أخوتي أخواتي في الوطن الحبيب فلسطين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحييكم أطيب تحية في أرض الوطن وفي " يوم أرض " هذا الوطن الغالي في ذكراه السابعة والعشرين. وأتمنى لمؤتمركم الثالث النجاح في الهدف والنتيجة، في الخطة والعمل، في الفكرة والتنفيذ، بغرض الاحتفاظ بأرض أجدادنا، ومستودع تاريخنا ووجهة مستقبلنا، وبغرض الصمود على أديمها الطاهر، كما صمدنا وبقينا وبنينا كل مدن فلسطين وقراها منذ أكثر من 5000 عام، مهما كانت مسميات لغتنا وديننا وقوميتنا، لكننا كنا دائما أهل هذه الأرض وسنظل إلى الأبد

أخوتي أخواتي

كم كنت أتمنى أن أكون معكم اليوم، وجها لوجه على أرض الوطن متحدثا إليكم كأخوة وأصدقاء قدامى وأرجو أن يأتي هذا اليوم عن قريب.

على أنني لا أشعر بالغربة بسبب بعد المكان عن الوطن، فهو في ذهني وخيالي وأبحاثي وخرائطي. أعرف تماما أين هي عيلبون وسخنين وكفر كنا ومشهد ورهط وتل الملح والصويوين وبير هداج. وأعرف تماما أين كانت الدوايمه ودير ياسين والطنطوره وسعسع والكابري وأبو شوشه وعين الزيتون وما حل بها وكيف يمكن إعادة إعمارها وتأهيلها بأهلها مرة أخرى.

في هذا الوقت العصيب الذي يتلقى فيه شعب العراق كل ليلة آلافا من أطنان الدمار، ويظل صامدا شامخا بشبابه وشيوخه ورجاله ونسائه، أتذكر شعبنا الفلسطيني الذي ظل طوال القرن الماضي يتلقى كل صنوف القتل والتشريد والنفي والإنكار، ولكنه ظل صامدا، وسيظل صامدا مدافعا عن حقوقه الوطنية الثابتة.

في عام 1948، عام النكبة، تعرض الشعب الفلسطيني لأكبر عملية منظمة للتنظيف العرقي في التاريخ الحديث، سرقوا جغرافيتنا، وبقينا نحمل تاريخنا معنا في المهجر وتحت الاحتلال، حتى ونحن غرباء في الوطن. ولن يهدأ لنا بال أو يستقر لنا قرار حتى يلتئم شمل جغرافيتنا وتاريخنا في آن معا.

في صيف 1917 تم اتفاق سري بين الصهاينة ووزارة الخارجية البريطانية، على نسق الاتفاق السري في العام السابق بين البريطاني سايكس والفرنسي بيكو، من أجل توزيع غنائم الحرب وتقسيم البلاد العربية بينهما. وبقي الاتفاق الصهيوني البريطاني نائما في أحد الأدراج.

وفي مساء يوم الأربعاء 31 أكتوبر 1917، احتل الجيش البريطاني مدينة بئر السبع في حركة التفاف واسعة بعد أن فشل هذا الجيش مرتين في احتلال غزة. وأبرق الجنرال اللنبي إلى لندن صباح الأول من نوفمبر قائلا: " لقد أخذنا بئر السبع. ستكون القدس هدية عيد الميلاد لكم ". وفي الثاني من نوفمبر 1917 أخرج اللورد بلفور من درجه رسالة كانت موجهة إلى روتشيلد المليونير الفرنسي اليهودي، وبعثها إليه في رسالة عرفت بوعد بلفور، وعد من لا يملك، لمن لا يستحق، في غياب صاحب الحق ودون علمه أو موافقته. وبذلك بدأ عهد أسود من الدمار والتشريد والحروب لا يزال باقيا إلى اليوم

وكما تعلمون جيدا، فقد أنشئت دعائم دولة إسرائيل في السنوات العشر الأولى من الانتداب على يد هربرت صموئيل، أول مندوب سام بريطاني وهو يهودي صهيوني. ففي هذه الفترة سمحت بريطانيا، بل وشجعت وعاونت، على إنشاء حكومة يهودية بمجلسها التنفيذي باسم الوكالة اليهودية، وجيش يهودي ابتدأ بحراس المستعمرات وانتهى بالهجاناه، ومنظمة عمل لليهود فقط هي الهستادروت، ودائرة أشغال عامة نواتها سوليل بونيه، ودائرة مياه وري نواتها ميكوروت، ودائرة كهرباء نواتها محطة روتنبرغ جنوب بحيرة طبرية.

أما الأرض، مطمع المهاجرين الجدد، فقد اختار صموئيل النائب العام اليهودي بنتويتش لكي يسن القوانين التي تساعد على تحديد الأراضي التي يمكن تحويلها للمهاجرين اليهود.

وفي عام 1921 أصدرت لجنة الأراضي التي كان يرأسها أبرامز البريطاني وعضوية العربي الفلسطيني فيضي العلمي، واليهودي كالفارنسكي، تقريرها الذي يحصر الأراضي الميري والملك والمشاع والجفتلك والمحلولة والمتروكة، تلك الأراضي التي زرعها الفلسطينيون وعاشوا عليها منذ آلاف السنين. وأستغل البريطانيون القانون العثماني الذي يضع ملكية أرض المسلمين في يد السلطان العثماني صوريا، وفعليا في يد أصحابها، لكي يدعوا أن أراضي السلطان الصورية ملك للدولة. واستقدم الإنجليز مدير المساحة البريطاني من مصر ليرسم خرائط مفصلة لفلسطين وبموجبها تحدد الملكية وتسجل الأملاك في سجل الأراضي الرسمي. انتهى هذا الاستعداد عام 1929 ولم يبقى إلا إعلان دولة إسرائيل رسميا بعد 20 عاما في عام 1948.

ورغم التواطؤ البريطاني والجهود الصهيونية وملاحقة بريطانيا لأهل البلاد في ثورة 1936 وبعدها، حتى أن عقوبة حمل مسدس كانت الإعدام أو السجن المؤبد، إلا أن الصهيونية لم تفلح في السيطرة على الأرض الفلسطينية لأكثر من 1.680.000 دنم على أقصى تقدير. وهذا يشمل الامتيازات البريطانية والشراء من جهات أجنبية وملاك غير مقيمين أي ما يساوي 5 % من مساحة فلسطين.

وفي عام النكبة استولت الهاجاناه بقوة السلاح على 20.323.000 دنم من فلسطين، أي 78 % من كل فلسطين، أي 12 ضعفا للأرض اليهودية في فلسطين. هذه ليست مجرد أرقام. إن ورائها مأساة إنسانية كبيرة لاتزال باقية إلى اليوم. لقد طرد أهالي 530 مدينةو قرية رئيسية من ديارهم، كانوا يمثلون 85% من أهل الأرض التي أصبحت تسمى إسرائيل،و انتم ال15% الباقون على تراب الأرض. هؤلاء الذين طردوا، كان عددهم 800.000 من قرى رئيسةو 100.000 من قرى ثانوية، أصبح عددهم اليوم 5.250 مليون خارج ديارهم، منهم 30% في الضفةو غزة،و 70% في الدول العربية المجاورة.

و لست احتاج إلى تذكيركم أنه يوجد في إسرائيل اليوم 250.000 لاجئ،و الصحيح كلمة " مهجر ", لهم نفس الصفة القانونية لعامة اللاجئينو لهـم نفس الحقـوق. وقد كانوا في أول عامين بعد النكبة مسجلين في الأونروا.و لدينا اليوم سجلا ت لأربعة ملايين لاجئ، من أي قرىو مدن طردوا،و أين هم اليوم، وبجانب كل اسم يسجل الموطن الأصلي واسم الأب والأم وسائر أفراد العائلة. ولدينا نصف مليون سجل طابو لملكية الفلسطينيين، ولدينا مئات الخرائط التي تبين الحدودو ترصد كل قريةو عين ماءو مسجدو كنيسةو مقبرةو مقام وجرن حصادو مطحنةو معصرة وخلة وبيارةو كرم، مما يزيد على مائة ألف اسم في فلسطين.

و بالتقنية الحديثة نستطيع أن نحدد كل مكان كيف كان,و ما هو اليوم. لقد قلت أننا نحمل تاريخنا معنا،وأضيف أننا نعرف جغرافياتنا أيضا,و نتطلع إلى اليوم الذي يجتمع فيه المتفارقان.

لست في حاجة أن أخبركم عن الشبكة القانونية المزيفة التي خلقت لمصادرة أراضينا من أصحابها المقيمين علهاو البعيدين عنها. انتم تعلمون ما هو قانون أملاك الغائبينو ما هي هيئة التطوير التي خلقت لتفصل بين الحارسو السارقو تعرفون هيئة إسرائيل للأراضي ILA (و لا أقول هيئة أراضى إسرائيل فهذا غير صحيح لأنها ليست اراضي إسرائيل).

ILA تسيطر على 92% من مساحة إسرائيلو هي ارض فلسطينية بالكامل عدا 900.000 دنم للصندوق القومي اليهودي.

أريد أن أذكركم بحقكم في أرضكمو حقكم في العودة إليها. أولا هذا الحق هو حق غير قابل للتصرف لا يسقط بالتقادم ولا بالسيادة ولا بالاحتلال ولا بأي اتفاقية سياسية، وهو حق فردي وجماعي. وهو حق كفله ميثاق حقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر 1948.و في اليوم التالي أي في 11 ديسمبر صدر القرار الشهير رقم 194 الذي يقضي بحق المهجرين في العودة إلى ديارهمو بالإضافة إلى ذلك تعويضهم عن خسائرهم الماديةو معاناتهم النفسية.و التعويض ليس أبدا بديلا عن العودة، بل هو مرادف لهاو تابع لها.و قد أكدت الأمم المتحدة هذا الحق اكثر من 135 مرة منذ عام 1948. وهذا التأكيد ليس له مثيل في تاريخ الأمم المتحدة. وهو يبين إجماع المجتمع الدولي المطلق على هذا الحق. بل إن هذا القرار قد بين بصراحة في مذكرته التفسيرية على حق المهجر في العودة إلى نفس بيتهو أرضه التي طرد منها، أو منع من العودة إليها،و لا يعني أبدا العودة إلى مكان ما في فلسطين. ولذلك فان حق أدوارد سعيد الذي يعيش في نيويورك في العودة إلى القدس التي تبعد آلاف الكيلو مترات هو بالضبط حق واكيم واكيم المقيم بالجليل في العودة إلى البصة, أو حق محمد الموعد الذي يقيم في حارة الصفافرة في الناصرة من العودة إلى صفورية على بعد كيلو مترات قليلة.

كما إن حق العودة مستمد من حرمة الملكية الخاصة التي لا تفنى بزوال السيادة أو استبدالها بسيادة أخرى على الأرض. بل أن القانون الدولي صريح في هذا المجالو هو أن من يمتلك السيادة على الأرض ملزم بالمحافظة على أهل هذه الأرض أيضا. فالأرضو الناس متلازمان.و لذلك فان إسرائيل اقترفت في حقنا ثلاث جرائم حرب: الأولى هي طردنا قي عملية التنظيف العرقيو اقترفت اكثر من 35 مذبحة مسجلة لدينا بالتفصيلو مئات غيرها.

والثانية هي منع المهجرين من العودة إلى ديارهم بعد انتهاء القتال، مهما كان سبب مغادرتهم.

والثالثة هي نزع الجنسية الفلسطينية عنهم.

و يجب أن تنتبهوا إلى الخدعة التي يسوقونها اليوم عن مقايضة حق العودة بقيام الدولة. لا علاقة قط بقيام دولة فلسطينو حق العودة، فهما موضوعان منفصلان. قيام الدولة عمل سياسي يتم الاتفاق الدولي عليه أو على نقضه. أما حق العودة إلى البيت فهو مطلق، بغض النظر عن السيادة على ذلك البيت.

و الآن استسمحكم بدقائق قليلة لاتكلم عن المستقبل. يقول لنا بعض الأوربيين والمتعاطفين معنا في أمريكا: نحن ندرك تماما مدى الظلم الذي وقع عليكم،و أن هذا جريمة كبرى.و لكن كونوا واقعيين. هل تريدون إيقاع نكبة أخرى بالمهاجرين اليهود؟ هل تريدون إزالة الطابع اليهودي لدولة إسرائيل بعودة اللاجئين إلى ديارهم؟

اخوتي أخواتي لقد قضينا في هيئة ارض فلسطين سنوات عديدة ندرس هذه الحجة، ندرس الإمكانية العملية، بجانب القانونية، في عودة المهجرين. وأرجو أن تجدوا في الكتب التي أرسلناها معلومات مفصلة. ولكن اسمحوا لي في هذه العجالة أن اختصر الموضوع كثيرا.

توجد في ذلك الجزء من فلسطين الذي اصبح إسرائيل عام 1948، 841 قرية ومدينة، منها 170 قرية يهودية حسب تقسيم الانتداب الإداري،و منها 97 قرية ومدينة بقيت بعد النكبة.و يبقى 574 مدينةو قرية رئيسةو ثانوية هجر أهلها منها.

أما ال97 قرية الباقية فقد اصبح عددها الآن 209، أي بزيادة 112 قرية جديدة منها 46 معترف بهاو 66 غير معترف بها حسب آخر تقرير.

سألنا أنفسنا السؤال التالي. ماذا يحدث لو عاد أهالي 574 قرية من الشتات إلى ديارهم؟ لقد قمنا بدراسة خرائط الإعمار كما كانت عام 1948و كما هي في إسرائيل اليوم،و حددنا مكان كل بيتو شارع في الخرائط الحالية. وجدنا الجواب المذهل الآتي:

أن 90% من القرى المهجرة لا تزال أراضيها خالية. إن العودة إليها في الجليل من لبنانو سوريا، أو في اللواء الجنوبي في غزة والضفة، لا يمثل أي مشكلة لوجستية، بل لا يؤثر على الإطلاق على قلب المركز. لا يحتاج الأمر إلا إلى رحلة في الباص لا تتجاوز ساعة واحدة، وهي اقصر بكثير من السفر بالطائرات من موسكو أو نيويورك أو الحبشة. ووجدنا أن 7% من القرى الباقية قد بني على بعض أراضيهاو لكن يمكن إسكان العائدين عليها بعد التخطيط المناسب.و أن 3% من القرى هي التي أزيلت تماماو بني عليها.و ليس صعبا أن تعرفوا أين هذه القرى؟ فهي في تل آبيب الكبرىو القدس الغربية. تجدون تفصيلا كاملا بهذه القرى في الكتب المرسلة إليكم.

و عند التفكير قليلا في التوزيع الديمغرافي للسكان نجد أن هذه النتيجة معقولة تماما. لان 78% من اليهود يعيشون في 14% من مساحة إسرائيل.و سيبقى هذا الوضع قائما لمدة طويلة لان مخطط إسرائيل لعام 2020 يعتمد هذا المبدأ الذي يسميه 80/20 أي 80 % من السكان في 20 % من الأرض.و قد وجدنا هذه النتيجة قبل صدور مخطط إسرائيل 2020 بسنواتو كتبنا كثيرا عن ذلك.

و نجد هذه النتيجة معقولة أيضا إذا تذكرنا أن أراضى المهجرين قد استغلها الكيبوتزو الموشاف بموجب عقد إيجار. فهم يستغلون 4 ملايين دنم نصفها مروي،و قد اتضح أخيرا من تقرير مفتش الحكومة أن المزارعين اليهود يغشون. أن نصف النصف هذا يستغل المياه لأغراض أخرى غير الري.و مهما يكن الأمر، فان 2% من السكان اليهود يعيشون على أراضى المهجرينو يستغلون اكثر من نصف المياه العربية المسروقة أي اكثر من 1000 م م3 سنويا،و ينتجون 1.5 % فقط من الناتج القومي المحلي.و في الواقع أن 8.600 شخص فقط من سكان الكيبوتز هم الذين يعتمدون على معاشهم في عملهم في الزراعة.

فهل يعقل أن يرهن مصير 5 ملايين لاجئ من اجل رفاهية 8000 شخص أو 160.000 مهاجر يهودي على اكثر تقدير.

و تعلمون أيضا أن 88% من الأرض في إسرائيل تستعمل بجانب الزراعة، لأغراض الجيشو المعسكراتو المناورات.و هو عمل عدواني لا يحتاجونه في حالة السـلام.

لكن الأكثر غرابة في الحجج التي نسمعها أن عودة اللاجئين ستؤثر على الطابع اليهودي لإسرائيل.

بداية نقول انه لا يوجد إلزام أخلاقي أو قانوني أو واقعي على الفلسطينيين أن يبقوا في معاناة المخيمات أو في المنفى أو مواطنين درجة ثانية من اجل توفير بيت إضافي آخر للمهاجرين اليهود بجانب مواطنهم الأصلية، أو بيت يلجئون إليه عند الطوارئ. هذه حجة غير أخلاقيةو غير قانونية.

ولكن لو فرضنا أن هذه الحجة مقبولة، نسأل السؤال المهم:

ماذا يقصدون بهذا الطابع اليهودي؟ هل يقصدون الطابع الاجتماعي المتجانس لليهود في إسرائيل؟ إن أي عاقل لا يتصور أن مجتمعا أتى أفراده من 110 بلداو يتكلمون 82 لغة هو مجتمع متجانس بحيث يكون فيه أصحاب البلاد هم الفئة الغريبة.

هل يقصدون الطابع الديني؟ ليس لنا مشكلة في هذا منذ أيام الأندلس. موسى ابن ميمون لم يلجأ إلى أوروبا عندما طرد اليهودو المسلمين من الأندلس. جاء إلى فلسطينو لم يرغب في الإقامة بهاو ذهب إلى القاهرةو استنبول.

هل يقصدون الطابع الديموغرافي، بمعنى أن يكون اليهود أغلبية عددية دائمة؟ هذا وهمو سراب، أؤكد لكم ذلك. لقد بينا في دراساتنا أن هذا مستحيل على المدى الطويل. اليوم في فلسطين التاريخية يبلغ عدد الفلسـطينيين 46%و بعد 6 سنوات، سيصبحون اكثر من 50%و لو أضفنا إليهم 250 إلى 400 ألف روسي مسيحي لأمكننا القول أن اليهود اليوم هم أقل من النصف في فلسـطين كلها.و لا أريد أن أتحدث عن داخل إسرائيل فهذا معروف للجميع. القادة الذين أبدوا " تفهما" للطابع الديموغرافي لإسرائيل إنما هم بذلك يعطون ترخيصاً لإسرائيل باقتراف جريمة الترانسفير.و لو أراد اليهود أن يكونوا أغلبية، فعليهم الانحسار من الأماكن التي يحتلونها الآنو ينكمشوا بالتدريج إلى الداخل. ولكن هذا التقوقع، دولة الجيتو، لا يليق بدولة تريد العيش بسـلام في عالم اصبح قرية صغيرة.

أما الحديث عن الترانسفير فهو وصفة لعهد بشع من سفك الدماء،و لا أريد أن أعيره كثيرا من الاهتمام،و لا اعتقد انه يمكن تحقيقة بسهولة،و دون ثمن باهظ. ان عهد الابادة الجماعية قد انتهى،و لن يكون شعبنا غنما تساق الى المذبح.

اذا ماذا يقصدون بالطابع اليهودي للدولة؟ هل يقصدون الطابع القانوني لدولة اسرائيل اليهودية؟ هل يقصدون الإبقاء على 24 قانونا عنصريا مثل قانون العودة والجنسية والتعليم واستعمال الأراضي والديانة وغير ذلك؟.لقد قال المجتمع الدولي كلمته في ذلك، وأصدرت لجان الأمم المتحدة مثل لجنة حقوق الإنسان ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة إزالة التمييز العنصري ولجنة مناهضة التعذيب ولجنة حقوق الطفل والمرأة...، كلها شجبت هذه القوانين العنصرية في إسرائيل. وباختصار فإنه لا يمكن لدولة تتمسك بهذه القوانين أن تعيش في سلام في هذا القرن، مهما كانت غطرسة القوة. وستكون منبوذة من العالم ,الذي يرى ويسمع اليوم كل شئ، إلى أن تبرأ من هذا الوباء العنصري.

أخوتي وأخواتي لقد شهد القرن العشرين خلاص ملايين البشر من الشرور التي إقترفها بعض البشر على آخرين. لقد تحرر الملايين في آسيا أوروبا وأفريقيا من الاستعمار والاستيطان والفاشية والنازية والتمييز العرقي والفصل العنصري والاحتلال، إلا في فلسطين. لقد عاد المهجرون إلى ديارهم في كوسوفا والبوسنة وتيمور الشرقية ورواندا وجواتيمالا وأبخازيا والتتار وجورجيا، إلا في فلسطين. ولكن هذا لا يدعونا إلى الإحباط. لأنه بالمقابل لم تفلح 55 عاما في ثني 3 أجيال من المهجرين عن الإصرار على حقهم بالعودة، رغم الحروب والتشتيت والاضطهاد والمعاناة. بل لايزال 88 % منهم في فلسطين التاريخية وفي شريط حولها لا يتجاوز عرضه 100 ميل. والباقي 6 % في بلاد عربية أخرىو 6 % في بلاد أجنبية. وهم لن يذهبوا هباءا أو يتبخروا بين يوم وليلة.

نهدي هذه الحقائق إلى من يطالبوننا بالواقعية. هذه هي الواقعية الصارخة الواضحة. أنه لا يمكن أن تتجاهل 5 ملايين إنسان يرون بيوتهم رأي العين ولا يستطيعون دخولها. لا يمكن أن يتكدس 5000 شخص / كم2 في غزة بينما يرون أرضهم عبر السلك الشائك يسرح فيها 6 يهود فقط على كم2. لا يمكن أن يقبل العقل استيراد مليون روسي إلى إسرائيل بينما يمنع نفس العدد, وهو مجموع اللاجئين في غزة ولبنان، من العودة إلى ديارهم.

إن طريق السلام الوحيدة هو طريق العدالة. قد تشتري القوة الغاشمة زمنا، طال أو قصر، لكنه زائل. ولا يمكن أن يستقر السلام في المنطقة مهما طال الزمن إلا بتطبيق مبادئ العدالة والقانون الدولي.

أقول في الختام: أصمدوا على أرضكم , وإننا لعائدون.