينات عدنا إلى وحدة الشعب. في السبعينات وصل صوتنا إلى أقاصى الأرض. وفي الثمانينات بدأ الانحدار. وفي التسعينات وقعنا في أكبر عملية خداع سياسى منذ بلفور. وفي هذا القرن لا تزال البوصلة مشوشة، وإن كانت رءوس الجبال لا تزال بارزة، وتدل على الطريق الصحيح.

المجلس الوطني السابق

المجلس الوطنى الذى عقد في الجزائر عام 1988، بعد عام من الانتفاضة الأولى، هو آخر مجلس وطنى له مصداقية عالية، عقد حيث يحضر الجميع، وحيث يمثل فلسطين كل من عليه إجماع.

صوّت المجلس على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة مع الاحتفاظ بحق العودة كحق غير قابل للتصرف، وذلك كبديل متواضع، أو ربما كحل مرحلى كما قيل، لتحرير كامل فلسطين (من البحر إلى النهر) من الحركة الصهيونية الاستيطانية. وهذا التحرير الكامل هو الهدف الأصلى للحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الأولى.

ولنقفز الآن إلى عام 2006، عندما جرت انتخابات في المناطق المحتلة تحت إشراف دولي، وفازت فيها حماس فوزاً كاسحاً. وحينها انتقل النشاط الفلسطينى، على الأقل في المناطق المحتلة ولكن ليس في الشتات، من الدفاع عن حقوق الوطن الثابتة إلى الصراع حول المكاسب والمخاسر السياسية لكل طرف، وغاب 70% من الشعب الفلسطينى عن القيام بدوره. بل إن النزاع الداخلى نشب أيضاً في صفوف الجبهة الخاسرة، واشتد أوار الحرب الداخلية بين أركانها إلى هذه اللحظة.

الصراع الداخلي

وتدخلت في الصراع الداخلى الفلسطينى أمريكا وإسرائيل بل غذته ووجّهته ودفعت تكاليفه. ولسنا نحتاج إلى Vanity Fair التى صدرت في إبريل الماضى لنعرف تفاصيل الخطة الخبيثة، ولكن يقيننا زاد بعد أن قرأنا الوثائق من الطرف المتأمر نفسه. ووضعت اللجنة الرباعية شروطها وضغطت على الرئيس محمود عباس لكى ينفذها، وهى: إسقاط المقاومة، الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بأوسلو وأخواتها. وقيل لنا هذا الكلام مرات ومرات كما لو كانت قدراً محتوماً، وقيل لنا أنه لو قبلت الحكومة المنتخبة بشروط الرباعية، فإن كل الأمور تُحل وأن فلسطين أو شعبها سيحصل على حقوقه.

ونحن نعلم حق العلم أن هذه اللجنة الرباعية ليست رباعية وليست مجتمعاً دولياً، بل هى أمريكا وتابعها الاتحاد الأوربى. أما روسيا، فهى تحضر لكى تعترض وتراقب، والأمين العام يحضر بصفته، ولا يعبر عن إجماع دول الجمعية العامة كالأمم المتحدة ولا قراراتها. وهنا أقتبس من تقرير لممثل الأمم المتحدة ألفارو دى سوتو، خليفة برنادوت بعد 60 عاماً من ولايته، في تقريره الصادر في ختام مهمته في أيار 2007، يقول في الفقرة 79:

"هناك مغالطة شائعة في أن الرباعية قد وضعت شروطاً. هذه شروط أمريكا فقط ويتبعها الاتحاد الاوربى حسب تشريعاتهما وليس للرباعية شأن في ذلك".

ولا نريد أن ندخل في كل هذه التفاصيل إلا لنقول إن غياب رأى وقرار 70% من الشعب الفلسطينى خارج المناطق المحتلة، بل أيضاً غياب معظم الـ 12% من الشعب الفلسطينى في غزة ومعظم الـ 18% في الضفة تحت أى واجهة سياسية ولو كانت فلسطينية، هذا الغياب هو الكارثة المحققة على مصير الشعب الفلسطينى وعلى قدرته على المحافظة على حقوقه الثابتة.

وحتى بين أطراف الصراع الداخلى الفلسطينى، كلكم يعلم أن الغالبية الساحقة في الاطراف المتخاصمة لا تقرّه، وأن حفنة من الناس لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة هى التى تذكى هذه النار، كلما خمدت، وتنقض كل إتفاق قبل أن يجف حبره.

كيف يمكننا أن نقبل ذلك؟ أى كرامة، وأى وطنية، وأى تضحيات سابقة، وأى تحديات حالية، واى خُلُق لإنسان شريف أينما كان يقبل هذا ويسكت. وهؤلاء الساكتون القادرون: هل يسكتون لان مرتباً ببضعة مئات من الدولارات يصلهم، أو لان رشوة أو فساداً أو عمالة تكسبهم ملايين الدولارات؟

فيما قبل 1948، تعلمون ماذا فعلنا بشخص باع 20 دنم لليهود، فكيف نقبل أن يفرط شخص أو أشخاص في الوطن بأكمله، أو حتى يعرّضه للضياع؟

التصميم على حق العودة

إذن. ما العمل؟

منذ إعلان أوسلو، هبّت فئات كثيرة من الشعب الفلسطينى لتدافع عن حقوقها المعرضة للزوال وأولها أم الحقوق: "حق العودة"، وعقدت مؤتمرات شعبية كثيرة، في لندن عام 2003 وبيروت عام 2007 وفي نفس العام عقدت مؤتمرات في برشلونة وروتردام عام 2007 وفي كوبنهاجن وكاليفورنيا وشيكاغو ودمشق عام 2008. بل إنى أذكر بالإجلال والتقدير أول بيان شعبى أصدرناه بمناسبة مرور 50 عاماً على النكبة تصدرته توقيعات المرحومين إبراهيم أبو لغد وإدوارد سعيد.

وانتشرت لجان حق العودة في كل بقعة تواجد فيها الفلسطينيون، ينشط فيها الجيل الثالث والرابع من اللاجئين. انتشرت اللجان أولاً في أوربا وأمريكا، لان اللاجئ هناك أَمِن على نفسه بوجود حرية التجمّع والتعبير، وأَمِن على رزقه لا يخشى قطعه لو خرج عن الخط المرسوم، ولا يخشى وقوعه في أسر الحصار والتجويع.

مجلس وطني جديد

وطالبنا بإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطينى، وتوحيد صفوفه عن طريق مجلس وطنى جديد منتخب لكافة فئات الشعب الفلسطينى في كل انحاء العالم، أخذاً في الاعتبار أن الانتخابات تمت بالفعل في المناطق المحتلة في يناير 2006 التى تمثل 30% من الشعب الفلسطينى، وأفرزت المجلس التشريعى الذى هو جزء من المجلس الوطنى.

لكن جميع المحاولات لاعادة وحدة الشعب الفلسطينى عن طريق مجلسه الوطنى المنتخب الجديد قوبلت بالوعود والتسويف دون سبب معقول ودون اعتبار لارادة الشعب، ودون إعتبار لاتفاق القاهرة الذى وافقت عليه الفصائل في آذار 2005. بل إن محاولاتنا لجمع شمل الشعب الفلسطينى قوبلت من قبل فئة (ضئيلة والحمد الله) بالاتهامات والتشكيك، كأنما يقولون: ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا ضرورة للتغيير، وليبق كل في مكانه. وهذا الأمر لا يمكن أن يقره عاقل، أو وطنى.

ويسوقون لنا الاعذار لهذا التسويف والتعطيل. منها: صعوبة عقد الأنتخابات، لان بعض الأنظمة العربية لا تقبل بعقد انتخابات فلسطينية في أراضيها. ونقول: هذه مهمة اللجنة التحضيرية التى يجب أن تشمل من بين اعضائها ممثلين عن كافة الجاليات في العالم. وكل جالية تدرس ظروفها. وهناك طرق كثيرة لعقد هذه الانتخابات المباشرة أو التوافقية. ولا أريد أن أخوض في هذا الموضوع أكثر من ذلك إلا عندما تنعقد اللجنة التحضيرية وتبدأ العمل.

ومن الأعذار أيضاً: عدم معرفة عدد الفلسطينيين ومكانهم. ونقول هذه بالطبع ليست مشكلة، فلدينا قاعدة معلومات بها 6 مليون فلسطينى. ومجتمعنا مترابط وليس من الصعب التعرف عليه.

ومن الأعذار أيضاً: معارضة أمريكا وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية لعقد مجلس وطنى جديد، ولجنة تنفيذية هى حكومة فلسطين في المنفى. ونقول أليس هذا حالنا منذ 90 عاماً عندما أعلن بلفور وعده المشئوم؟ ومتى كان الاستعمار إلى جانبنا؟ ومتى كانت الأنظمة العربية قادرة، أو حتى راغبة في الدفاع عن فلسطين؟ وعلى الأخص في وقتنا هذا، فإن اهتمام الأنظمة العربية منصب على شئونها الداخلية، بالتعاون مع من يعينها على ذلك من الخارج بثمن قومي تدفعه الأمة العربية.

ومهما كانت صحة هذا الأمر، فنحن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وهى بحرنا الذى نعيش فيه وهى ملاذنا، وإيماننا عميق بأن فلسطين قضية عربية نضالية مثلما هى فلسطينية. ويجب أن نعمل بدأب وإصرار على توثيق الاواصر مع كل الشعب العربي في كل الوطن العربي، ومع حكوماته لكى تستمر في مواقفها إلى جانب الحق العربي في فلسطين، ولا نفقد الأمل.

ولا يخفى عليكم أن إسرائيل وأمريكا ترغب، بل وتصر على بقاء، منظمة التحرير الحالية، أملاً في أن توقع على إلغاء فلسطين وحقوقها. ولنفس السبب فإنها ترفض قيام منظمة تحرير جديدة تمثل 11 مليون لانهم بالقطع لن يوافقوا على إلغاء الحقوق الفلسطينية وعلى إلغاء الميثاق الوطنى لعام 1969.

على أن من أغرب الأعذ

ار التى سمعتها أكثر من مرة من مصادر مسئولة هو أن الانتخابات ستفرز وجوها جديداً، وتفقد الوجوه القديمة مكانتها. (ما سمعته من شخص قريب جداً من أبو مازن عن عواقب نجاح حماس (دولة خلافة) وعدم استعداد فتح للانتخابات الآن (لن يعقد مؤتمرهم قريباً)) وأعجب غاية العجب من هؤلاء الذين يفرضون وصاية على الشعب الفلسطينى ويعطلون إرادته لأنهم متأكدون من فشلهم في الانتخابات القادمة. ولو كان هذا هو السبب الوحيد لانتخابات جديدة، لوجب على كل فلسطينى غيور أن يطالب بكل قوة بانتخابات جديدة.

ولذلك فإننا نجدد المطالبة بعقد انتخابات لمجلس وطنى، يكون خلفاً للمجلس الوطنى المعقود في الجزائر عام 1988 والذى بلغ عدد اعضائه 445، توفى منهم 30 واستقال بسبب السن والمرض 20 على الأقل، وتعين 25 لاسباب لم تعد موجودة اليوم، وابتعد الكثيرون عن العمل السياسى. ومنذ تاريخ هذا المجلس ولد حوالى نصف الشعب الفلسطينى. ومن كانوا أطفالاً هم اليوم رجال ونساء لهم شأن في المجتمعات التى يعيشون فيها. وليس لهم اليوم صوت في مجلس الجزائر.

واجبات المجلس الجديد

ماذا نريد من هذا المجلس الجديد؟ ماهى واجباته؟ ماهى التركة التى عليه أن يحملها؟ وماهو الواجبات المستقبلية الذى عليه أن يقوم به؟

هى كثيرة، كثيرة نذكر بعضها.

  • نأمل أن يكون اعضاؤه أقل سناً من 60 سنة ليكون لديهم فرصة العمل عشرون أو ثلاثون عاماً، وأن تكون لديهم كفاءة في العمل، ونظافة في اليد، وجرأة على الحق، مؤهلون لمواجهة العالم العربى والأجنبى بالكفاءة والتعليم والخبرة واللغات، وليست عليهم شبهات في الفساد أو خيانة الأمانة.
  • من أول مهمات المجلس، ولجنته التنفيذية أى حكومة فلسطين في المنفى، أن تعيد الاحترام إلى القضية الفلسطينية، بل أن تزيد التعاطف العالمى مع فلسطين، الذى زاد شعبياً رغم كل الظروف، وتضاءل في الاوساط الرسمية الغربية.

التواصل مع العالم

على هذا المجلس، أى برلمان فلسطين، أن يعيد الاتصال مع برلمانات العالم ليشرح قضيته بشكل عصرى. وعليه بواسطة اللجنة التنفيذية تفعيل 110 سفارات فلسطينية، بحيث تكون شعلة نشاط في كل بلد. وكم يحزننى أن أذكر لكم أننى كلما ألقيت محاضرة في بلد كثيراً ما كان سفير فلسطين غائباً، عدا قلة يذكرون بالخير، ومنهم الصديق العزيز عفيف صافيه الذى رفع رأسنا عالياً في لندن، وفي واشنطن عندما طاردته العصابة وأرغمته على تركها، وهو الآن في روسيا.

ونذكر هنا مثالاً مضاداَ، إذ أن مندوب فلسطين في الأمم المتحدة (وهى القلعة الوحيدة الباقية لنا) يؤيد مندوب إسرائيل ضد الدول العربية والإسلامية التى تريد رفع الحصار عن غزة. ياللعار.

حصار غزة

وبمناسبة الحصار، الاّ يخجلنا أن يبقى الحصار مفروضاً على أهلنا في غزة، ولا يخترقه إلا الأجانب؟ كيف يقبل أى شريف أن يُحشد ما يوازى كل أهالى فلسطين عام 1948، أى 1.5 مليون فلسطينى وهذا عددنا عام 1948، في أكبر معسكر اعتقال في التاريخ المعاصر، غزة أو اوشفتز الجديدة. مجلسنا الجديد لن يقف ساكتاً أمام هذه الجريمة البشعة. وسيفضحها كما هى، جريمة حرب بشعة لا تزال مستمرة أمام عين العالم وبصره. هى جريمة حرب حسب قانون محكمة الجرائم الدولية. تقول المادة 8 فقرة 6 من ميثاق روما للجرائم الدولية: "يعتبر التجويع أو إعاقة وصول مواد الإغاثة جريمة من جرائم الحرب ".

وأكثر من ذلك. إن ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة. تقول المادة 6 فقرة ج من ميثاق روما إن من تعريفات الإبادة: "أن تُفْرَض على مجموعة من الناس بعمل متعمد ظروف معيشية تؤدى إلى تدمير أوضاعه الطبيعية كلياً أو جزئياً".

إن على مجلسنا الجديد أن يطوف العالم ليدلل على هذه الجرائم ويجلب العون والتأييد لشعبنا والشجب لعدوه ولا شك أنه سيستفيد من كل التعاطف الشعبى في العالم.

قرار محكمة العدل الدولية

إن على مجلسنا الجديد أن يستفيد أيضاً من أكبر نصر قانونى حصلنا عليه في نضالنا الطويل، الا وهو القرار الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الصادر في 9/7/2004. إن هذا القرار هو أهم وثيقة قانونية منذ وعد بلفور، فقد أكد كل حقوقنا الوطنية كحقوق غير قابلة للتصرف، وأكد كل قرارات الأمم المتحدة السابقة، واعتبر الاحتلال غير مشروع، وعليه قرر أنه تجب إزالة حاجز الفصل العنصرى وتعويض المتضررين منه.

وعلى المجلس الجديد أن يزور كل دول العالم، بعد أن صدّقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار لاهاي، ويحثها لكى تطبق مواد هذا القرار. ونحن نعلم أن الغرب لن يستجيب، لكن كثيراً من دول العالم ستتفاعل إيجابيا عندما تجد صاحب الحق يطرق بابها كل يوم.

وعلى اللجنة التنفيذية الجديدة أن تفعّل القرار الوحيد الذى أصدره الأمين العام للأمم المتحدة تأييداً لقرار لاهاى، ألا وهو فتح سجل للاضرار الناشئة عن حائط الفصل العنصرى. وانشأ له مكتباً في رام الله. ونحن أحوج ما نكون إلى تفعيل ذلك المكتب الذى لا يسمع عنه أحد.

وعندما أقول المجلس الجديد الذى يمثل كافة الشعب الفلسطينى، أقصد الهيكل الديموقراطي المنتخب وما يتبعه من لجنة تنفيذية في المنظمة ودوائرها المختلفة، أى الجهاز التشريعى والتنفيذى الممثل للشعب الفلسطينى.

جرائم الحرب

ثم إن لدينا أكبر قضية للجرائم في تاريخ النكبة: ألا وهى جرائم الحرب. إن على مجلسنا الجديد أن يسخر كل طاقاته القانونية والبرلمانية لتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ومطاردة مجرميها في أنحاء العالم، كما طاردوا أيخمان وغيره. هذه حرب يمكن أن نكسبها، لأن الأدلة دامغة، والرأى العام الشعبى مستعد لقبولها. أليس من العيب أن تقوم شركة قانونية في لندن وامستردام بالتعاون مع محامين فلسطينيين باصدار مذكرات اعتقال جنرالات إسرائيل عند وصولهم إلى مطارات لندن وهولندا ولا تقوم المنظمة بذلك؟

أليس من العيب أن تقوم جهة أجنبية هى رابطة الاساتذة الجامعيين البريطانية بالتعاون مع مجموعة فلسطينية بإعلان حملة أكاديمية ناجحة لمقاطعة إسرائيل ولا نجد لقيادتنا أى دور في ذلك؟ أليس من العيب أن رئيس جامعة القدس بدأ حملة مضادة للمقاطعة بالتعاون مع رؤساء جامعات إسرائيلية؟ أليس من العيب أنه لا تزال التعليمات لمدارسنا في الضفة الا تنشر خريطة فلسطين كاملة؟ أو أن تدّرس تاريخ فلسطين للطلاب؟

دائرة اللاجئين

ثم هناك واجب لا يعلوه واجب.

إن على مجلسنا الجديد أن يجعل من أهم دائرة في المنظمة بركاناً من النشاط والحيوية والكفاءة، ألا وهى دائرة اللاجئين. الآن لها 3 مكاتب في عمان ورام الله وغزة. ولكن نشاطها ومواردها ضئيلة ولا يكاد يسمع بها أحد.

وأين هى اليوم من التصريحات التى تهطل علينا كل يوم بإسقاط حق العودة أو تذويبه؟

هذه الدائرة هى سبب وجود المنظمة. إنها منظمة اللاجئين، والتى تمثل ثلثى الشعب الفلسطينى أو ثلاثة أرباعه. القضية التى تحملها أكبر واهم قضية، وحق العودة الذى تدافع عنه هو أم الحقوق الفلسطينية.

يجب أن يكون لهذه الدائرة ما لا يقل عن 40 مكتباً في العالم وأن يكون لديها جيش من القانونيين والباحثين والإعلاميين. وعليها أن تشارك في كل محفل ومؤتمر ووسيلة إعلام. لقد مرت الذكرى الستون للنكبة واحتفلت بها عشرات من لجان العودة في كل مكان، وعقدت لها المؤتمرات، وقامت قناة الجزيرة بدور أقوى من كل الجهود العربية مجتمعة، ولم نسمع شيئاً يذكر من الدائرة. وإذا كانت الوكالة اليهودية موكلة بتجميع اليهود من أنحاء العالم ونقلهم ليعيشوا في بيوت الفلسطينيين، فإن واجب هذه دائرة اللاجئين، بل المنظمة والمجلس كله، هو العمل الدءوب المتفاني على عودة اللاجئين إلى بيوتهم. فدورها أكبر وأهم وأعدل من دور الوكالة اليهودية.

التربية الوطنية للشباب

وهناك واجب آخر.

يجب إلا ننسى أن 6% - 8% من الفلسطينيين فقط اليوم ولدوا في فلسطين قبل 1948 وأن الجيل التالى لهم شارك في الثورة وخبر النكبة عن قرب. هذا يعنى أن 75% من الشعب الفلسطينى على الأقل، ومعظمهم من النشء، لا يعرفون الكثير عن فلسطين عدا العواطف والتعاطف. إن تربية النشء واجب مقدس على المجلس الجديد ومنظمته، وهو واجب ثقيل تقف في وجهه عقبات مادية ومعارضة محلية، ولكنه ضرورى جداً، وممكن جداً. والتقاعس عن ذلك جريمة لا تغتفر. ألا نخجل من أن إسرائيل تنقل الشبيبة اليهود لزيارة إسرائيل في برنامج "حق مسقط الراس" (Birth right)، ونحن أصحاب هذه الأرض لا نربى ابناءنا على حب وطنهم ومعرفته؟ ومن هو الفلسطينى الوطنى الذى يرضى أن تصدق مقولة بن جوريون "الصغار سوف ينسون"؟

وحدة الشعب في الشتات

ومن الواجبات أيضاً العمل على جمع وحدة الشتات.

يجب أن نتذكر أيضاً أننا شعب يعيش في الشتات. ولكننا من حسن الحظ شعب متماسك قوى الاواصر العائلية. صحيح أننا نعيش في أكثر من 60 دولة ونحمل أكثر من 30 جنسية. ولكن هذا التبعثر ضئيل، رغم هجرة فلسطينيين إلى البرازيل وايسلندا وبوتسوانا وأرمينيا. لا يزال 88% في فلسطين الانتدابية وشريط حولها عرضه 100 كم. والباقى 6% في البلاد العربية الأخرى و6% في البلاد الأجنبية. والجنسية التى يحملها الفلسطينى لا تلغى أياً من حقوقه غير القابلة للتصرف. فهى عقد المواطنة في البلد الذى يعيش فيه: هى تحميه وتقدم له الخدمات وهو يطيع القوانين. وللمقارنة فإن كل اسرائيلى لديه جنسية أخرى أو تحقّ له، و60% من الإسرائيلين يحملون جوازات أجنبية صالحة.

ولذلك فمن أهم واجبات مؤسسات المنظمة التى سيختارها المجلس الوطنى الجديد هو التواصل المستمر بين كل المَهَاجر، ليس فقط عن طريق السفراء، بل عن طريق المؤتمرات والجمعيات والنشاطات الشعبية المختلفة.

إعادة هيكلة الشعب الفلسطيني

ومن الواجبات أيضاً إعادة تركيب المجتمع الفلسطينى وهيكلته.

يجب إعادة تركيب المجتمع الفلسطينى في الشتات كما كان قبل النكبة وكما كان في السبعينات من القرن الماضى. يجب إحياء نقابات واتحادات العمال والمهنيين والكتاب والفنيين والطلبة والمرأة وغيرها.

لقد سرق العدو جغرافيتنا، وحملنا تاريخنا معنا، وعلينا إعادة بناء هيكلنا مرة أخرى في الشتات. إنه لمن المحزن أن نرى اليوم الحالة المهلهلة لما تبقى من الاتحادات والنقابات، كأنها أطلال جلست عليها شخوص أثرية.

هيكلة المنظمة

ومن الواجبات أيضاً هيكلة المنظمة نفسها.

عندما يتكون المجلس الجديد عليه أن ينظر في التركيب الهيكلى للمنظمة. تذكرون أنه لأسباب تاريخية معروفة، كنا نثق في قيادة أبو عمار رحمه الله ونسلّم له كل شىء. لكننا الآن نضع أسساً ديموقراطية ذات صلاحية طويلة الأمد. من النقاط البارزة هنا هى ضرورة عزل السلطة عن المنظمة. فالسلطة تخضع للمنظمة والسلطة ليست سوى إدارة شئون الوطن المحتل. كما يجب الا يكون هناك ازدواجية أو تراكبية في صلاحية رئيس المنظمة ورئيس السلطة. وكلاهما يجب أن يخضع لرقابة المجلس. إن عزل السلطات وتخفيض الصلاحيات الرئاسية إلى الحد العملى، وتأكيد استقلال القضاء، ووجود ديوان مسائلة وتفتيش، ومؤسسات لرقابة تطبيق حقوق الانسان، هى اجراءات لازمة لا مفر منها. ولا يمكن لأمة ناهضة، خصوصاً إذا كانت في الشتات أو تحت الاحتلال مثل فلسطين، أن تسترجع حقوقها وتأخذ مكانها بين الأمم، إذا لم تلتزم بهذا كله، وإذا لم تنفض عنها الفساد والفوضى والإهمال.

هذه أمثلة قليلة من الواجبات الملقاة على مجلسنا الجديد ومنظمته وغيرها كثير، كله معروف وبه أبحاث ودراسات وخطط، ولا يبقى إلا العمل المخلص الدءوب لتنفيذها.

إتفاق أوسلو

  • والآن أريد أن أتحدث عن قضية شغلتنا 15 عاماً أنحدرت فيها القضية الفلسطينية إلى أدنى الدرجات ألا وهى إتفاق أوسلو.
  • أولاً أتفاق أوسلو ليس مبنياً على القانون الدولي، ولا يشير في أى فقرة منه إلى القانون الدولي، ولا إلى قرارات الأمم المتحدة، ولا إلى الحقوق الفلسطينية.
  • وهو إتفاق باطل حسب القانون الدولي السائد. إذ أن اتفاقية جنيف الرابعة تقضى صراحة ببطلان أى إتفاق بين الدول المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال، إذا أضر هذه الاتفاق بحقوق الشعب المحتل، فهو عقد إذعان.
  • ولا أعتقد أن هذا الاتفاق الخطير قد حَظى بموافقة الشعب الفلسطينى على أساس ديمواقراطي سليم. والسلطة الفلسطينية التى نشأت عنه ليست لها شرعية دولية ولا أساس لها في القانون الدولي.

إذن ما هى أوسلو وما هى السلطة التى نشأت عنه؟ اتفاق أوسلو هو ترتيب فرضته القوة المحتلة على الشعب المحتل لينظم شئون الاحتلال ويقبل به، بحيث تقوم أجهزة الشعب المحتل، التى تُدرّب وتمول لهذا الغرض، بالقيام بدور المحتل في حماية الاحتلال.

بل إن اتفاق أوسلو هو الذى خلق نوعاً من الشرعية لنظام الفصل العنصرى، والذى أدى في النهاية بدوره إلى حاجز الفصل العنصرى. وهذا البروفسور المشهور إيان لستك الامريكى اليهودى يقول في بحثه المطول الذى نشره في اغسطس 2008 في المجلة الهامة: سياسات الشرق الاوسط: “Middle East Policy”

إن إتفاق اوسلو قد ضاعف من قوة اليمين المتطرف وأعاد إلى التطبيق نظرية جابوتنسكى التى صاغها عام 1923 لبناء حائط حديدى بين اليهود والعرب بعد أن يهزم العرب على أرضهم في كل المعارك.

هذا الإتفاق قد أدى بطريقة بصورة أو أخرى إلى سرقة 90% من مياه الضفة وإقامة 650 حاجزاً على طرق الضفة، بجانب معابر قطاع غزة، وأدى كذلك إلى مصادرة إسرائيل للعائدات الجمركية الفلسطينية بموجب بروتوكول باريس، الذى يمثل ثلث الدخل الفلسطينى، هذا بالطبع عدا القتل والاغتيال بمعدل 40 فلسطينى كل شهر، وهدم 15,000 بيت وأسر 11,000 فلسطينى بشكل دوار، وتطويع الكثير من كوادرنا ليكونوا عملاء للاحتلال. لقد خُلقت المساعدات الأوربية لتغطية النفقات المفروضة على إسرائيل، الدولة المحتلة، للقيام بالواجبات المدنية من تعليم وصحة وتطوير.

بل إن المساعدات الأوربية أصبحت جزءاً فعالاً من الاحتلال باعتماد سياسة الرشوة لمن يخضع للمطالب الإسرائيلية والتجويع لمن لا يخضع لها، وامتدت سياسة الرشوة والعقاب حتى للمنظمات الأهلية وللاشخاص المتنفذين.

ولم تتوفر للاتحاد الأوربى الشجاعة أن يقف في وجه إسرائيل حتى عندما كانت تدمر المدارس والمستشفيات التى انشأها الأتحاد، ولا يطالبها بالتعويض لاهدار مالها، ولا بشجبها لدى الأمم المتحدة. وطبعاً موقف أمريكا لا يحتاج إلى شرح.

المفاوضات الفارغة

إذن ما سر الإصرار على المفاوضات، التى هى طبخ الحصى، والجعجعة بدون طحن. ولماذا أصدر وزراء خارجية العرب في 11/9 قراراً باعتماد الاستمرار في المفاوضات؟ هذا شىء غير مفهوم بتاتاً، إلا إذا كان الهدف المرجو هو بقاء إسرائيل لقرن جديد وتدمير فلسطين للأبد.

إن أى مطلع ولو عابرٍ على تاريخ فلسطين الحديث يعرف تماماً أن إسرائيل اتخذت المفاوضات غطاء لشل حركة الخصم بينما هى تبنى، وتتوسع، وتفرض حقائق على الأرض. اتذكرون مفاوضات لوزان لتطبيق قرار 194 بين عامى 49/50؟ بن جوريون أفشل المفاوضات رغم الضغط الأمريكى، وفي هذه الاثناء دمر 400 قرية عربية واستقدم 800 ألف يهودى من البلاد العربية، بينما هم يتحدثون ويتناقشون في لوزان.

اتذكرون مفاوضات جونستون للمياه في الخمسينات لكسب الوقت بينما حولت إسرائيل مياه نهر الأردن إلى النقب؟ اتذكرون يارنج وروجرز وغيرهم؟ اتذكرون مقولة شامير في مؤتمر مدريد، مؤتمر الأرض مقابل السلام، عندما قال،، "نعم سنتفاوض لعشرة أو عشرين سنة"؟. "؟. وها هم حولوا الضفة إلى دولة للمستوطنين، بينما نحن نتفاوض.

وهنا أقتبس من السياسى المخضرم والكاتب المبرز، محمد حسنين هيكل. الذى كتب الآتى:

التهافت على السلام لا يصنع السلام. لان التهافت على الطلب مثير للطمع، ولان الغاية النبيلة لا تحققها وسيلة ذليلة. فأول قوانين الصراع أنه حين يرضى طرف لنفسه أن يستخذى، فإن الطرف الآخر مدعو لان يستقوى، وتلك طبائع الاشياء قبل أن تكون قوانين الصراع.

كيف يمكن أن نتوقع أى مكسب من عدو طردنا من ديارنا واستولى عليها وطمس تاريخنا وذكرنا؟ عدوِ لا يعترف بوجودنا أصلا، وليس أمامه لنا من قوة إلا الاستجداء والتسول؟

هذا ليس خطأ في الإدراك ولا حسن نية. بل هو أكثر من ذلك. هل كان يمكن الاستمرار في هذه المهزلة لو كان لدينا مجلس وطنى قوى يمثل شعبنا كله، وهو الذى يقرر مصيره، بدلاً من حفنة ضئيلة لها ماضٍ مشبوه؟

حسم الصراع الداخلي

الآن نأتى إلى الصراع الداخلى بين فتح، أو جزء من فتح، وبين حماس. لقد أضّر بنا هذا الصراع كثيراً، وأنا اتكلم هنا عما رأيته وسمعته. (قصة الدبلوماسيين الثلاثة).

لكى نحسم هذا الصراع الدامي يجب أن نحلله إلى عناصره الأساسية.

يمكننا أن نقسم هذا الصراع إلى ثلاثة عناصر:

العنصر الأول: ضرورة إحترام إرادة الشعب الفلسطينى التى عبر عنها في انتخابات نزيهة شهد لها العالم كله. الأمر محسوم هنا. لا يجوز للفريق الخاسر أن يعرقل المسيرة بسبب خسارته مهما كان اعتداده بنفسه. ولم يظهر فينا حتى الآن زعيم فلسطينى أدى لوطنه مثلما أدى تشرتشل لبريطانيا من خدمات بانتصاره في الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك أسقطه الشعب في أول انتخاب بعد الحرب.

نحن نطالب بالديموقراطية والتمثيل الشعبى منذ وعد بلفور. هل تعلمون ماذا قال تشرتشل للوفد الفلسطينى الذى زاره عام 1921 يطالبه بمجلس تمثيلى؟ قال لهم "بالطبع سننشىء لكم مجالس تمثيلية. ولكن ليس قبل أن يولد أحفاد أحفادكم". وبعد 90 عاماً تقريباً تكتب كوندوليزا رايس في مجلة "الشئون الخارجية" النافذة الصادرة الشهر الماضى (عدد يوليو أغسطس 2008) تحت عنوان "مراجعة المصالح الوطنية"، تمدح الديموقراطية وتقول:

"إن على الشعب الفلسطينى أن يختار أى مستقبل يريد، والديموقراطية هى الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا المطلب". ثم تناقض نفسها وتقول في السطر التالى: "إن اختيار الشعب الفلسطينى خيار عدم العنف (أى المقاومة) والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود سيجعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى يعملون كل ما في طاقتهم لدعم الفلسطينيين الذين يختارون هذا الإتجاه".

أى أن ديموقراطية تشرتشل وكوندوليزا رايس مطلوبة للفلسطينيين فقط للاعتراف بالصهيونية وإلغاء الحقوق الفلسطينية. وللأسف فإن بعض من يقولون إنهم يمثلوننا يؤمنون بذلك ويعملون له، بدعم مالى وسياسى من خلفاء تشرتشل واتباع رايس.

العنصر الثانى: اختلاف البرامج السياسية. إن برنامج حماس معلن ومعروف، ولو أن هناك أقوالاً عن تيار متشدد ومعتدل. نريد ايضاح هذه المواقف. لكن الواضح أن فتح ليست منهجاً واحداً. هناك فريق يتنازل عن الحقوق ويتمتع بدعم إسرائيل وأمريكا. وهناك فريق لا يزال متمسكاً بالثوابت. وهناك فريق اللاأدريين والذى لم يحسم موقفه بعد.

في حال وجود مجلس وطنى جديد، فإنه بالطبع سيعتمد الأختيار الديموقراطي في الانتخابات. ومن حيث البرنامج السياسى فإن للمجلس المرجعية الأولى والوحيدة في اعتماد البرنامج الذى تجمع عليه الأغلبية، وبالطبع فإنه ستكون هناك تيارات أخرى معارضة له يجب أن يكون لها صوت مسموع ومحترم.

ولو وُجد هذا المجلس اليوم، لما فاوض باسمنا أناس لم نفوّضهم، ولما استطاع هؤلاء نقض الاتفاق قبل أن يجف حبره، ولما اضطررنا إلى التجوال في العواصم العربية نوقع اتفاقاً لننقضه.

العنصر الثالث: الممارسات على أرض الواقع، والاتهامات المتبادلة بالوحشية والاغتيالات والفساد والتواطؤ مع العدو.

انشاء محكمة وطنية

أما الحكم على الممارسات على أرض الواقع، فمن الواجب على المجلس الجديد أن يؤلف محكمة وطنية ذات خلفية قانونية معتمدة، تحاكم المسئولين منذ 1993 إلى اليوم تحت خمسة بنود رئيسة:

  1. التعاون والتواطؤ مع العدو بشكل معلن أو ضمنى تحت أى مسمى.
  2. الإهمال والفوضى والتسيب في إدارة الأمور.
  3. الفساد المالى والرشوة وإهدار المال العام اثناء تولى المناصب.
  4. سرقة مال الشعب والإثراء غير المشروع.
  5. انتهاك حقوق الانسان من تعذيب وقتل واغتيال وسجن واضطهاد.

وتكون لهذه المحكمة صلاحية مطاردة المتهمين في أى بلد وحجز ممتلكاتهم في أى مكان، ولها استقلالية القرار، ولها أن تستعين بخبراء قانونيين وشرطة ومدققى حسابات والانتربول وغيرهم.

المجلس الجديد قادر على انشاء هذه المحكمة، ومثلها له سوابق كثيرة وتاريخ معروف. أما الاعتماد على المهاترات والاتهامات المتبادلة على الفضائيات فهو أمر لا يليق بكرامة الشعب الفلسطينى ولا يؤدى إلى نتيجة إيجابية.

واجب الفصائل القديمة والجديدة

ولكى نصل إلى كل هذه النتائج، فإننى أدعو من هنا أن نستعد للانتخابات وأدعو كافة الفصائل والقوى الشعبية القديمة والجديدة، إلى أن تجدد نفسها وتراجع برامجها السياسية، خصوصاً تلك التى لم يَعُد لها وجود أو حيثية، فتنضم إلى أخرى أو تزول، وعليها أيضاً أن تحدد موقفها من الثوابت الفلسطينية والميثاق الوطنى لعام 1969، ومن المقاومة بكل أشكالها بما فيها المسلحة، وموقفها من دولة فلسطينية في جزء من فتات الضفة أم كل الضفة وغزة أم فلسطين كلها. كما عليها أن تحدد من هم قادتها وتعرض سيرتهم على الشعب، ويا حبذا لو كانت هناك وجوه جديدة لتدفع بدم جديد في عروق هذه الفصائل.

إذا قامت الفصائل بهذه المراجعة، فإن بعضها سيختفى تماماَ وبعضها سينشق إلى فصائل مختلفة في العقيدة والأسلوب. ولا بأس في هذا كله. وهناك احتمال قوى أن تتبلور تيارات واتجاهات وتجمعات جديدة لها قوة على الساحة الشعبية. عند هذه المراجعة المستفيضة للقديم، وعند تبلور الجديد، تعرض الفصائل القديمة، والجديدة، والمتفرعة منها، والتجمعات الجديدة، برامجها وقادتها على الشعب الفلسطينى في انتخابات عامة. والشعب هو الذى يقرر من يختار.

ونحن جميعاً نذكر بالتقدير والإجلال تضحيات شبابنا في الفصائل القديمة، ونتطلع بالأمل إلى الفصائل والتجمعات الجديدة، ولكن يجب أن نتذكر أن كل اعضاء الفصائل المنظمين حاليا لا يتجاوز 1 – 2 % من الشعب الفلسطينى، أى 200,000 حزبى منظم على أعلى تقدير، وظنى أن المجموع لا يتجاوز 60 – 80 ألف شخص.

أما الباقى، 98% من الشعب الفلسطينى، فلا شك أنه قد يتعاطف مع هذا الموقف أو ذاك في تيار سياسى ما، في وقت ما، وليس بالضرورة في كل الاوقات. وليس بالضرورة أيضاً أن يتعاطف مع هذا الفصيل أو ذاك على إطلاقه، صائباً أم مخطئاً. فهذا هو جوهر الأنتخابات أن يختار الشعب البرنامج السياسي الذى يفضله والقيادة التى يثق بها. وكما يقال، هذا الميدان يا حميدان. فالانتخاب هو المقياس الوحيد لإرادة الشعب، وهو الذى يحدد أنصار كل فريق.

أما المحاصصة وتوزيع المقاعد والصفقات الخلفية، فهو أمر غير مقبول إطلاقاً. وهو إهانة للأغلبية الساحقة التى من حقها أن تقرر ممثليها.

اللجنة التحضيرية

ورأيى أن تكون نقطة البداية في اجراء الانتخابات هى في التفعيل الفورى للجنة التحضيرية المتفق عليها في القاهرة عام 2005، بشرط حضور ممثلين مستقلين عن كافة الجاليات الفلسطينية خارج الوطن، لأنهم على علم بظروفهم وقوانين البلاد التى يعيشون فيها. ثم يحَّدد عدد أعضاء المجلس الوطنى الجديد بواقع عضو لكل 40,000 شخص، وهو الرقم المعتمد في معظم البلاد أى 275 عضوا. ولو اعتمدنا عضواً لكل 30,000 شخص يكون عدد اعضاء المجلس 366 عضوا. وليس أكثر من ذلك، فنحن لسنا الهند أو الصين أو أمريكا، التى لم يتجاوز عدد مجالسها هذا الرقم. من هؤلاء 132 عضوا سبق انتخابهم في المجلس التشريعى. كما يجب أن يخصص 10 مقاعد للكفاءات والشخصيات الفلسطينية التى لم تتقدم للانتخابات.

وفي كل هذا يجب اّلا نغفل عن أهلنا في 1948، فهم مدرجون في كل هذه الأرقام. وهم جزء أصيل من الشعب الفلسطينى، وتجاهلهم أمر لا يغتفر. وقد حضرت في قبرص في اكتوبر الماضى اجتماعاً عقدته 40 جمعية أهلية. وهم يصرون على مشاركتهم في المجلس الوطنى. وهناك وسائل عديدة لتمثيلهم دون ضرر يلحق بهم. (مقارنة بين حالهم 1948 ورام الله 2008).

أليس حرياً بنا أن نتعلم من الصهيونية؟ إن كل مؤسساتهم عابرة للقارات تضم اليهود في كل بلاد العالم: الوكالة اليهودية، المنظمة الصهيونية العالمية، المؤتمر اليهودى العالمى، اتحاد الجمعيات اليهودية، اللجنة الأمريكية اليهودية، إيباك..........؟

نحن نحتاج هنا إلى تفكير خلاق، وعمل دءوب، وكفاءة عالية. الطرق القديمة والأساليب القديمة لم تعد تنفع، بل إنها تضر أكبر الضرر في هذا العالم الذى نعيش فيه اليوم.

جدول العمل الوطني

هل نستطيع تحقيق كل هذه البرامج الطموحة. نعم؟

نعم لدينا الطاقة البشرية. لدينا المادة. ولكننا نحتاج إلى شحذ الهمة، وهى موجودة لدى الكثيرين ممن لا تعرفونهم. ونحتاج إلى النظام والتنظيم وهذه أصعب المهمات.

هل من الواجب والضروري تحقيق هذه البرامج؟ نعم. لأن البديل هو ضياع فلسطين أرضاً وشعباً وحقاً وتاريخاً وجغرافية. وكل إنسان لديه ذرة من الوطنية لن يقبل أن يورث لابنائه وأحفاده هذه الكارثة، حتى لو قبلها لنفسه. نحن لسنا ضعفاء بالشكل الذى يعتقد الكثيرون. لقد قاومنا حرباً شُنّت علينا لمدة 90 عاماً ولا تزال. نعم سقط منا أكثر من مليون ونصف شخص ما بين شهيد وجريح وأسير، وهو عدد يقارب كل سكان فلسطين عام 1948، وتشرد ثلاثة أرباع الشعب الفلسطينى.

ولكننا الآن في فلسطين الانتدابية نصف عدد السكان رغم الهجرة اليهودية والاستيطان. وفي عام 2025 سيصل عدد اليهود إلى حده الأقصى، وسنتعداهم في العدد، وفي العام 2050 سيكون عددنا 34 مليون فلسطينى، نصفهم على الأقل في فلسطين، إن لم يكن أكثر من ذلك عند العودة، وسيكون اليهود أقل من ثلث السكان.

لدينا 1.5 مليون فلسطينى ذوى كفاءة وخبرة يقومون بأعمالهم في دول عربية وأجنبية. هؤلاء ثروة بشرية هائلة لم تستغل حتى الآن.

المقاومة

وكل ما قلناه من مهمات هو ضرورى وهام. ويمكن أن ننجزها جميعاً. على أنه لا يمكن لنا استرجاع حقوقنا من هذا العدو دون الاعتماد على المقاومة المسلحة. فهذا حقنا الطبيعى. لا يوجد حق أعلى من حق الدفاع عن النفس. وهو الحق الذى أجازه ميثاق الأمم المتحدة دون الحاجة إلى قرار من الدول أو موافقة منها. وإن أردنا قرارات الأمم المتحدة، فأذكركم بقرارتها رقم 2535، 2628، 2672 وغيرها ابتداء من عام 1969 التى تنص على "شرعية النضال من أجل التحرير وتقرير المصير"، بل وتطلب هذه القرارات من كل الدول مساعدة الشعب المحتل مساعدة مادية ومعنوية لكل ما يلزمه، لكى ينتصر.

المقاومة هى حقنا وهى شرفنا وهي أيضاً مستقبلنا. المقاومة هى شرط الوفاء لأبطالنا وشهدائنا، لكى نثبت لهم أن تضحياتهم لم تذهب عبثاً. ولذلك فإننا نستنكر أن يكون بيننا من يستخفون بالمقاومة ويصفها كما يصفها العدو الذى نقاومه.

لدينا قدرة صمود عجيبة، لا تستسلم ولا تركع، رغم أنه قد صُبّت عليها حمم الاستعمار والصهيونية منذ عدة عقود.

وبالمقابل، فإن عدونا، رغم أسلحته وبطشه، يتملكه الرعب من أى انتفاضة شعبية حتى لو كانت غير مسلحة. هو يختبئ وراء الحائط الحديدى، حائط جابوتنسكى، ليحافظ على ما سرقو ليحتمى ضد من قتل وشرد. لكن هذه النظرية، نظرية الحائط الحديدى، قابلة للسقوط، كما يقول البروفسور لستك. هو يقول في بحثه المطول الذى أشرت إليه: إسرائيل لديها خياران: التمترس خلف الحائط أو الخروج من الساحة. لم يفلح التمترس كثيراً. إسرائيل تريد بجانب الحائط الذى بنته أن تستعين بحائط فاصل حامٍ أخر هو دولة فلسطينية غير ذات حيثية، يحشر فيها من تبقى من الفلسطينيين، يستعملون كدروع بشرية لحماية إسرائيل، ولاختزال كل حقوقهم في هذه البقية. ولذلك قال أولمرت: "إما حل الدولتين أو نهاية إسرائيل".

يقول لستك إن عدد اليهود المغادرين إسرائيل 18 – 21 ألف سنوياً زادوا بعد الانتفاضة الأخيرة. وعدد هؤلاء أكثر من المهاجرين الجدد بــ 10,000 على الأقل. وعدد الذين حصلوا على جنسية الولايات المتحدة وكندا زاد من 25,250 في أعوام 96 – 2000 إلى 35,400 في أعوام 2001 – 2006 بعد الأنتفاضة. واحصاء عام 2007 بيّن أن ربع الإسرائيلين يرغبون في مغادرة البلاد. ونحن نرى كل يوم معالم التخبط في الرؤية خصوصاً بعد حرب لبنان الأخيرة ومظاهر الفساد لقادة إسرائيل.

طبعاً لا يحسبنّ أحد أن هذه العوامل كلها ستقضى على فكرة الصهيونية بينما نحن جالسون أمام التلفزيون نتفرج. كل ما أقوله أنه لدينا من القوة الكثير الذى لم نستعمله، ولديهم من مواطن الضعف الكثير الذى لم نستفد منه.

ويكفى أننا صمدنا 90 عاماً، وحان الوقت أن ننهى حالة الظلم التاريخى الذى ليس له مثيل. وأول الجهود أن نعيد بناء مرجعية واحدة للشعب الفلسطينى عن طريق مجلس وطنى جديد منتخب.

أعملوا ولا تيأسوا

لنتذكر دائما ما يلى:

  1. إن الشعوب لا تقهر ولا تموت. الجيوش هى التى تقهر. والقادة هم الذين يموتون.
  2. إن المعوّل في تاريخنا الطويل هو على مقاومة الشعب. تذكروا تاريخنا من 1936، إلى 1948 إلى 1969، إلى 1982. أما من ينتظرون من جهة أو دولة أن تقوم بدورنا، أو تحارب بدلاً عنا، فعليه أن يراجع تاريخنا منذ النكبة.
  3. إن حق العودة هو الصخرة التى تتحطم عليها مشاريع القضاء على الشعب الفلسطينى وهو جوهر الصراع وهو أم الحقوق. ومن أجل حمايته، نحتاج إلى مجلس وطنى جديد منتخب. ومن أراد فلسطين أراد مجلسها.
  4. تخلصوا من الاوهام. تخلصوا من خدعة أوسلو، أو عقدة أوسلو، ومن جاء بها وسوّق لها في سوق الاوهام. ولا تصدقوا أن إسرائيل ستعطيكم دولة أو وطناً يستحق هذا الإسم ولو في معسكرات اعتقال الضفة.
  5. لا تصدقوا من يقول لكم أن على المجلس الجديد أن يقبل بالاتفاقيات التى وقعها من سبقكم. لا يوجد لا في التاريخ ولا في القانون مثل هذا الشرط. فالمجلس سيد نفسه. فكم من برلمان في العالم ألغى معاهدات قديمة ووقع أخرى جديدة، وكم من برلمان شن حرباً جديدة أو وقع معاهدة سلام، حسب ما تقتضيه مصلحة الشعب وأحوال الزمان.
  6. عند اتخاذ القرار في الشئون الوطنية تذكروا أن كل من فضّل مصلحة فلسطين أولاً فهومعنا. ومن فضل مصلحته أو مكاسبه أو راتبه أو حزبه أو ايديولوجيته، على حساب فلسطين فهو ليس معنا.

هذا الشعب صمد وسيبقى.

هذا الشعب حارب وقُتل وجُرح وتشرد ولكنه لم يركع.

هذا الشعب تعدى منذ زمن بعيد إمكانية زواله أو إبادته، كما حدث لقبائل الهوتنتوت والهنود الحمر.

هذا الشعب فيه الكثير من الأبطال والعظماء وفيه قلة من الفاسدين والفاشلين، وهو مثل البحر العظيم في احشائه الدر كامن، وعلى قاعه سفن غارقة وهياكل عظمية.

فلا تيأسوا. وأعطوا الراية لمن يستحقها، إلى شبابكم، الجيل الثالث والرابع من ضحايا النكبة، لديهم الروح الوطنية، ونظافة القلب واليد، ولديهم العلم والكفاءة، ولديهم ذخيرة من الثقة بالنفس وطاقة من النشاط.

العدو من أمامكم وخلفكم وبينكم. وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، والصمود، والوحدة، فأجمعوا كلمتكم، ووحدوا صفوفكم في مجلسكم الذى يمثلكم خير تمثيل، واعتمدوا على انفسكم أولاً قبل أن تطلبوا المعونة من الغير.

ولا شك عندى أن هذا الشعب سينتصر وسيستعيد حقوقه.

وما ضاع حق وراءه مطالب.