منذ أعاد رون كاري كتابة ورقته حول تنفيذ حق العودة، "الإنتفاضة الجديدة:مقاومة عنصرية إسرائيل" (والتي صدرت في فيرسو، لندن، نيويورك 2001 )، تنامت المؤشرات بأن الأدلة والشواهد الواردة في تلك الورقة تلاقي المزيد من المصداقية.

الملاحظة الأولى، أن كتابة هذه الورقة تتزامن مع قيام إسرائيل بزرع الموت والدمار في فلسطين ولبنان. فإذا كان هناك حاجة لدليل إضافي، فإن سياستها العرقية ما زالت تطبق بصورة إنتقامية مهما اختلفت الأشكال والحجج، حيث أن الهدف ما زال هو ذاته ويتمثل بتفريغ الأرض من السكان والإستيلاء عليها، على نحوٍ يعيد سيرة النكبة عام 1948،الأمر الذي يتكرر عرضه عبر مختلف نشرات الأخبار اليومية.

صحيح أنه مع إنتشار وسائل الإتصال، سواء أقمار البث، محطات التلفزيون أوشبكة الإنترنت، فإن الكثير من الناس، وخاصة في الغرب، والذين ضللّوا لسنوات بالدعاية الصهيونية، باتوا الآن على درجة من الوعي بما يتعلق بسياسة إسرائيل العنصرية والإحتلال الوحشي. وفي حين اتخذت منظمات العمل الأهلي الغربية مواقف جدية من ممارسات إسرائيل، إلا أن حكومات بلدانها ما زالت تدعم وتحمي إسرائيل من إدانة المجتمع الدولي على جرائم الحرب التي ترتكبها.

الملاحظة الثانية، أن سياسة إسرائيل، بتوطين شعبها كقوة محتلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعد جريمة حرب وفقاً لقانون روما لعام 1998، تعزز هدفها في إيجاد مجتمع عربي مقموع ومحاصر داخل دولة يهودية عرقية.

إن هذا الإلحاق الإفتراضي قاد إلى المزج بين السكان العرب واليهود لدرجة أنه بات يطلق عليه "حل الدولتين" لاعقلاني. وضمن هذا الإطار، فإن عودة اللاجئين إلى ديارهم لم تعد تشكل عقبة سياسية.

الملاحظة الثالثة تتمثل بأنه مع مرور عقد من الزمن على صدور دراسة إمكانية حق العودة، لم يعد أي كاتب إسرائيلي أو غيره يشكك في حقائق خطة العودة، بل إن البعض منهم عزز عمليا ً تلك الحقائق، وبذا باتت خطة العودة تستند على أسس واقعية صلبة.

الملاحظة الرابعة تكمن في أن حركة حق العودة انتشرت خلال السنوات العشر الماضية في كل مكان. وفي هذا المجال شكلت اللجان، المجموعات والجمعيات في سائر أماكن تواجد الشعب الفلسطيني. والحق يقال أنه ما من حزب رسمي سواء أكان فلسطينياً أو غيره، يمكنه تجاهل صوتهم. بل على العكس من ذلك، فإن وجهة نظر الأقلية الفلسطينية التي دعت إلى التخلي عن حق العودة تحت عنوان" الواقعية" دحضت بشكل واسع وباتت مقترحاتها في عالم النسيان.

لذا، فمن المفيد إعادة طرح إمكانيات تطبيق حق العودة ( كما نشرت عام 2001 لكن بدون جداول). فمن بين أهم الدروس التي تعلمناها على مدى ثلاثة وخمسين عاماً من الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي أن لب الصراع يتمثل في ترحيل شعب فلسطين من دياره ومصادرة أراضيه وهو ما يعرف ب "بالتطهير العرقي"، حيث نزلت أقلية غريبة على شواطىء فلسطين، طردت الأغلبية الوطنية، تنكرت لوجودها وحقوقها، ثم أقامت دولة على أراضيها.

لقد قاد هذا الأمر إلى فوضى عارمة في المنطقة: أنظمة أطيح بها، قادة تم إغتيالهم، تم خوض خمسة حروب كبيرة، كما شنت مئات الهجمات. وقد أدى ذلك إلى السيطرة على كل فلسطين بحجمها زمن الانتداب البريطاني إلى جانب مناطق أخرى في أربع دول مجاورة.

ومع أن وضع اللاجئين اللذين شتتوا من ديارهم على حاله، حيث يعيش الكثيرون منهم في المنافي بحالة يرثى لها، بينما يعاني آخرون تحت الإحتلال والحصارويتعرضون لمضايقات متكررة من الصديق والعدو، إلا أنهم ما زالوا أحياء. فهم أكبر قوة شعبية من شأنها تشكيل التاريخ الحديث في منطقة الشرق الأوسط، كما أن تطبيق حقوقهم الثابتة يمثل مفتاح أي سلام دائم. وكل ما عدا ذلك، بما فيه الدولة الفلسطينية، وما يسمى بالتعاون الإقليمي وكل ما يبتدع من صيغ لتبهيت هذه القضية الجوهرية، يعد هامشياً.

إن رد الفعل المندهش في الغرب إتجاه انتفاضة الأقصى هو مؤشر على الصورة المشوهة ( للشرق الأوسط اللاعقلاني) والتي رسمت بإنحياز على مر السنين لصالح إسرائيل. إن السيل الراهن من المقالات في الصحافة الإسرائيلية والأمريكية عن حق العودة تؤشر بصورة أكبر للدهشة وليس للإعتراف وتشير إلى الخوف أكثر من الإهتمام بالحقوق الفلسطينية. وبكل المقاييس المنطقية فما زالت قضية اللاجئين هي الأهم.

خطة التطهير العرقي

مثلت سياسة التخلص من السكان الأصليين في فلسطين، على الدوام أحد العقائد التي تستند عليها الصهيونية 1. وقد عبر عن ذلك بوضوح، يوسف ويتز رئيس لجنة الترانسفير ورئيس عمليات مصادرة الأراضي في مطلع عام 1940، حيث اقترح خطة التطهير العرقي:" إن الحل الوحيد هو في ترحيل العرب من هنا إلى الدول المجاورة، يجب عدم إبقاء أي قرية أو قبيلة. 2

تم وضع خطة دالت " لإحتلال " 3و "تشريد" الشعب الفلسطيني. وتمثلت عقيدة بن غوريون بأن تدمير الشعب الفلسطيني وكيانه الثقافي والمادي يمثل شرطاً مسبقاً لإقامة إسرائيل على أنقاضه 4. وقد اتخذت عملية تشريد الفلسطينيين، عام 1948، الأشكال التالية:

1- خطط عسكرية لتوطين اليهود: في شهر كانون أول 1948، وقبل أربعة أشهر من بدء الحرب بشكل رسمي، أعد الصهاينة خططاً لتوطين 1،5 مليون مهاجر جديد إلى جانب 600،000 يهودي جاء ثلثاهم إبان فترة الإنتداب البريطاني. وخلال العمليات العسكرية اليهودية التي تلت قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947 وقبل إنتهاء الإنتداب البريطاني، كان قد تم تشريد أكثر من نصف الفلسطينيين, وقد أشرفت وكالة الإستيطان اليهودية برئاسة الصندوق القومي اليهودي على الهجمات للعسكرية و1لك لتنال الأرض المشتهاة، مثل قرى إندور، قوميا ـ المجيدل والبطيمات في الجليل والتي دمرت جميعاً، ومنذ البداية، للسيطرة على أراضيها 5

2- تصفية اللاجئين جسدياً ترافقت الثلاثين عملية عسكرية صهيونية-إسرائيلية مع إقتراف مذابح ضد السكان. وقد ترددت أنباء عن حصول 35 مجزرة نفذ نصفها على الأقل 6 قبل أن تطأ قدم أي جندي عربي أرض فلسطين. وكان أكثرها بشاعة وأكبرها الدوايمة. وآخر مذبحة كشف عنها الباحث الإسرائيلي تيدي كاتز قد اقترفت في الطنطورة وهي معروفة لدى كل الفلسطينيين.

لم تقتصر عمليات قتل المدنيين على وقت الحرب، فإن بعض اللاجئين الذين حاولوا العودة تسللاً إلى بيوتهم لأنقاذ أقرباء لهم أو لجلب بعض ممتلكاتهم، أو جني محاصليهم وأخذ ماشيتهم أطلقت النار عليهم فوراً. وهناك مئات الحالات المشابهة والتي رصدها مراقبو الهدنة الدوليون. 7

3- نهب وتدمير الممتلكات تلت العمليات العسكرية مباشرة، عمليات نهب وبشكل خاص في يافا، اللد والقدس، وقد شارك فيها إضافة إلى سكان الكيبوتسات قادة جيش الدفاع الإسرائيلي وشخصيات هامة من حزب العمل( ماباي) الحاكم 8 ثم تلا عمليات النهب حملة واسعة من التدمير استمرت أسبوعين وأسفرت عن تدمير 53% من مجموع القرى والبالغ عددها 418 قرية واجتثت 32 % من تلك القرى بينما دمر 12% بشكل جزئي ولم تتوفر معلومات عن 3% الأخرى 9. والهدف الواضح من حملة التدمير هذه هو منع اللاجئين من العودة.

4- نشاط سياسي: إثر إعلان قيام دولة إسرائيل مباشرة في 14 أيار 1948 وإثر احتجاج تقدم به الكونت فولك برنادوت في حزيران 1948 ضد تشريد حوالي 500،000 لاجىء، أعلنت الحكومة المؤقتة في إسرائيل بأنه لا يمكنها السماح بعودة أي لاجىء قبل توقيع معاهدة سلام بحجة أن هؤلاء اللاجئين قد يشكلون " خطراً أمنياً". وحتى بعد إنتهاء القتال، رفضت إسرائيل إعادة اللاجئين وما زالت تمارس هذا الموقف على الساحة الدولية حتى يومنا هذا بالرغم من أن دخول إسرائيل الأمم المتحدة في ايار 1949 اعتبر استثنائياً من حيث أنها الدولة الوحيدة التي اشترط انضمامها بعودة اللاجئين من خلال القرار (194) والإنسحاب إلى خطوط التقسيم وفق القرار 181. 10

5 – إختلاق مبررات قانونية لتغطية عملية مصادرة اللأراضي: قبل، خلال وبعد حرب عام 1948 لجأت إسرائيل إلى التحايل على القانون بكافة الوسائل،وذلك بهدف تنظيم وتبرير عمليات مصادرة 18،700 كم2 من الأراضي الفلسطينية،أي ما يعادل 92% من مساحة إسرائيل. هذا إضافة إلى الممتلكات الموجودة في 530 مدينة وقرية كانت قد شردت أهلها. وقد وضعت تلك الممتلكات تحت إشراف حارس أملاك الغائبين( أى:اللاجئين) ثم حوّلت في وقت لاحق إلى سلطة التطوير. والآن تشرف على تلك الأراضي والممتلكات إدارة إسرائيل للأراضى، وبشكل مبسط فإن "الغائب" هو لاجىء فلسطيني لا يستطيع أن يعود إلى دياره. كما ينطبق تعبير لاجىء على المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل.وبالتالي يعرفون بالحاضرين الغائبين الذين صودرت معظم أراضيهم. 11

6- استقدام المهاجرين اليهود لملء القرى المهجرة ; بعد غزو القرى الفلسطينية مباشرة، فعّلت إسرائيل برنامجها بإرسال عملاء الموساد لنقل اليهود من البلاد العربية إلى إسرائيل من خلال إقناعهم بباقة من الوعود الوردية. وفي الحالات المستعصية كان العملاء يلجأون إلى مختلف أشكال الإكراه بما فيها أعمال تخريب وتفجيرات 12. وقد وصل 700،000 مهاجر يهودي في الفترة الممتدة بين 1949-1952 وقد عبر معظمهم عن عدم الرضى جرّاء المعاملة التي قوبلوا بها، بما انطوت عليه من أشكال التمييز على ايدي المسؤولين الإشكيناز، الأمر الذي زادت وتيرته راهنا. تم تخطيط كل تلك الأعمال بهدف منع عودة اللاجئين إلى ديارهم. لقد نجحت إسرائيل في منع عودتهم، لكن اللاجئين حافظوا على موقفهم الصلب بالتمسك بحقهم. فهم يشاهدون بيوتهم عن بعد عبر الأسلاك الشائكة الممتدة على خطوط الهدنة، ومن المعروف أن غالبيتهم يقيمون في مناطق تقع على بعد ساعتين ركوباً بالحافلة. وبالتالي أصبحت مشكلة إسرائيل تكمن في كيفية التخلص من اللاجئين أنفسهم، أينما وجدوا.

مخططات إعادة التوطين:

حالياً يقيم 88% من اللاجئين في فلسطين والمناطق المجاورة،46% منهم يقيمون في فلسطين الإنتداب وال 42% يقيمون في الأردن، سوريا ولبنان ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها 100 ميل. وهناك 12% يقيمون في مناطق أخرى مناصفة بين دول عربية وأجنبية. وبلغ عدد اللاجئين الكلي وفق إحصائيات 1998 4،9 ملايين منهم 3،6 فقط مسجل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي الهيئة الرسمية التي تم إنشاؤها لتتابع أمور اللاجئين 13. إن أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني هم لاجئون،ويعد هذا الأمر شاذاً في التاريخ الحديث.

إن التلازم بين اللاجئين وإرادتهم المتمسكة بحق العودة، يفسر مسألة الجهود الإسرائيلية الحثيثة لإستقدام المهاجرين بأكبر عدد ممكن من عدة مناطق، من إثيوبيا وروسيا وذلك لإشغال المناطق الفلسطينية المهجّرة. وهناك العديد من المشروعات 14 ( أكثر من مئة إذا ما أضفنا إليها تلك الخطط الفرعية). بلورتها إسرائيل بالإستناد إلى واحد أو أكثر من الفذلكات التالية: أنه ليس لدى الفلسطينيين ما يميزهم عن غيرهم، بالتالي يمكنهم ويجب عليهم الإقامة في اي مكان آخر، ليس لهم حقوق تؤهلهم للعودة،وبأن عودتهم غير ممكنة مادياً أو بأن عودتهم غير مرغوب فيها لأنها تمثل تهديداً "للطابع اليهودي"لإسرائيل.

وقد تمثلت آخر نسخة لهذه المشاريع في إقتراح دونا آرزت 15. فمع أنه اكتسى طابعاً إنسانياً، إلا أنه مجرد استكمال لخطة التطهير العرقي التي طبقها بن غوريون، وايزمن وأرييل شارون. وهو ينص على ترحيل 1،5 مليون لاجىء إلى مناطق مختلفة من العالم والنفي القسري لعدة ملايين أخرى بوسائل متعددة من التهديد، الإكراه والرشوة 16.

إن مقترحات الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون "لتجسير" الهوة أوغيرذلك، والتي طرحت في مفاوضات الوضع الدائم في كامب ديفيد صيف عام 2000 تحمل نفس المضمون مع إختلاف ثانوي. لقد فشلت كل تلك المخططات وستظل تفشل. لذا فإن هناك ضرورة متزايدة للعودة إلى الثوابت وإيجاد حلول خلاقة. أولاً، علينا دحض التابو افسرائيلي بأن حق العودة غير ممكن.

لماذا يجب أن يعود اللاجئون؟

أولاً إنه لأمر عادل تماماً وفق القانون الدولي 17. إن قرار الأمم المتحدة الشهير رقم 194 تم تأكيده من قبل المجتمع الدولي 135 مرة في الفترة بين 1948-2000 وليس له مثيل في تاريخ الأمم المتحدة. إن هذا الإجماع الدولي يعزز من مكانة هذا القرار، فقد نقله من موقع التوصية إلا التعبير عن ارادة راسخة للمجتمع الدولي. كما يمنع القانون الدولي الإقتلاع الجماعي لشعب من أراضيه إذا كانت المنطقة التي يقيمون فيها تتعرض لتغيير بما يتعلق بسيادتها. 18 لذا، فإن اللاجئون جديرون بالعودة إلى البيوت التي فقدوها وكذلك استعادة مواطنتهم. يستند حق العودة إلى إعلان حقوق الإنسان ومعاهدات إقليمية أخرى وكذلك إلى قانون حقوق الإنسان.

ثانيا، يعتبر حق العودة مقدساً بالنسبة للفلسطينيين كافة، ولا يزال يمثل الهدف الأساس بالنسبة لهم منذ عام 1948. إن إصرارهم على التمسك بحق العودة ظل ثابتاً بالرغم من المعاناة والتغييرات الإجتماعية والسياسية الهائلة. وفي هذا المجال، نجد أن نفس الإصرار يتمتع به لاجىء من إقرت وهو مواطن إسرائيلي، ولاجىء من اللد وهو مواطن أردني ولاجىء من حيفا بدون جنسية في سوريا أو لبنان ولاجىء من يافا وهو مواطن أمريكي.

ثالثاً، ليس هناك من سبب مقبول يمنعهم من العودة. من جهتهم، يعارض الإسرائيليون عودة اللاجئين على قاعدة أن ذلك سوف يشوه "الطابع اليهودي" لإسرائيل وسوف يؤدي إلى هجرة اليهود إلى الخارج. وهم يدّعون بأنها مستحيلة لأن قرى اللاجئين قد دمرت وضاعت حدود الممتلكات. وبذا، يتضح أن كل هذه الإدعاءات واهية ولا أساس لها من الصحة.

الوضع الديمغرافي

دائماً تطرح ادعاءات بأن ليس هناك من مكان في إسرائيل ليعود اللاجئون إليه. حتى لو كان هذا الإدعاء صحيحاً فيجب أن لا ينتقص من الحق الأساسي، وفي الواقع إنه إدعاء خاطىء. وقد نشرت دراسات سابقة حول الموضوع 19 تتلخص بما يلي:- من الممكن توزيع مناطق إسرائيل الطبيعية وعددها 46 على ثلاث مجموعات.

تبلغ مساحة المجموعة (أ) 1،628 كم2 وتضم أكثر من 3 ملايين يهودي (يمثلون 67% من العدد الكلي لليهود) 20. هذه المنطقة هي الأرض التي استولى عليها اليهود خلال فترة الإنتداب البريطاني وبعد قيام دولة إسرائيل حيث تركزت كل المستوطنات في محيطها.

المجموعة (ب) وتبلغ مساحتها 1،508 كم2 ومساحتها تعادل المجموعة (أ) لكنها تقع في منطقة أخرى، حيث يملكها الفلسطينيون الذي ظلوا في إسرائيل بعد حرب 1948 (ومنذ حرب 1948 صادرت إسرائيل ثلثي ممتلكات مواطنيها الفلسطينيين). يقيم ضمن المجموعة (ب) (436،000) بهودي أي ما يعادل 9،6% من المجموع الكلي لليهود في إسرائيل، إلى جانب 29،000 مواطن فلسطيني إسرائيلي. بذلك، يقيم 77% من اليهود في منطقة تعادل 15% من مساحة إسرائيل.

المجموعة (ج)، تبلغ مساحتها) 17،381 (كم2 وتتوزع على منطقتين واسعتين تقابلا المنطقتين الشمالية والجنوبية اللتين تشكلان قسمين إداريين أحدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي. وهي إرث يعود لحوالي 5 ملايين لاجىء، ولأحفادهم، تم تشريدهم من بيوتهم عام 1948. يعيش في مناطق هذه المجموعة حوالي مليون يهودي حيث يقيم منهم 80% في مدن هي فلسطينية الأصل وأصبحت الآن مختلطة، أو يعيشون في " قرى تطوير" ومعظمهم من السفارديم أو مزراحيم وتشهد أعلى معدلات البطالة، كما أن معدل الدخل السنوي فيها هو الأدنى في إسرائيل. وهم يمثلون نموذجاً لسياسة البلاد المتمثلة في الفصل العنصري والتمييز.

كما أن هناك )200،000( يهودي قروي يستغلون مناطق شاسعة من ممتلكات اللاجئين( حيث يستخدم ما تبقى من الأرض لأغراض عسكرية وللتشجير). من ضمن هذه المجموعة، من اليهود هناك (160.000) من اليهود يقيمون في " تعاونيات زراعية" الموشافيم والكيبوتسات والتي كانت تمثل سارية راية الصهيونية والآخذة في الإنحسار. الآن هناك (8،600) فقط من سكان الكيبوتسات يعملون بالزراعة بمساعدة ألوف العمال القادمين من تايلاند. وهذا بحد ذاته يعد تدميراً للعقيدة الصهيونية التي حظرت تشغيل غير اليهود( خاصة الفلسطينيين).

ولتوضيح هذه المسألة نطرح السيناريو التالي: حين يعود اللاجئون االمسجلين في لبنان وعددهم )362،000 (إلى بيوتهم في الجليل (لا زالت غالبية سكانه من العرب)، ويعود أولئك المسجلين في غزة وعددهم) 759،000 (إلى ديارهم في المنطقة الجنوبية، وهي الآن شبه خالية حيث تصل كثافة اليهود القرويون فيها 6 أشخاص/كم2 مقارنة بكثافة السكان في غزة 5،500 شخص/ كم2، فإن أثرهم سيكون محدوداً على الكثافة اليهودية في أراضي المجموعة(أ)، الأمر الذي يعيد لليهود كثافتهم العددية في أراضي المجموعات الثلاث.

إن عدد المهاجرين الروس يعادل عدد اللاجئين في لبنان وغزة معاً. فلو لم يهاجر الروس، الذين بلغ عددهم مليون شخص إلى إسرائيل وسمح لمليون لاجىء بالعودة إلى ديارهم فإن إسرائيل ستظل بنفس الكثافة. لكنها بدل ذلك سمحت للمهاجرين بالقدوم، بينما لم تسمح بعودة أصحاب الأرض الحقيقيين بالعودة إلى ديارهم.

إستعادة القرى الفلسطينيةً:

هناك إدعاء إسرائيلي آخر بأن تلك القرى لم يعد لها اي أثر، حيث أعيد بناؤها من أجل إسكان مهاجرين جدد. مرة أخرى إذا كان هذا الإدعاء صحيحاً فهو لا ينتقص من حق العودة لأن سرقة الأملاك لا تمنح صك ملكية، على أية حال هذا الإدعاء عار عن الصحة.

تظهر الارقام أن كل الأراضي المبني عليها في إسرائيل هي أرض سليبة، وما يدعو للإستغراب أن الغالبية العظمى لمواقع القرى المهّجرة ما زالت غير مأهولة، بإستثناء قرية في محيط كل من صفد، عكا، طبرية والناصرة. إن أكثر المناطق كثافة هي المحاذية للبحر وخاصة في ضواحي تل أبيب. بلغ مجموع اللاجئين الذين هجروا من القرى التى بنت فوقها إسرائيل 110،000 أي 3% من مجموع اللاجئين المسجلين.وأكبر هذه القرى سلامة، يازور بيت دجن وبلغ مجموع سكانها 75،000. كما تم البناء على أنقاض قرى غرب القدس وشمال تل أبيب.

على اية حال، كان يمكن ل 90% من اللاجئين أن يعودوا إلى المناطق غير المأهولة. كما يملك العرب 75% من القرى المدمرة و25% هي أراض فلسطينية ولكن يوجد لليهود حصة فيها. هناك فقط 27% من القرى تأثرت بالبناء الإسرائيلي ويسكنها حالياً أكثر من 100،000 نسمة، بينما القرى الأخرى، يسكنها عدد أقل بكثير. إن مسألة ترتيب أوضاع اللاجئين العائدين إلى القرى التي بنيت على أنقاض القرى الأصلية، هي مسألة سهلة، على الأقل من وجهة نظر عملية: بإمكانهم إسترجاع حقوق الملكية واستلام قيمة إيجار عن مدة 49 عاما للذين استولوا عليها وغالبيتهم من المؤسسات ليتمكنوا من شراء أو استئجار مساكن في المناطق المجاورة.

ما زلنا نتطلع إلى أن يتمكن غالبية اللاجئين من العودة إلى المناطق غير المأهولة حالياً، ويجب أن لا يمثل إسكانهم أية مشكلة. وبالمقارنة مع مقولة أن عدد سكان إسرائيل قد تضاعف عشر مرات منذ عام 1948 (بفعل الزيادة الطبيعية وقدوم المهاجرين) فبإمكاننا طرح الأمثلة التالية: عمان توسعت عشر مرات، بيروت توسعت ست مراتو الكويت 33 مرة. وللاجئين الفلسطينيين دور هام في تطوير هذه البلاد.

حساب الربح والخسارة:

إذا تم حل الصراع التاريخي بعودة خمسة ملايين لاجىء إلى ديارهم وفق القانون الدولي، فما هو ثمن هذا الإنجاز الهائل؟. إن ال 160،000 من سكان الكيبوتسات الذين قد يتأثرون بتلك العودة،قد يقررون البقاء واستئجار أراض،( لكن هذه المرة، من أصحابها وليس من إدارة أرض إسرائيل ومع تغيير بسيط في عقد الإيجار)، وربما يقررون الرحيل.لطالما اعتبر سكان الكيبوتس رواد الصهيونية ونخبة المجتمع الإسرائيلي- حيث نجد نسبة عالية من قادة الجيش وأعضاء الكنيست ينتمون للكيبوتس وعادة يحصلون على الأراضي الفلسطينية الأكثر خصباً. على أية حال لقد تغير هذا الوضع بصورة دراماتيكية. ففي حين إنضم 90% من المهاجرين اليهود إلى الكيبوتس عام 1917، نجد اليوم أن 3% من الإسرائيليين تعيش في الكيبوتس. وهناك حركة من الهجرة الدائمة والقليل من العمل التطوعي، وبات الكثير منهم على وشك الإفلاس حيث أن 26% منهم ينتجون 75% من المحصول الزراعي في الكيبوتس. 21

إن مساحة الأراضي المروية التي يزرعها الكيبوتسيم تراجع حجمها من 213،628 إكر عام 1987إلى 189،564 إكر عام 1991.

إن عائدات تلك الأراضي الهائلة 22 باتت هزيلة وهي بتراجع مستمر. ولمعالجة الديون المتراكمة على الكيبوتسات والتي بلغت خمسة بلايين دولار،قيدت الحكومة 2بليون دولار وجدولت سداد 2 بليون وحثت القطاع الخاص على المساهمة بسداد البليون المتبقي.

إن التحول الجوهري الراهن في سياسة الحكومة اتجاه أراضي الكيبوتس والموشاف ينتقص من حقوق المالكين الفلسطينيين. وإلى وقت قريب، كانت إدارة إسرائيل للأراضي تدير هذه الأراضي وتؤجرها للكيبوتس والموشافيم. وفي مطلع عام 1990،قام كل من أرييل شارون،وزير البنية التحتية، ورافائيل إيتان وزير الزراعة بسن قوانين تسمح بتحويل تلك الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية، وذلك لتوطين المهاجرين الروس، لبناء مرافق تجارية ومراكز تسوق ومساكن خاصة ولتعويض الكيبوتس عن خسارته بنسبة 51% من قيمة الأرض. وبذا، تحول المزارعون المفلسون إلى أثرياء بين عشية وضحاها، وذلك بالسماح لهم بتلقي ثمن أرض فلسطينية لم تكن يوما ملكأ لهم.

أثار هذا الوضع حفيظة دافعي الضرائب من أهالي المدن والذين يشكلون غالبية السكان الإسرائيليين. وشكلت لجنة عام 1997 وأخرى عام 2000 لتخفيض التعويض بنسمة 25% من قيمة الأرض، الأمر الذي أدى إلى تحويل "الأرض المقدسة" إلى مجرد أملاك عقارية.

في عام 1997، بدأت إدارة إسرائيل للأراضي عملية بيع أراضي اللاجئين. وبذا، بلغ معدل مساهمتها في خزينة الدولة بليون دولار سنوياً بعد خصم التعويض الخاص بالكيبوتس حيث بلغ سعر الدونم في وسط البلاد مبلغ مليون دولار 23. وفي عام 1998، سمح للكيبوتس بتوسيع مناطق سكناهم ( وذلك بتحويل المناطق الزراعية إلى أخرى سكنية)، يمكن بيعها "لآخرين" بربح يصل 115%، و"الآخرين" يمكن أن يكونوا يهود يعيشون في أية بقعة من العالم. كما تضمنت خطة شاملة لبناء 500،000 وحدة سكنية، تخصيص 150،000 منها للكيبوتس.

أعلن شارون والذي صادر أرضاً فلسطينية لإنشاء مزرعة لنفسه تبلغ مساحتها بضعة آلاف من الدونمات بالقرب من عراق المنشية،والتي أصبحت تعرف ب" كريات غات"، قائلاً:" إن السبيل الوحيد لإستيعاب المهاجرين يتمثل بأخذ الأرض من الكيبوتسات،فأنا أدرك الضائقة الإقتصادية التي يمرون بها، لذا، فمن الأفضل البناء على تلك الأرض وبيع تلك المباني. 24

وفي حزيران من عام 2000، تقدم 25 عضو كنيست بطلب تحويل 4ملايين دونم أي 80% من الأراضي الفلسطينية المسجلة لدى لجنة التوفيق الدولية في فلسطين، من أرض زراعية إلى مناطق سكنية. بكلمات أخرى، تحويل سجل أراضي اللاجئين الفلسطينين لدى الأمم المتحدة من أرض مؤجرة للكيبوتسات إلى أرض مباعة إلى أفراد يعملون بالتطوير ليبنوا المساكن عليها وبيعها لإسرائيليين وليهود أياً كانت جنسيتهم. قدمت لجنة السفارديم الفقراء، والذين لم يكن لهم حصة من الفوائد التي انهمرت على الكيبوتسا ت،إقتراحاً مهما يقضي بتشكيل مجموعة هاكشيت ميزراحيت التي قامت بدورها برفع شكوى لمحكمة العدل العليا ضد بيع أراضي الكيبوتس، بدعوى أن الأرض موضوع القضية تمت مصادرتها من الفلسطينيين وتم تحويل الملكية إلى سكان المجتمعات الريفية بما يعني تجاهلاً أبدياً لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة. 25 وبالتالي فإن عودة 5 ملايين لاجىء وإنهاء الصراع التاريخي جرت مقايضته بحياة 8600 كيبوتسيم الذين يشكلون مجرد مجموعة مفلسة ومهملة من الإسرائيليين أنفسهم.

المياه والزراعة:

يوماً ما يمكن أن يكون الماء سبب إندلاع حرب في الشرق الأوسط. كثيراً ما تردد أن هدف حرب إسرائيل ضد الضفة الغربية وغزة عام 1967، استهدف التحكم بمنابع نهر الأردن وبمصادر المياه في الضفة الغربية. إن رغبة إسرائيل في تأمين السيطرة على مصادر المياه هي أحد أسباب رفضها التوقيع على معاهدة سلام مع سوريا والفلسطينيين. وقد جرى تحويل مجرى كل تلك المصادر من سوريا والضفة الغربية بما يعادل 500 مليون م3 سنوياً، يهدر معظمه كما سيتضح لاحقاً.

يبلغ المعدل السنوي للمياه في الأرض الفلسطينية التي أعلنت عليها دولة إسرائيل عام 1948 سنوياً 350 مليون م3. وقد ارتفع المعدل قبل عام 1967 حين قامت إسرائيل بشفط المياه من تحت أراضي الضفة الغربية ومن خلال السيطرة الكاملة على مصادر المياه الفلسطينية والسورية بعد حرب 1967. وصل معدل المياه إلى 2،020 مليون م3 عام 1990 منها 1،471 مليون م3 مسحوبة من مصادر مائية تقع في مناطق عربية. 26

أين تذهب هذه الكميات من الأمطار؟ في عام 1995 خصص 594 مليون م3 للبلديات ( للإستخدام منزلي)، 133 مليون م3 لأغراض صناعية، و1،300 مليون م3 للإستخدام الزراعي. وكما أوضح بيتر بيمونت 27 فإن هذا يعني بأن حصة الفرد من المياه للإستخدام المنزلي تصل إلى 100م3 سنويا منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. وهذا أعلى من معدل الإستهلاك في الأردن (60) وأعلى بكثير من معدل الإستهلاك في الضفة الغربية(37.5)، المسلوبة مواردها حيث سحب 90% من مياهها إلى إسرائيل. وهو أيضاً أعلى بكثيرمن معدل الإستهلاك بكثير في قطاع غزة ذي الكثافة السكانية العالية جداًوالذي يعاني من أزمة مياه خانقة تهدد بإنتشار الجفاف.

لقد حافظت إسرائيل على تخصيص 1،200-1،400 مليون م3 سنوياً للزراعة. لقد تم تخفيض معدل الإسراف العالي وذلك بتخفيض الإستخدام من 860م3/دونم عام 1950 إلى 600م3/دونم حاليا.إن هذه الموارد النفيسة تمنح للمزارعين بقيمة 70% من التكلفة بينما تبلغ تكلفة المياه للإستخدام المنزلي 1.0 $- 1.76 $ /م3 28. وبالتالي يقدم الموظفون مساعدة هائلة للمزارعين الذين يرفعون نسبة المياه في منتجاتهم مثل البطاطا، الذرة،القطن والبطيخ.

بعد تشريد الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم عام 1948،ازدادت نسبة الأراضي المرويةبسرعة هائلة من 300،000 دونم في مطلع الخمسينات إلى 2 مليون دونم أواخر السبعينات ويمثل الفرق بين الرقمين مقدار الملكية الفلسطينية السليبة. وبحلول عام 1999، انخفض هذا الرقم إلى 1.1مليون دونم بسبب فقدان الرغبة بالزراعة 29.إن المساحة الكلية للأراضي المستصلحة زادت عن مليون دونم عام 1950وإلى 4.02 مليون دونم عام 1997 بتراجع عن 4.04 مليون دونم عام 1990. 30 إن الفارق بين الرقم مليون دونم والأرقام الأخرى يمثل مساحة الأراضي الفلسطينية المصادرة.

من يستخدم هذه الأراضي الشاسعة؟ بلغ عدد الموظفين الزراعيين، 72.500 31 موظفاً عام 1998، من بينهم 36.800 موظف يهودي من ضمنهم 8.600 من الكيبوتس. إن هذه الموارد الكبيرة من الأراضي إلى جانب ما تتلقاه من مساعدات مائية مجزية تعادل 1.8% من إجمالي دخل اراضي إسرائيل 32. ولتحقيق هذه المساهمة الهزيلة، على إسرائيل أن تستقدم 24،300 عامل أجنبي(معظمهم من تايلاند) بينما تتنكر لحق المزارعين الفلسطينين في فلاحة أراضيهم( إن بعض العمال الفلسطينيين المسموح لهم بالعمل في إسرائيل يقومون بزراعة أراضيهم نفسها كعمال مستأجرين لصالح إسرائيل).

لقد إهتم كتاب آخرون بقضية هدر المياه، حيث إقترح بعضهم تخفيض النشاط الزراعي أو التحول إلى زراعة محاصيل أكثر جدوى يمكن أن يحرر الماء ليستخدم في مجالات أخرى. 33 "لاحظت بعض الدراسات أنه ثبت بالدليل القاطع بأن النقص في كمية المياه في إسرائيل هو نتيجة سوء توزيعها أكثر مما هو نتيجة ندرة مطلقة" كما أوصت دراسة أخرى بإمكانية بيع المياه المهدورة للأردن والضفة الغربية بموجب معاهدة سلام، وبعيداً عن التهكم بأن تقوم إسرائيل وبصورة غير قانونية بإعادة بيع المياه إلى أصحابها الحقيقيين، فإن الحقيقة تتمثل باستغلال مساحات شاسعة من الأراضي ومصادر هائلة من المياه من قبل فئة قليلة لتنتج محاصيل ضئيلة. ولكن لو أعيدت تلك الأراضي ومصادر المياه لأصحابها الحقيقيين، لكانت الخسائر في إسرائيل قليلة - بالرغم من أن المطالب العامة هي عكس ذلك- وسيتحقق مكسب هائل للشرعية السياسية وتتوفر فرصة واقعية لسلام حقيقي في المنطقة.

في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أشار البروفسور فاضل النقيب،خبير الإقتصاد الفلسطيني، إلى أنه من الشائع أن تقوم الدول النامية بخفض مساهمة الزراعة في الإقتصاد، ولكن من الضروري لفلسطين أن تطور قطاعها الزراعي. 34 لكن برأسمال بسيط في هذه المرحلة، وهذا وضع مثالي لإنعاش الإقتصاد. ومن المعروف أن معظم اللاجئين هم مزارعون، والزراعة هي مصدر رزقهم منذ الأزل. وحين يستردون أراضيهم فلن يترددوا بزيادة محاصيلهم،وهذا ما يفعله اللاجئون في غزة باستخدام كميات قليلة من المياه لإنتاج محاصيل وفيرة،أفضل وأرخص من محاصيل الكيبوتسات المجاورة، ولهذا السبب ترفض إسرائيل قبول منتجاتهم في أسواقها 35. وهنا، فأنا لا أدعو أن يتحول جميع اللاجئين إلى الزراعة أو أن الزراعة هي مهنتهم الوحيدة. حيث أن الفلسطينين هم من بين أكثر الشعوب تعليماً في العالم العربي وقد أبدعوا في عدد من الوظائف التي تتطلب مهارات عالية. المسألة هنا ببساطة تكمن في أن هناك صلة وثيقة ما بين الفلسطينيين وأرضهم وسوف يكون بإمكانهم زراعتها بجدوى إقتصادية أكثر من الإسرائيلين. وبعلمهم، سوف يواجهون تحديات الزراعة التقنية لحظة وصولهم هذه العتبة الإقتصادية.

هناك ميدان آخر يتميز به الفلسطينيون ألا وهو برتقال يافا والذي اشتهرمنذ قرون من الزمن. وبعد أن استولى الإسرائيليون على ضواحي مدينة يافا عام 1948،" ظلت الغالبية العظمى من بيارات الحمضيات والتي تبلغ مساحتها 150،000 دونم بلا عناية..فقط خمس بيارات من الحمضيات في البلاد تم العناية بها " 36. نهب الإسرائيليون المضخات وأنابيب المياه وقاموا بتدمير مساحات واسعة منها لبناء مساكن مكانها. أما بقية البيارات والتي أعطت محصولاً وفيراً عام 1975، إذ بلغ 950،000 طناً من الحمضيات تراجعت إلى الحد الذي أدى إلى جني محصول لم يزد عن 34،000 طناً عام 1997 و250،000 عام 1991. 37 يمكن إعادة الألق لبرتقال يافا بأيدي المزارعين الفلسطينيين الذين زرعوا تلك البيارات.

ومن الواضح أن هناك مشاكل يجب حلها، وبالتالي يجب على اللاجئين تغيير مهنهم الحالية ( وخاصة في مجال البناء) والعودة مجدداً للزراعة وتصنيعها. يجب وضع قيود أشد على استهلاك المياه المطلوب توفيرها ومن خلال تقنينها وفي ظل توفير 1،300 مليون م3 /سنوياً كحد أعلى، يجب تحديث قطاع الزراعة بإنتاج محاصيل جديدة محسّنة،وفي هذا المجال فإن الدراسات العلمية الإسرائيلية سوف تكون مفيدة. وبالتأكيد سوف يكون الفلسطينيون عمالاً متحمسين لكونهم سيعودون للأرض التي زرعها أجدادهم منذ قرون. وفي كل الأحوال، فإن العودة إلى وضع يسوده السلام ومنطقة مستقرة تمثل وضعا أهم من اي أمر آخر.

متلازمة الطابع اليهودي:

آخذين بعين الإعتبارتاريخ تعرض اليهود الأوروبيين للإضطهاد، فإنه بامكاننا فهم تخوفهم من غير اليهود. ولكن عندما يتحول هذا الخوف إلى سياسة مستفحلة، فإنه يصبح خطراً " دمويا" كالحالة التي حصلت في فلسطين. إن تشريد الفلسطينيين ومصادرة ممتلكاتهم كمقدمة لإقامة دولة إسرائيل كانت نتيجة جنون الإرتياب هذه. فتلك كانت تعاليم بن غوريون والتي باتت موثقة من قبل المؤرخين بتفاصيلها وهي ما زالت قائمة، حيث تقر بارتكاب جرائم فعلية خوفاً من امكانية أن تلحق الضحية أذىً بالمجرم فيما لو كانت على قيد الحياة.

إن الإدعاء الخاص بالتهديد الذي يمكن أن يلحق "بالطابع اليهودي" لإسرائيل يساق دائماً لتبرير الرفض لحق الفلسطينيين الأساسي بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. ولكن ماذا يعني "الطابع اليهودي"؟ إذا كان هذا ستقود إلى سياسات تنكر حق اللاجئين بالعودة وتسمح لأعداد غير محدودة من المهاجرين اليهود ليحلوا مكانهم فقد وصف هذا الوضع القانونيين اللامعين توماس وسالي ماليسون اللذين أشارا بأن مصطلح "الطابع اليهودي" هو في الحقيقة تعبير ملطّف لتشريعات إسرائيل الصهيونية التمييزية،والتي تنتهك بنود حقوق الإنسان. إن الأمم المتحدة لا ترضخ لأي إلتزام قانوني لتصون الصهيونية في إسرائيل والعنصرية في جمهورية جنوب إفريقيا. 38 " رفضت وزارة الخارجية الأمريكية أي تعريف خاص بالمواطنين اليهود في إسرائيل وذلك من خلال إعلانها بأنها لا تعترف بالعلاقة القانونية-السياسية القائمة على تعريف خاص بمواطنين أمريكيين.. وبناء عليه يجب أن يكون واضحاً بأن وزارة الخارجية لا تنظر لمفهوم ’ الشعب اليهودي’ كمفهوم يندرج في القانون الدولي". 39

هذه ليست وجهة نظر معزولة، ففي عام 1998 نصّت إتفاقية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية على أن تأكيد إسرائيل " المفرط على أن الدولة هي "دولة يهودية" يشجع على التمييز ويجعل غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية...تنظر اللجنة بقلق بالغ إلى القانون الوضعي لعام 1952 الذى يفوض المنظمة الصهيونية العالمية وهي وكالة يهودية وكل أجهزتها المالية بما فيها الصندوق القومي اليهودي بالسيطرة على أكبر مساحة من الأرض في إسرائيل طالما أن هذه المؤسسات مرخصة لمصلحة اليهود كافة. كما تلاحظ اللجنة بأن سياسة مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع وبشكل ممنهج والتي تمارسها الدولة وتحويل الملكية إلى تلك الهيئات يمثل شكلاً منظما من التمييز يستخدم لأن تلك المؤسسات حسب التعريف يجب أن تحرّم استخدام تلك الملكيات من قبل أناس غير يهود" 40. لا يمكن لإسرائيل الإبقاء على هذا الوضع زمناً طويلاً لأن الثقل القانومي والأخلاقي لحقوق الإنسان سوف يجهز عليه يوماً ما. كيف يمكن لهذا المفهوم " الشخصية اليهودية" أن يكون مقبولاً كقاعدة لعلاقات سلمية؟

يقصد البعض ب " الشخصية اليهودية" على أنها مجتمع يمثل فيه اليهود غالبية عددية. لكن في أي منطقة؟ هل في كل فلسطين الإنتداب؟ اليوم، نجد أن 47% من مواطني فلسطين عربو 53% يهود. في الواقع يمكن عكس الرقمين،إذا ما اعتمدنا حقيقة أن نصف المهاجرين الروس هم ليسوا يهوداًولو قدرنا عدد اليهود داخل إسرائيل نفسها بناء على الزيادة الطبيعيةللسكان منذ عام1948- 1999 ب(1.6%) والفلسطينيين في إسرائيل ب (4%) فإن المجموعتان سوف تتعادلا بحلول عام 2050 41. هل يشتري الإسرائيليون الزمن؟ ولو ضيقنا المنطقة موضوع البحث إلى نسبة 15% من مساحة إسرائيل حيث يعيش 80% من اليهود وحيث يشكل الفلسطينيون 11% فقط، فإن الزمن المستقبلي الذي يصبح فيه الفلسطينيون أقلية واضحة سوف يتراجع بشكل ملحوظ.

إن كل هذه الأمثلة تشير إلى أن مفهوم التفوق العددي لليهود هي لعبة وقت لا أكثر، يقبع اللاجئون خلالها في المخيمات إلى أن يدرك الإسرائيليون أو يقروا بأن هذا المفهوم ليس إلا مجرد خدعة مرعبة الغرض منها إبقاء الأرض السليبة فارغة إلى أن يتخلى أصحابها عن حقوقهم أو يتم التخلص منهم " بحل نهائي" للقضية الفلسطينية.

أما المفهوم الأكثر بعداً عن العقلانية فهو الإدعاء بأن " الشخصية اليهودية" تعني مجتمعاً متجانس التكوين الإجتماعي، حيث يتحدث اليهود بلغة واحدة، متشابهون في الملبس والسلوك، ويحملون نفس القيم وأن وجود مجموعة قومية واحدة، الفلسطينيين، سوف يلوث هذا النقاء. من الصعب التخيل بأن الكثير من الإسرائيليين يصدقون ذلك، لأنه ليس هناك ملامح مميزة مشتركة بين الروس والمغاربة، ولا المزراحي والإشكنازي ولا المتدينين والعلمانيين. هناك خمس وثمانون لغة محكية في إسرائيل، وما يزيد على خمس وعشرين مجموعة سياسية يقابله نفس العدد من الصحف، لمجتمع يهودي يزيد قليلاً عن لوس أنجلوس. إن مشكلة مجتمع مشرذم هي مشكلة جدية فعلاً وهي التى قد تؤدى إلى نشوء صراع داخلي في إسرائيل، أم الآن فيجمعهم خيط واهي إسمه الخطر العربي. لقد أجريت دراسات هامة حول هذه المشكلة 42. لكن عودة اللاجئين إلى ديار أجدادهم لن يزيد من هذه المشاكل. إن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، هم 11% من السكان في مناطق المجموعة أ، و21% في المجموعة بو 70% في المجموعة ج.

إذا كان مصطلح "الشخصية اليهودية" يشير إلى طقوس دينية فهذا الأمر نادراً ما مثل مشكلة في العالمين العربي والإسلامي. فقد افاد مؤرخون عديدون إلى أن المجتمعات الإسلامية والعربية قد تعاملوا مع اليهود بشكل أفضل بكثير من الشكل الذي عاملتهم به المجتمعات المسيحية.

ليس هناك أي مبرر أخلاقي أو قانوني لإستمرار ادعاء "الشخصية اليهودية" الذي يتنكر لحقوق الإنسان أو ينتهك القانون الدولي.إن السبب الحقيقي لممارسات إسرائيل العنصرية هومن أجل إحكام قبضتها على أراضي الفلسطينيين والإبقاء عليها كرصيد إحتياطي من أجل هجرات يهودية مستقبلية. في 1 آذار،2001،نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون أخبر مجلس إدارة الوكالة اليهودية،بأن هذه الخطة تقضي ياستقدام مليون مهاجر من روسيا والمكسيك وإثيوبيا. وأن على إسرائيل أن تكون قد أنجزت إستقدام معظم يهود العالم بحلول عام 2020.

لوجستيات العودة

على إفتراض أنه سيتم اللجوء إلى قوة القانون الدولي كما حصل في بعض الحالات، وإن كان بدرجات متفاوتة من النجاح والثبات، في كوسوفو، البوسنة، تيمور الشرقيةو الكويت، فإن الإجراءات العملية للعودة يمكن أن تكون سريعة ومباشرة.

أولاً: اللاجئون: بالنسبة للاجئين المهجرين من 530 بلدة وقرية ومن 662 مواقع سكنية أخرى، فهم مسجلون لدى الأونروا 43. والقرية النموذجية تضم عادة من 4-5 عائلات كبرى مترابطة وكل واحد منها معروف للآخر تماماً. وبناء على إحصاء عام 1998، هناك 3،6 مليون من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث بالأسماء الكاملة للأفراد إلى جانب تواريخ ميلادهم وأصولهم( القرية التي شردوا منها) ومكان إقامتهم الراهن في كل من المناطق الخمسة للأونروا: قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا ولبنان. أما اللاجئون غير المسجلين (1،3مليون) فهم غالباً من سكان المدن الفلسطينية المختلفة وتربطهم شبكة علاقات عائلية جيدة، حيث يمكن العثور عليهم بسهولة في عدد من العواصم العربية والأجنبية.

ثانياً: الأراضي: كانت فلسطين مقسمة إلى وحدات إدارية حيث هناك حدود واضحة للقرى وحدود تطوير بلدية مرسومة جيداً ضمن 130 خارطة بريطانية. وبذا، فإن ممتلكات القرى والبلدات محددة كل ضمن وحدته وذلك من حيث المساحة والموقع. وبما يخص الملكية الفردية ضمن حدود البلدة أو القرية، تحتفظ لجنة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين، ببطاقات لنصف مليون شخص تتضمن معلومات عن أراضيهم من حيث الموقع، والحوض سواء كان في قرية أو بلدة. يمكن ربط هذه المعلومات مع مرجع بالخرائط. ولتحديد أراضي فلسطين فمن الأسهل أن يتم تحديد أراضي اليهود ويتم طرحها من أراضي فلسطين، حيث حرص المستعمرون اليهود قبل عام 1948 على الإحتفاظ بسجلات تثبت ملكيتهم وإقامتهم في فلسطين.

ثالثاً: تحويل الملكية من إدارة أراضي إسرائيل: كما ذكر آنفاً، فإن اراضي الفلسطينيين المهجرين وأراضي الصندوق القومي اليهودي تديرها إدارة أراضي إسرائيل. وكل هذه الأراضي تم تأجيرها بعقود مدة تسعة وأربعون عاماً ( والآن تم تجديدها ربما لفترات أطول) والمستأجرون هم من المنظمات اليهودية فقط: كيبوتسيم، موشافيم، تعاونيات، جيش الدفاع الإسرائيلي ( مطارات، قواعد، مطافىء) وللوزارات المختلفة ( غابات، مناجم والصيد). ومع عودة اللاجئين، إما أن يكون ممكناً إنهاء العقود أو تقليصها بحيث تقتصر على الأراضي الخالية. وهناك العديد من الأفكار الخلاّقة بهذا المجال وقد تم تقديم واحدة منها من قبل الإسرائيليين أنفسهم: حزب مبام، والذي نشط لفترة من أجل التعايش العربي – الإسرائيلي، اقترح عام 1948 بأن التعويض الذي يدفع لللاجئين من شأنه أن يساعدهم على تحسين إنتاجية أرضهم وبالتالي يتم تأجير الفائض منها للكيبوتسات. 44

رابعاً: جدولة العودة: إن أكثر الحالات صعوبة والتي تبعث على الإحباط هي في قطاع غزة وفي لبنان. إن عودة لاجئى غزة إلى قراهم في المجموعة ج في المنطقة الجنوبية يجب أن تتم مباشرة. فالمناطق الريفية خالية، ما عدا مجموعة من القرويين اليهود وعددهم 78،000 يقيمون في منطقة تبلغ مساحتها 14،231كم2. إن هذا العدد أقل من عدد الاجئين في واحد من مخيمات غزة. وكما أشير سابقاً، إن معظم مواقع القرى هي خالية. وبالنسبة لليهود سكان المدن مثل بير السبع، المجدل، عسقلان وإسدود يمكنهم متابعة ما هم عليه بلا إنقطاع.

يمكن أن يعود معظم اللاجئين المقيمين في لبنان إلى منطقة الجليل ( المنطقة الشمالية من المجموعة ج). وبهذا الصدد هناك 90،000 يهودي قروي أي ما يعادل عدد سكان مخيم كبير في لبنان. إن تسوية الوضع لن تكون على تلك الدرجة من الصعوبة لان معظم اللاجئين سوف يعاد توحيدهم في قراهم الأصلية مع أفراد عائلاتهم التي انفصلوا عنها مدة طويلة. وقد يجد هؤلاء صعوبات إجتماعية محدودة في بيئة عربية حيث يفوق عدد الفلسطسينيين عدد اليهود بمرة ونصف.

بعد استيعاب لاجئي غزة ولبنان، يمكن للاجئين العودة إلى مناطق المجموعتين أو ب والتي تضم عدداً كبيراً من السكان اليهود. المجموعة ب قد تكون أسهل حيث أن معظم القرى ما زالت خالية. في المجموعة أ،هناك حوالي عشر قرى بالقرب من تل أبيبو 4 أخرى في القدس الغربية تم البناء عليها بكثافة مع أنه ما زالت هناك ثغرات وبيوت ما زالت متروكة. هنا، يمكن أن يحول عقد الإيجار للمالك الحقيقي وبالتعويض الذي سوف يتلقاه يمكن أن يساعده في بناء أو استئجاربيت/شقة في الجوار إلى أن يتم إنجاز ترتيبات مع المقيم الحالي. هذه المشكلة وحلها شائعان. وقد حصلت مع لاجئين عادوا مع مسؤولي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

خامساً: بناء المساكن: هذا مشروع رئيسي لكن تطبيقه محدود. إن مخططات البناء الضخمة في عمان والكويت والعربية السعودية والتي أشرف على إنجازها مهندسون فلسطينيون هي أمثلة جيدة. لأن المجتمع الفلسطيني مترابط ولأن اللاجئين سيعودون إلى قرى الأجداد، فإن إمكانية تكرار أخطاء إسرائيل محدودة حيث أنشأت إسرائيل " قرى التطوير" ونتج عنه انفصال بين الفئات الإثنية المختلفة 45. يجب أن تأتي الأموال المخصصة للبناء من التعويضات التي ستدفعها إسرائيل للاضرار المادية والمعنوية التى لحقت باللاجئين وفقاً للقانون الدولي وحالات سابقة مماثلة. ومن الدخل المتراكم عن استغلال ملكياتهم من قبل إسرائيل عن مدة 53 عاماً وفقاً لقرار الجمعية العامة للآمم المتحدة 53/51 3 كانون أول 1998، الفقرة الأولى.

هناك ثروة من المعلومات بما يتعلق بمشاريع الإسكان الكبرى. وكوسلة للتنفيذ يمكن للأونروا أن تحول نفسها إلى جهاز في برنامج الأمم المتحدة للتطوير حيث أن في إطارها فريق عمل يتكون من 21,000 موظف فلسطيني مع أن معظمهم يعملون في سلك التعليم وفي مجال الصحة. لكن والقوة التقنية والقوة الفنية موجودة داخل وخارج فلسطين وحتى على أسس تطوعية.

سادسا، الجانب القانوني: يجب أن يعمل مجلس الأمن الدولي على تنفيذ القرار رقم 194، والذي اقر أولا في كانون أول عام 1948، بكل الوسائل المتاحة وبترتيب منه. الإقرار بأن " التاريخ الأقرب للتطبيق" كان يجب أن يكون في تموز 1949 حيث تم توقيع آخر اتفاقية هدنة بين اطراف حرب 1948. إذا ما توفر الخيار للاجئين بين العودة والتعويض فإن هذا يجب أن يتم فقط بقرار من مجلس الأمن يقضي بتنفيذ القرار رقم 194. يجب حينها دفع التعويض، ولكنه ليس بديلا عن العودة. ويدفع التعويض للاجئين كل حسب قيمة الأضرار التي لحقت به،" وفق القانون الدولي والعدالة". وكما ينص القرار " يدفع التعويض من الحكومات والسلطات المسؤولة عن ذلك".

لقد تضمن القرار 194 آلية تنفيذ حق العودة، هناك لجتة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين فما زالت موجودة في الأمم المتحدة. يعود سبب فشل تلك اللجنة المبكر في تنفيذ مهامها، إلى عناد بن غوريون. فهو كان يعتقد، إذا كانت اتفاقيات السلام قد أبرمت في وقتها،فإن هذا يعني بالضرورة عودة اللاحئين واستعادة المناطق التي استولت عليها إسرائيل متجاوزة مشروع التقسيم لعام 1947 (24% من مساحة فلسطين). على أية حال فقد بات واضحاً الآن أن لا عودة تعني لا سلام. إن على لجنة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين أن تفعل ما كلّفت به لتتعامل مع الوضع الحالي. كما أن عليها أن تتولى مهمة حماية اللاجئين العائدين جسدياً وضمان عودتهم سالمين، وتضع البنية التحتية وأن تراقب تنفيذ القوانين لتضمن عدم تعرضهم لأي نوع من التمييز بالتزامن مع بنود القرار 181 (11) في 29 تشرين ثاني 1947. إن هذا القرار يغطي كافة الجوانب من حيث الحقوق والواجبات التي تترتب على عودة اللاجئين إلى واحدة من الدولتين المتخيلتين. إن حقوقهم كأقلية تحميها بنود هذا القرار. مع أن اللاجئين العائدين سوف يحملون هوية وطنية كفلسطينين، فإنه يمكنهم الحصول على جنسية في إسرائيل وفق البند الثالث من القرار. وفقاً للقانون الدولي، فإن المكان والناس يبقون معاً، فلا يجوز الاستيلاء على الأرض وطرد أهلها كما فعلت إسرائيل مع الفلسطينيين.

إن محاولات حل وكالة الغوث تعد مبتسرة- ذلك لأنها تأتي قيل إعادة جميع اللاجئين وإن تجاهل لجنة التوفيق يمثل وسائل تستهدف تهميش القانون الدولي. وهذه خطوات لا تجدي نفعاً. فلن تنجح محاولات إحلال المفوض السامي الدولي لشؤون اللاجئين مكان لجنة التوفيق، لأن هذا يعني التعامل مع اللاجئين وكأنهم ضحايا فيضان، مجاعة أو إنقلاب عسكري. يحظر على المفوض السامي الدولي لشؤون اللاجئين من أن يقدم الحماية للاجئين بموجب البند (1D ) من ميثاق المفوضية. إن هذا البند لا يتضمن أي جماعة من اللاجئين، تشرف على شؤونها الأونروا. وهنا فرادة وضع الفلسطينيين الذين تشرف على أمورهم الأنروا من خلال تقديم المساعدة والإغاثة. كما تشرف على ما يتعلق بحل الصراع لجنة التوفيق الدولية.وكلاهما تعملان وفق القرار 194. لقد قامت إسرائيل بمحاولة أخرى لتتهرب من مسؤوليتها من خلال إقتراحها إنشاء صندوق دولي خاص بتعويص اللاجئين حيث تسهم إسرائيل بقليل من المال بينما تمارس الكثير من الرقابة. إن على إسرائيل أن تقوم منفردة بدفع أموال الصندوق وذلك كونها المستفيد من ممتلكات الفلسطينيين على مدى 53 عاماً وكونها الطرف المسؤول عن النكبة وفقاً للقرار 194 والقانون الدولي الذي يجمع بين القوانين النافذة، بما فيها إعلان حقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة. إن التعويض لا يعني بيع البيوت والأراضي، فالوطن ليس للبيع. إن التعويض واجب ايضاً عن المعاناة النفسية، وبسبب فقدان ودمار الممتلكات وعن استغلال الملكية مدة 53 عاماً.

خاتمة: يتفق الإسرائيليون والفلسطينيون بأنه لا إمكانية لتحقيق السلام بدون حل قضية اللاجئين، ولكنهم يختلفون على آلية الحل. فالإسرائيليون يعتقدون أن بإمكانهم إطالة أمد وتشريع سياستهم الأصلية والتي تستهدف التطهير العرقي.، لكن هذا مجرد وهم. ويكفي للتدليل على ذلك فشل جميع مشاريع التوطين.

بالرغم من المحن التي واجهتهم، فإن الفلسطينيون يواصلون تشكيل الوضع السياسي في الشرق الأوسط. يدعمهم في ذلك،ليس فقط ملايين العرب والمسلمين بل وأيضاً من قبل أعداد متزايدة من الأوروبيين والأمريكان. أن معضلة اللاجئين هى موضع بحث محلي ودولي في إطار العديد من البلدان في المستقبل القريب.

لقد بينت بوضوح، بأن ليس لدى الإسرائيليين أي مبرر شرعي، عرقي،عملي، ديمغرافي أو إقتصادي لمواصلة تنكرهم لحقوق اللاجئين. فالموقف الإسرائيلي هو الوحيد المستمد من سياسات عنصرية وهو الوحيد الباقي على الكرة الأرضية، بذا فهو مدان من العالم أجمع. إن استمرار هذا الوضع الشاذ لأكثر من نصف قرن يعود بالأساس إلى الدعم العسكري، المالي والسياسي الذي وفرته الولايات المتحدة. إن تكلفة الإبقاء على هذا الوضع سوف تكون باهظة، كما أنها ستزداد أكثر فأكثر عندما تجبر شعوب المنطقة حكامها على اتخاذ مواقف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، تنسجم بقوة مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.

إن الثمن الذي يجب أن تدفعه إسرائيل مقابل سلام دائم هو أقل بكثير مما يمكن أن نتخيل. في أرض قليلة السكان نسبياً، وحيث نصف مواطنيها في الغالب، هم خارج البلد في اي وقت 46، وحيث قل حماس شبانها للحرب الحقيقية بشكل كبير. فإن السلام- وخاصة السلام الذي يكفل حقوق اليهود والفلسطينيين وفق القانون الدولي - يجب أن يكون مطلباً ملحاً. وما على إسرائيل فعله إلا أن تكون دولة ديمقراطية تجاه جميع مواطنيها وأن تترجم قانونها الخاص بالعودة على أسس قانونية وليست عنصرية. وبفعل قدراتها في مجال الإستيعاب، يجب أن تعطي أولوية لأولئك الذين يحملون للعودة وليس لأولئك حاملي بذور الصراع والحرب. يجب أن تعطى الأولوية لمن يملك وليس لمن يسلب.

إذا فشلت إسرائيل في إلتقاط هذه الفرصة، فسوف تعرض الشرق الأوسط على الأقل لخمسين عام من سفك الدماء. لقد دفع اللاجئون أكثر من حصتهم من هذه المعاناة، وآن الاوان لأن يستعيدوا حقوقهم.