أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله

لعله ليس من نافلة القول أمام هذا الجمع الكريم الذي يعرف دقائق قضية فلسطين أن نكرر أن أهداف الصهيونية وتطبيقاتها كانت ومازالت ثلاثة: أولها نفي الشعب الفلسطيني بالطرد والقتل والإرهاب والابادة الجغرافية، وثانيها الاستيلاء على أرضه وأملاكه وثرواته الطبيعية، وثالثها إزالة آثاره الحضارية والدينية والتاريخية وإنكار هويته.

وقد استمر الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور وخلال الانتداب، وبالأخص اثناء النكبة وبعدها حتي اليوم، يقاوم هذه الاهداف الثلاثة بدرجات متفاوتة من النجاح.

وأبرز شاهد، ثابت ودائم، على جريمة الصهيونية هم اللاجئون أنفسهم. فقد ضاعت الأرض، وبقيت الهوية في القلب، وبقي اللاجئون يصارعون عدوهم العالمي، ويأملون بالعون من أخيهم العربي.

ولذلك، فلاعجب أن اللاجئين عادوا إلى الدفاع عن حقوقهم، فور انتهاء حرب 1948 وتوقيع اتفاقيات الهدنة.

ففي قطاع غزة، حيث تجمعت قرى فلسطين الجنوبية، عاد الفدائيون سراً إلى العمل رغم حظر الادارة المصرية ايام الملك فاروق. وفي عام 1950 عقد مؤتمر للاجئين نشأت عنه اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين، وهو أول تنظيم شعبي يطالب بحق العودة، وتحت غطائه زاد نشاط الفدائيين، خصوصاً بعد ثورة يوليو 1952، عندما تعيّن أحد الضباط الاحرار، وهوعبد المنعم عبد الرءوف من الاخوان المسلمين الذين شاركوا في حرب 1948، مسئولاً عن شرطة الحدود الفلسطينية ودرب 250 متطوعاً، وقد حكم عليه بالاعدام، لانه رفض الانصياع لاوامر ايقاف العمليات الفدائية. ولكن بعد اعتداءات اسرائيل المتكررة عيّن عبد الناصر الضابط المعروف مصطفي حافظ الذي كون رسمياً كتيبة من اللاجئين للاعمال الفدائية. وفي نهاية الخمسينات بدأت الجمعيات السرية الفلسطينية تتكون من اللاجئين، من أجل العودة إلى الوطن وتحرير أرضه، إلى أن تكونت منظمة التحرير الفلسطينية والباقي معروف.

أما في الضفة الغربية فقد بادر اللاجئون إلى تكوين تنظيمات متعددة ولكن النتيجة كانت مختلفة. فقد عقد محمد نمر الهواري (الذي كان رئيس النجادة لمنافسة المفتي) مؤتمراً في رام الله في 1949/3/17 سماه "مؤتمر اللاجئين الأول"، وأرسل وفداً إلى لوزان من كبار ملاك الاراضي لاسترجاع أموالهم النقدية والموافقة على التعويضات. ولقد أتهم بالخيانة وأغلقت مكاتبه وهرب إلى اسرائيل. كما أنشئت لجنة مهجّري اللد، ولجنة أخرى باسم اللجنة العامة للاجئ حيفا والجليل، لم تقبل في عضويتها من تعاونوا مع اليهود، ولجنة ثالثة باسم لاجئي قرى القدس الذين تضرروا من التخطيط العشوائي لخط الهدنة، وكذلك أخرى باسم أهالي قرى المثلث، وكانوا أكثرهم غضبا وحنقاً، لان الملك عبدالله سلّم قراهم إلى اليهود دون قتال، وخارج مباحثات رودس.

وعلى عكس جهود لاجئي غزة التي أثمرت تكوين المجلس التشريعي في غزة في بداية الستينات، لم تفلح جهود اللاجئين في الضفة في ايجاد كيان مستقل، لان الملك عبدالله استعان بالزعامات التقليدية الكبيرة والصغيرة لعقد مؤتمر شعبي في اكتوبر 1948، نكاية في إعلان حكومة عموم فلسطين في غزة التي يرأسها المفتي، وعقد مؤتمر ثان في اريحا وثالث في نابلس وآخر في الخليل برئاسة الجعبري لمبايعة الملك عبدالله "منقذاً لفلسطين".

ومن الضروري أن نذكّر الجميع، عند مناقشة انتخابات المجلس الوطني الجديد في الاردن، أن الاردن تعهدت في ذلك الوقت الا تعقد صلحاً منفرداً مع اسرائيل وأن ضم الضفة الغربية لن يؤثر سلباً على الحقوق الفلسطينية، وأن هذه الحقوق ستبقي مصانة. وعارضت الدول العربية في البداية هذا الضم، وأرادت مصر أن تسمح للازهر بإصدار فتوي ضد ذلك. ولكن الجامعة أعلنت موافقتها على الضم على أساس أن فلسطين "أمانة في عنق الاردن إلى حين تحرير فلسطين".

وعندما أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وخصوصا عندما تولت فتح قيادتها عام 1969، كان الهدف أولا وأخيراً انشاء منظمة فلسطينية مستقلة عمادها استعادة حقوق اللاجئين في أرضهم.

من المؤسف أن تكون هذا العجالة ضرورية لنذكر في هذا الزمان، الذي أصبحت فيه كيفية التعايش مع الاحتلال الصهيوني لما تبقي من فلسطين وتنظيم المعابر وغير ذلك من الفتات من أساليب السياسة الواقعيةو بديلا عن القضية الرئيسة، الاولي والوحيدة، وهي استعادة الفلسطينيين حقوقهم الوطنية الثابته. لقد تكاثر تناسخ نمر الهواري في هذا الزمان ولكن مصيرهم سيكون مثل مصيره.

اما موقف الدول العربية فهو معروف لكم جميعاً منذ البداية، عندما عمت مظاهرات الشعب العربي الساخطة العواصم العربية تنادي بانقاذ فلسطين بعد المذابح الصهيونية في ربيع 1948 قبل خروج الانجليز، فدخل بعضها فلسطين بقوات غير مؤهلة رفعاً للعتب، ودخل بعضها طمعاً في كسب حصة من غنائم الحرب.

وعلى المستوي الدبلوماسي بعد حرب 1948 في كيفية التعامل مع اللاجئين، قررت الجامعة العربية عام 1954 منع ازدواج الجنسية، حرصاً على عدم ذوبان الهوية الفلسطينية، لكن بروتوكول الدار البيضاء قرر في 1965/9/11 مساواة معاملة اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم بمواطنيهم في الحقوق المدنية والاقتصادية ومنحهم وثائق سفر وليس جوازات سفر لتسهيل سفرهم.

لكن الجامعة عادت في مارس 1970 إلى السماح بازدواج الجنسية، فوافقت عليه بعض الدول العربية فأمكن الجمع بين الجنسيتين المصرية واللبنانية، وكذلك الاردنية والعراقية، ولم توافق أخرى مثل الكويت والسعودية.

وهذا التخبط في الرأي مرده اساساً حماية الدول العربية لنفسها من تجنيس الفلسطينيين، وظاهره حماية الهوية الفلسطينية من الضياع. وقد أصبح المجتمع العالمي الآن يفرق بين الهوية القومية (Nationality) والمواطنة (citizenship). فبينما تبقي الاولي صفة ملازمة للشخص لا تكتسب غالباً بالتنقل والإقامة، تبقي الثانية حقاً مكتسباً لمن أقام بصفة قانونية في بلد ما حسب قانونها.

وبينما وضعت الدول العربية مشروع تحرير فلسطين على الرف، وجهت جهودها نحو رعاية اللاجئين المقيمين على أراضيها والحرص على الا يؤثر ذلك على أمنها الوطني، ليس لان هدف اللاجئين استبدال فلسطين بالبلد المقيم، بل لان روح المقاومة الوطنية التي تغلي في نفوس اللاجئين قد تثير نفس الروح في الشعب العربي المضيف.

لهذا الاسباب قررت الجامعة العربية في 1959/9/7 بأن تنشئ حكومة كل دولة عربية جهازا يختص بجميع ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وفي عام 1961، قرر مجلس الجامعة عقد اجتماع سنوي لرؤساء هذه الاجهزة فيما سمي فيما بعد وإلى اليوم، "مؤتمر المشرفين على شئون اللاجئين". ويعقد هذا المؤتمر مرتين في العام لمناقشة كافة القضايا التي تهم الدول المضيفة حول اللاجئين.

وباستثناء رقابة أمنية صارمة على اللاجئين، فإن مؤتمر المشرفين لم يحقق شيئاً ملموساً لتحقيق الاهداف الوطنية الفلسطينية، ولم ينجح حتي في اعتماد صيغة نهائية لتطوير أعماله.

أما موقف الدول الغربية، وهي الدول الاستعمارية الاوربية وامريكا، فقد كان موقفها، ولايزال، إلى اليوم معادياً معاداة لاهوادة فيها لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة.

ومع أن معظم هذه الدول صّوت لصالح الحقوق الفلسطينية في الامم المتحدة، على الاقل حتي أوسلو عام 1993، إلا أن كل المشاريع التي قدمت لحل مايسمي بمشكلة السلام في الشرق الأوسط، وعددها لا يقل عن 40 مشروعاً منذ عام 1948، كلها بلا استثناء تخالف القانون الدولي، وتؤيد اسرائيل في تطبيق اهداف الصهيونية الثلاثة، وتدعو إلى الخلاص من الفلسطينيين بتكريس التنظيف العرقي بالنفي والتوطين والوعد بتعويضات تافهة لبيع الوطن.

ولعل أبلغ دليل على هذا الخداع الغربي، أنه بينما كان الغرب يتغني بالقانون الدولي علناً، كان يدبر للتخلص من الفلسطينيين سراً.

فقد جاء في وثيقة عثرت عليها قبل عامين في أرشيف الكويكرز بفيلادلفيا، أن الخارجية الامريكية عقدت اجتماعاً سرياً في واشنطن في 1949/6/15، دعت إليه 35 شخصاً يمثلون جمعيات الإغاثة والكنائس وشركات البترول والمقاولات والشحن، لكي تخطط لنقل اللاجئين إلى بلاد عربية بعيدة، وتطلب من الحاضرين دعماً مالياً ولوجستياً لتنفيذ مخطط التوطين، هذا في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة عضوا في هيئة التوفيق الدولية التي كانت تناقش في لوزان كيفية تطبيق قرار العودة رقم 194.

لكن محاولات التصفية الغربية لقضية اللاجئين انتكست أنتكاسة كبري عام 1974 عندما صدرت عدة قرارات في الأمم المتحدة تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحقه غير القابل للتصرف في العودة إلى نفس الديار التي طرد منها عام 1948، وإلزام الدول الاعضاء بمساعدته في التحرير ولو بالسلاح.

وأصبح اللاجئون لاول مرة بشكل قاطع لا ينازعهم فيه عدو أو صديق أصحاب القرار في منظمة التحرير الفلسطينية، وقضيتهم هي سبب وجود هذه المنظمة وغاية أعمالها. والسبب طبعاً في هذا النجاح هو صعود نجم المقاومة المسلحة والتنظيم الشعبي لكافة فئات الفلسطينيين المهنية والعمالية والنساء والطلاب وإعادة تركيب المجتمع الفلسطيني في المنفي، وفي نفس الوقت الهزيمة المعلنة للدول العربية في حرب 1967 واهتمامها بشئون أمنها الوطني المحدود.

على أن هذا الانتصار الكبير لقضية اللاجئين والتحرير الوطني في السبعينات قد تآكل بسرعة، ولم يمكن تحقيق عوائد سياسية منه عدا الاعتراف بالمنظمة وفتح سفارات لها في بلاد يفوق عددها البلاد التي اعترفت باسرائيل.

لم يمكن حتي اليوم المعرفة الوثيقة لاسباب هذا التآكل. لكن من الواضح أنه بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان وخروج المنظمة منه، بدأ تغير في الموقف القيادي الفلسطيني وبدأ الحديث عن فصل التحرير والعودة إلى الوطن إلى عنصرين: الأول هو القبول بتحرير الجزء المحتل من فلسطين عام 1967، والثاني المطالبة بشكل مستقل بعودة اللاجئين إلى ديارهم بغض النظر عن السيادة القائمة على ذلك المكان. وقد تأكد ذلك في مؤتمر الجزائر عام 1988 الذي وافق معظم اعضائه (ولم أكن منهم) على قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة.

لكن معالم هذه الاتجاه كانت ظاهرة في منتصف الثمانيات قبل إعلان قيام الدولة، ففي تاريخ لم يمكنني الجزم به، انشئت دائرة العائدين، وتحول اسمها بعد القبول بها إلى دائرة اللاجئين، وكأنما كان هناك إقرار بأن قضية اللاجئين واحدة من قضايا المنظمة، وليس قضيتها الأولي ولا سبب وجودها.

عين رئيساً لاول دائرة للاجئين أبو ماهر (أحمد اليماني)، ثم أبو علي مصطفي. لكن التهميش الكامل لدائرة اللاجئين بدأ بعد اتفاق اوسلو الذي خلا من أبسط قواعد القانون الدولي، واكتفي بنوع من التسوية هو قبول الضعيف بإملاءات القوي، بحيث يستطيع القوي تجاهل بنود الاتفاق اذا لم ترق له، ويستطيع إجبار الضعيف على تنفيذها اذا كانت في مصلحته.

بعد صراع على رئاسة الدائرة تعيّن أسعد عبد الرحمن رئيساً لها واستقال اثناء مفاوضات كامب دافيد لعدم تمثيل الدائرة، ثم تولي الدائرة لفترة محمود عباس وبعدها تعين زكريا الاغا رئيساً للدائرة، ولا يزال إلى الآن.

ولقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على أعمال الدائرة منذ عام 1997 حتي اليوم، وذلك بالمشاركة في المؤتمرات وكتابة المذكرات وتقديم الاقتراحات وأوراق العمل، وذلك بفضل تعاون شخصي من رؤساء الدائرة: أسعد عبد الرحمن وزكريا الأغا، يشكرون عليه لاتاحة هذه الفرصة لي.

ولدي الدائرة مكاتب في غزة ورام الله وعمان وبيروت ومكتب صغير في نابلس. وجهازها مكون من خليط من قدامي فتح وبعض المختصين وجهاز إداري. وميزانيتها من أضعف الميزانيات، وإنتاجها شبه معدوم، ومعنوية كادرها شبه منهارة.

ورغم وجود بعض العناصر المخلصة، الإ أن عدم الاكتراث والتقرب من الجهات الأجنبية للتمويل هو الغالب، بل إن بعض أفرادها يقيم صلات وثيقة بالجانب الاسرائيلي.

إن حالة دائرة اللاجئين محزنة للغاية، وإهمالها يصل إلى حد الجريمة في حد الوطن. فهذه الدائرة، بعد أن أصبحت جزءا لا كلاً من المنظمة، تمثل ثلثي الشعب الفلسطيني، أي ما يقرب من 6 ملايين شخص، ولو أضفنا إليهم النازحين بعد حرب 1967 لأصبح عددهم 7 ملايين شخص، أي ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني مهجرون من ديارهم مرة أو مرتين.

فهل يعقل أن يتولي شئون غالبية الشعب مكاتب نائمة مهمشة ليس لها تأثير يذكر، وهل المقصود هو ابقاء الدائرة كرمز للقضية وجهة الاتصال مع وكالة الغوث، استعداداً للتوقيع باسم المنظمة فيما بعد؟

إن الوضع السليم يقضي بان دائرة اللاجئين تشكل جهازا من أقوي الاجهزة، يعمل فيه ما لا يقل عن 100 خبير في الشئون القانونية والسكانية والجغرافية والاحصائية والاقتصادية والإعلام والبحوث والعلاقات الدولية، وأن تصدر أوراقاً حقائقية وسياسية عن كل موضوع، وأن تتمثل في كل المؤتمرات ويكون لها اتصال وثيق ومستمر باللاجئين في الوطن والمنفي عن طريق لجان محلية منتخبة ذاتياً، ويكون لها صوت في السياسة العربية والدولية وفي كل المحافل الدولية الشعبية والرسمية. والقائمة طويلة لكنها موجودة.

وحتي لو تركنا الدائرة في حالها، فلن يتركها اعداؤنا. إذ يقوم العدو الصهيوني عن طريق الكونجرس وبمساعدة الاتحاد الاوربي على تهميش وكالة الغوث وتقزيم دورها، حيث أنها الشاهد الوحيد الموثِق لقضية اللاجئين وهي العنصر الوحيد الباقي من قرار 194، وهي الوكالة الوحيدة التي تخضع مباشرة للجمعية العامة.

ومنذ حوالي سنتين، بدأت هذه المحاولات. أولها بحجة الاشراف على الوكالة وتحسين ادائها، دون تغيير ميثاقها. ثم اٌدخل عليها الآن ماسمي "بهيئة استشارية" لتحديد أوجه الصرف على مشاريع الوكالة من قبل أكبر المانحين. وهذا معناه أنه خلافاً لما سبق، فإن امريكا واوربا تحدد عدم طباعة كتاب مدرسي لان فيه اسم فلسطين، أو تمنع إعادة بناء بيوت في رفح التي هدمتها اسرائيل لان هذا يعتبر مشاريع إسكانية. وغير ذلك كثير يقصر الوصف عنه هنا.

أين الدائرة من كل هذا؟ يقوم المخلصون بجهد قليل، ولكن حجم المهمة يحتاج إلى أضعاف أضعاف هذا الجهد. ولو تحددت أهداف الدائرة على أسس وطنية واضحة وصرف عليها جزء مما يصرف على مايسمي بالأجهزة الأمنية، لكانت قضيتنا الأولي في وضع أفضل بكثير.

لهذا كله، لم يكن غريباً أن قامت فئات عديدة من الشعب الفلسطيني بعد أوسلو للدفاع عن اللاجئين وحق العودة، فمنذ عام 1993 تكونت مئات اللجان الشعبية في كل أماكن تواجد اللاجئين، من مخيمات رفح إلى جامعات فرانسيسكو، وعقدت مؤتمرات هامة في معظم العواصم الاوربية والامريكية، وبعدها سمح باستحياء بعقد مؤتمرات مشابهة في بعض العواصم العربية. وصدرت خرائط وكتب وأفلام ومواقع الكترونية عن اللاجئين وحقوقهم غير القابلة للتصرف. وتمثلت هذه اللجان في مؤتمرات دولية لحقوق الانسان ومؤتمرات شعبية وبرلمانية. وهذه التجماعات عديدة وأغراضها متشابهة، ومنها من له انتشار دولي مثل تحالف حق العودة، ومؤتمر حق العودة وغيرها.

وقد تصدت هذه التجمعات الشعبية لمحاولات التفريط في الحقوق الفلسطينية. ونحن نذكر أن مشاريع التوطينو الإقصاء عن الوطن تقدمت بها دول غربية ما بين 1948 – 1967، وتقدمت بها اسرائيل في الفترة 1967 – 1993. لكن من مهازل القدر أنه بعد أوسلو اشتركت فئة ضالة فلسطينية، ولاول مرة في تاريخ الصراع، مع اسرائيلين لاقتراح مبادرات لتصفية قضية اللاجئين، أعلنت في مهرجانات عقدت في العواصم الاوربية بمباركة الغرب ومباركة القيادة الفلسطينية بشكل معلن أو خفي. هذه البثور التي طفحت على جسم الأمة ليست لها قيمة أخلاقية أو قانونية، لأنها لا تمثل جماهير الشعب ولان حقوقنا غير قابلة للتصرف، ولكنها أضرت بقضيتنا في المحافل الدولية (وأنا شاهد على ذلك) لأنها أعطت الانطباع الخاطئ عن مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني.

لقد نشأت هذه التجمعات الشعبية لكي تملأ الفراغ الرهيب الذي خلفه غياب التأكيد الفعلي، وليس الرسمي فقط، على حق العودة، وهزال دور دائرة اللاجئين في هذا الواجب، وهو قصور لا يغتفر من القيادة الرسمية. وستبقي هذه التجمعات تقوم بدورها للتعبئة والإنارة والتحذير من مواردها الخاصة ومن متطوعيها، على أمل أن تصبح الدائرة شريكا فاعلاً مؤثراً في هذا الجهد الوطني، فهذا دورها وسبب وجودها.

ولكي نستشرف المستقبل ونضع له الخطة المناسبة، يجب أن نسأل أولاً من هم اللاجئون، وأين هم الآن.

أيها الأخوة والأخوات

لا يمكن أن يستمر تهميش ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، فهذه جريمة لا تغتفر. وإذا كان الولع السابق بالسلطة الفلسطينية تحت الاحتلال قد همد بعد تولي حماس الحكومة الفلسطينية إثر انتخابات نزيهة، واذا كان فقدان السلطة من الحرس القديم قد أدي بهم إلى بعث المنظمة من جديد، فلابد أن نستفيد من هذه اللحظة لتصحيح الأوضاع.

صحيح أن محاولات المجتمع المدني لاعادة هيكلة منظمة التحرير قد باءت سابقاً بالفشل والإهمال المتعمد من قبل القيادة. وعلى سبيل المثال، قدمنا مذكرات منذ عام 1998 إلى المرحوم أبو عمار ومحمود عباس وسليم الزعنون وفاروق القدومي ورؤساء الفصائل، وتصدّر هذه الجهود المرحومان ادوارد سعيد وابراهيم أبو لغد، ولكن لم يأبه أحد في السلطة والمنظمة آنذاك حتي بالرد.

صحيح أن بعض المحاولات لاعادة هيكلة المنظمة الآن لها أغراض حزبية محضة. ولكن في المقام الأول قبل هذا كله يجب تكوين مجلس وطني نظيف كفء عدده لا يتجاوز 250 أو 300 عضوا بمعدل معقول، وهو عضو لكل 40ألف شخص، تمثل فيه كافة فئات الشعب الفلسطيني في الدخل والخارج، بما فيهم ثلاثة أرباعه من اللاجئين والنازحين.

يقول المرجفون ان الانتخابات النزيهة غير ممكنة في كل الأماكن، كما اننا لانعرف أين هم اللاجئون، بل لا نعرف أين كافة الفلسطينيين. هذا الكلام غير صحيح.

في أوربا، يمكن عقد الانتخابات لما مجموعه 150،000 فلسطيني، معظمهم لاجئون من لبنان. وفي امريكا وكندا، يمكن عقد الانتخابات لما مجموعه 250،000 فلسطيني. وفي امريكا الجنوبية، توجد مجموعات من المهاجرين الجدد والقدامي، ويمكنهم عقد انتخابات. وفي سوريا ولبنان يمكن عقد الانتخابات، وفي مصر والخليج لا يمكن عقد انتخابات الإ بالاتفاق مع الحكومات، أو عن طريق الاجماع الودي. اما في مناطق السلطة، فأن انتخابات المجلس التشريعي قد حسمت الأمر، هذا مع العلم بأن 33% من كافة الفلسطينيين (أو ربع اللاجئين) هم في مناطق السلطة، ولا يمكن تمثيل المجلس التشريعي بنصف اعضاء المجلس الوطني، فهذا يعني أن الفلسطيني هناك يساوي 1.5 من فلسطيني الخارج.

أما في فلسطين 1948، فيوجد 285،000 لاجئ من أصل 1،200،000 فلسطيني هناك، ويجب تمثيلهم، خلافاً لموقف المنظمة السابق.

وفي الاردن يوجد أكبر عدد من الفلسطينيين خارج فلسطين، يبلغ عددهم عام 2005، 2،900،000 غالبيتهم الساحقة من اللاجئين والنازحين، ويمثلون جميعاً 30% من كافة الفلسطينيين. ومسألة تمثيلهم في المجلس الوطني، أو حتي في دائرة اللاجئين، مشكلة مزمنة.

ولكني لا أعتقد أن جهداً كافياً قد بذل في هذا الشأن. اولاً يمكن العودة إلى تأكيدات الاردن عام 1950 حول ضمان الحقوق الفلسطينية. ثانياً يمكن الاستعانة بقرارات الجامعة وتحفيزها لاتخاذ دور دبلوماسي فعال. ثالثاً يمكن الاستفادة من الوضع الدولي الذي يؤكد على ضرورة تطبيق الديموقراطية. ورابعاً وربما أولاً هو المحادثات الهادئة مع الاردن حيث ان حقوق الفلسطينيين في فلسطين لا تتناقض مع مواقف الاردن، والمواطنة هي غير الهوية، واذا كان اليهودي البريطاني واليهودي الامريكي يستطيع أن يعيش في اسرائيل ويحارب في جيشها دون أن يخسر جنسيته، واذا كان الفلسطينيون المواطنون في اوربا وامريكا يستطيعون الانتخاب والترشيح للمجلس الوطني، فلماذا لا يستطيع ذلك الفلسطيني في الاردن؟ وإذا لم تنجح هذه الجهود، فهناك طرق أخرى قانونية عديدة عن طريق التمثيل غير المباشر وغير ذلك.

إذن فالركيزة الأولي لتفعيل حقوق اللاجئين هي انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني على أسس نزيهة ديموقراطية، ومنه تتكون اللجنة التنفيذية التي تعطي اللاجئين الاولوية القصوي في جهودها.

والركيزة الثانية للعمل من أجل حقوق اللاجئين هو إعادة تفعيل التربية الوطنية وثقافة العودة. إن 86% من الفلسطينيين لم يولدوا قبل عام 1948 وأن 6% منهم فقط يحتفظون بذكري واضحة عنها. ولذلك فإن معلومات الغالبية ناقصة، خصوصاً وأن برامج التعليم الفلسطيني قد همشت حقيقة التاريخ الفلسطيني، بسبب الضغوط الخارجية. إن 45% من الشعب الفلسطيني أقل من 15 سنة، أي أن نصف الفلسطينيين على الاقل يحتاج إلى دراسة شاملة وتذكير مستمر بحقوقه التاريخية.

والركيزة الثالثة هي تفعيل دور المجتمع المدني بين اللاجئين في الداخل والخارج، وتنظيمه في مؤسسات شعبية فعالة. ويجب انتخاب لجان شعبية في كل المخيمات والتجمعات الفلسطينية، ويجب تنسيق أعمالها، وليس قيادتها، خلال مجلس عام عالمي يضم جميع اللجان والجمعيات والهيئات على أساس التوافق وليس السيطرة. ويجب دعمها مالياً، حيث أن معظمها معدوم الموارد، ودعمها إعلاميا بالمواد والاشخاص، ودعمها سياسياً اثناء تمثيلها في مؤتمرات اقليمية.

والركيزة الرابعة هي توثيق الصلات مع المحافل الدولية الشعبية منها والرسمية. لقد قطعت لجان حق العودة شوطاً كبيراً في هذا المجال، ووثقت صداقات وتحالفات مع منظمات أجنبية لحقوق الانسان أو ضد العنصرية أو ضد الاحتلال أو لنصرة فلسطين. لقد كان دور دائرة اللاجئين غائباً تماماً عن هذا النشاط، ولم تقدم المنظمة أي دور في الخارج عدا النشاط الذي قام به بعض السفراء الفلسطينيين المتميزين، بحافز شخصي. ولذلك فإن دور الدائرة الجديد يستطيع دعم كل هذه النشاطات، وليس السيطرة عليها. وتستطيع الدائرة أن تكون الظهير لكل هذه الجهات الشعبية، وتكون المتصدر في العلاقات الرسمية. وهذا يتطلب أن كادر الدائرة يتمتع بحس وطني عال مع مستوي عال من الثقافة الاجنبية لغة وقانوناً واجتماعياً.

أيها الاخوة والاخوات

هل يعقل أن يترك ثلاثة أرباع شعبنا دون تمثيل، وحقوقه دون مدافع؟ بل الاسوأ: هل تترك هذه الحقوق ليساوم عليها ويبيعها أصحاب المبادرات والأطماع وأرباب الفساد؟

هل يمكن أن نكون أقل وطنية أو أقل كفاءة أو أقل إدراكا لامور العالم اليوم من أهلنا، الذين رفضوا الاستسلام قبل خمسين سنة وهم لم يملكوا ما نملكه اليوم من قوة ومعرفة وانتشار؟

هذا لن يمكن ابداً. وعلينا أن نبدأ في العمل بأول خطوة.

وما ضاع حق وراءه مطالب.

والسلام عليكم

شكل رقم 1: الفلسطينيون في ديارهم قبل 1948.

عاش الفلسطينيون في 1303 مدينة وقرية بما فيها 181 مستعمرة صهيونية وقعت منها 774 مدينة وقرية فلسطينية تحت سيطرة اسرائيل عام 1948.

شكل رقم 2: النكبة: تهجير أهالي 675 مدينة وقرية من ديارهم.

طرد أهالي 675 مدينة وقرية وأصبحوا لاجئين، بينما بقي أهالي 99 قرية في اسرائيل.

شكل رقم 3: المنافي في ما تبقي من فلسطين والدول العربية المجاورة.

نفي اللاجئون المسجلون إلى 602 موقع تشرف عليه وكالة الغوث، هذا عدا حوالي 1.5 مليون لاجئ غير مسجل لدي الامم المتحدة يعيشون في المدن العربية والأجنبية.

شكل رقم 4: التوزيع الجغرافي للفلسطينيين عامة واللاجئين خاصة عام 1998.

رغم انتشار الفلسطينيين في العالم لا يزال 88% من الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي الدول المجاورة قرب الحدود.

شكل رقم 5: التوزيع العالمي للفلسطينيين عام 2005.

يقترب عدد الفلسطينيين من عشرة ملايين، لكن ثلثيهم من اللاجئين وثلاثةأرباعهم من اللاجئين والنازحين.

شكل رقم 6: خطة التنظيف العرقي وإتجاهاته.

طرد اللاجئون إلى الدول المجاورة لكن معظم القرى بقيت متماسكة ولم تنتشر في أكثر من منطقتين من مناطق الغوث. ولا يزال 94% من اللاجئين يعيشون على قرب 100 كم من الوطن.

شكل رقم 7: الباقون في فلسطين واللاجئون المسجلون في المنفي عام 2002. (عدا أقصي الشمال والجنوب)

بقي في فلسطين 1948 اليوم أكثر من مليون فلسطيني من بينهم 285 ألف لاجئ. وفي باقي فلسطين والبلاد المجاورة يوجد حوالي 6 ملايين لاجئ مسجلو 1،700،000 لاجئ غير مسجل.

شكل رقم 8: التوزيع الجغرافي لعدد القرى المهجرة في أقطار اللجوء.

يمكن بيان اسماء وعدد القرى التي هاجرت إلى باقي فلسطين والدول المجاورة، ولذلك يمكن عمل انتخابات لهذه القرى حسب مواطنها الأصلية، وليس مكان اللجوء.