ليس للشعب الفلسطينى، الذى اقترب تعداده الآن من احد عشر مليونا، صوت ديموقراطى شامل يشارك في تقرير مصيره وأخذ مقاليد أموره بيده. وهذا يهدد بشكل خطير وحدة الشعب الفلسطينى وتمثيله، التى تحققت عربياً في عام 1964 بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها الوطنى بقيادة أحمد الشقيرى، وتحققت عالمياً في عام 1974 بقيادة ياسر عرفات باعتراف الأمم المتحدة بالمنظمة وبحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف وباعتماد مجلسها الوطنى بين برلمانات العالم واعتماد سفاراتها في الخارج.

وعندما أجريت أنتخابات شهد لها العالم بالنزاهة في عام 2006 وفازت حماس بأغلبية كاسحة، رفضت فتح الاعتراف بهذه النتيجة، كما اعتقلت إسرائيل معظم نواب الشعب وأودعتهم السجن، هم والديموقراطية التى يتغنى بها جورج بوش ومشايعوه. وهذا مثال واضح على ازدواجية المعايير والنفاق السياسى.

لكن الأهم بالنسبة للشعب الفلسطينى أن الصراع بين رام الله وغزة، إما على المناصب والمكاسب أو على الاستراتيجية السياسية، أضر بالقضية الفلسطينية ضرراً كبيراً، وغابت عن القرار مرجعية الشعب الفلسطينى بأكمله، وأجهض بذلك الإنجاز الفلسطينى الأكبر منذ النكبة.

أما الديموقراطية التى أودعت السجن الإسرائيلى والأمريكى فهى تعنى صوت 30% من الشعب الفلسطينى الذى يعيش في الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967. أما صوت 70% من الشعب الفلسطينى في البلاد العربية والأجنبية، فلا وجود له منذ آخر اجتماع للمجلس الوطنى الفلسطينى، له مصداقية مقبولة، في الجزائر عام 1988.

وقد تم الاتفاق في آذار / مارس 2005 في القاهرة بين كل الفصائل الجديدة والقديمة على آلية تنفذها اللجنة التحضيرية لانتخابات مجلس وطنى جديد، ولكن لم تدع القيادة الفلسطينية الحالية إلى اجتماع هذه اللجنة منذ ذلك الحين، ووقفت عقبة في طريق من حاولوا ذلك.

لقد ولد نصف الشعب الفلسطينى بعد اجتماع الجزائر، ولا صوت لهم اليوم. وأطفال الحجارة الذين أشعلوا انتفاضة 1987 هم اليوم رجال ونساء لهم شأن كبير في المجتمع الفلسطينى في الداخل والخارج أكثر بكثير ممن أمسكوا زمام القيادة منذ ذلك العام إلى اليوم.

لقد مضى عشرون عاماً على آخر مجلس وطنى في الجزائر والذى بلغ عدد اعضائه 445، توفى منهم 30 واستقال بسبب المرض وكبر السن 20 على الأقل، وتعين لاسباب عسكرية لم تعد موجودة حوالى 25 عضو، واعتزل الكثيرون العمل السياسى لاسباب متعددة. ومن كان شاباً يمثل الطلاب أصبح اليوم عجوزا أبيض الشعر يتوكأ على عصا.

ومن الواضح للجميع أنه ظهرت بعد ذلك قوى سياسية وعسكرية هامة، تصدرت أحيانا الميدان السياسى، لا يمكن تجاهلها. وعدم موافقة طرف على برنامجها لا يمكن أن يكون سبباً في استبعادها، فهذا ليس من صلاحية طرف أو آخر، بل هو حق الشعب الفلسطينى الذى يقرر اختياراته بنفسه.

أما ما سمى بعقد مجالس وطنية في الأراضى المحتلة في التسعينات من القرن الماضى فهو مناسبات سياسية لا تحظى بالإجماع أو القبول العام.

ولم يتوقف الشعب الفلسطينى عن المطالبة بتمثيله. فقد عقد مؤتمرلندن في عام 2003، ومؤتمر بيروت عام 2007، لهذا الغرض. كما عقدت مؤتمرات شعبية للجاليات في برشلونة وروتردام عام 2007 وكوبنهاجن وكاليفورنيا عام 2008 ومؤتمر دمشق في أوائل هذا العام. وستعقد مؤتمرات أخرى هذا الصيف، كلها تطالب بوحدة الشعب الفلسطينى عن طريق مرجعية واحدة هى المجلس الوطنى الجديد المنتخب. وقبل أكثر من عام قابل وفد من مؤتمر حق العودة الرئيس محمود عباس مرة ورئيس المجلس الوطنى سليم الزعنون عدة مرات، طالبين دعوة اللجنة التحضيرية لانتخاب مجلس وطنى جديد، ولم تكن النتيجة سوى التسويف والمماطلة والأعذار، بل والاتهامات لمن يسعون إلى ذلك.

من هذه الأعذار، صعوبة عقد الانتخابات إذ لا تسمح بها بعض الأنظمة. والجواب: هذه مهمة اللجنة التحضيرية التى تشمل من بين اعضائها ممثلين عن الجاليات الفلسطينية. وكل جالية تدرس ظروفها. ومن الواضح أن الانتخابات ممكنة في كل البلاد الأجنبية وبعض البلاد العربية. ولدينا مثال في اجراء انتخابات العراق في معظم بلاد العالم. وحيثما تصعب الانتخابات في بعض البلاد العربية يمكن تذليل الصعوبات بالتفاوض معها والارتكاز على الحقوق الدولية التى تدعمها الأمم المتحدة والمجتمع الشعبى الدولى. وإن لم يمكن، فهناك درجة كبيرة من التوافق على ممثلين لجهات ثقافية واجتماعية واكاديمية وعمالية واقتصادية وجغرافية تصلح أن تكون بديلاً عن الانتخابات المباشرة في هذه الحالات.

ومن الأعذار أيضاً عدم معرفة عدد الفلسطينيين ومكانهم. وهذا عذر واه فلدينا قاعدة معلومات لستة ملايين فلسطينى. ومن حسن الحظ أن الشعب الفلسطينى متماسك اجتماعياً ولن يكون من الصعب التعرف عليه.

ومن الأعذار أيضاً عدم رغبة إسرائيل وأمريكا وبعض الأنظمة العربية في اختيار مجلس وطنى جديد. وهذا من أسوا الأعذار لأن نضال الشعب الفلسطينى على مدى نصف قرن أو يزيد كانت دائماً للدفاع عن حقوقه رغم كل الصعوبات المحلية والعالمية، وليس هذا بجديد. وبالطبع فإن سبب معارضة إسرائيل وأمريكا هى خوفها من تمثيل الشعب الفلسطينى تمثيلاً ديموقراطياً في مجلس جديد يتمسك بالحقوق الوطنية ويرفض التنازل عنها بشكل قاطع.

ومن الأعذار أيضاً معارضة أطراف فلسطينية لخوفها من الفشل في الانتخابات وضياع المناصب والمكاسب. ولعل هذا العذر هو ما يحفز الكثيرين إلى المطالبة بانتخابات جديدة.

وليس من المعقول أن تستمر مقاليد الأمور المصيرية للشعب كله محصورة في السلطة الفلسطينية، وهى مشغولة بحرب رام الله – غزة. فالسلطة الفلسطينية ليست لها شرعية دولية ولا أساس لها في القانون الدولى. فهى نتاج اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال. ولا يشير هذا الاتفاق من قريب أو بعيد لا بالقانون الدولى ولا بقرارات الأمم المتحدة ولا يذكر مرة واحدة "حقوق الشعب الفلسطينى".

كما أن اتفاقية جنيف الرابعة تقضى صراحة ببطلان أى اتفاق بين الدولة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال إذا أضر بحقوق الشعب المحتل، فهو عقد إذعان. ولذلك فإن السلطة الفلسطينية ليست ممثلة للشعب الفلسطينى كله.

هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن مطالبات اللجنة الرباعية للرئيس عباس بإرغام حماس على قبول مطالبها هو عمل غير شرعى. وقد علمنا الآن الظروف التى تمت بها هذه المطالبات عندما كشفت مجلة "فانيتى فير" بالوثائق ما كان يدركه الشعب ببصيرته. فالذى يقرر مصير الشعب هو مجلسه الوطنى المنتخب وليس السلطة وليس بالطبع اللجنة الرباعية التى هى أمريكا وحلفاؤها الفاعلون والصامتون.

لذلك فإننا ندعو كافة الشعب الفلسطينى في أماكن اللجوء والجاليات إلى المطالبة بأنتخاب مجلس وطنى جديد يحمى الحقوق الفلسطينية وأولها حق العودة عن طريق المؤتمرات والعرائض وتكوين الجمعيات الأقليمية التمثيلية. كما ندعو اعضاء المجلس الوطنى المنعقد في الجزائر 1988، ولهم تاريخ وطنى حافل، إلى المطالبة بتجديد مجلسهم عن طريق انتخابات ديموقراطية.

كما ندعو كافة الفصائل، والتى ايضاً لها تاريخ وطنى مجيد مشهود له، أن تراجع برامجها، الآن وقد توقف بعضها عن العمل العسكرى منذ 20 عاماً، واختلف بعضها فيما بينهم إلى فريق يدعو إلى التسوية والمفاوضات مع التنازلات وفريق يدعو إلى التمسك بالحقوق الفلسطينية والميثاق الوطنى لعام 1969، وفريق يتأرجح بين هذا وذاك، وأن يحسموا الأمر فيما بينهم، ويطلعوا على الشعب الفلسطينى ببرامج جديدة ووجوه جديدة وربما اسماء قيادات جديدة، لكى تثبت نفسها في ميدان الانتخابات الحرة.

كما ندعو التيارات السياسية الجديدة إلى إعلان برامجها وخططها السياسية بشكل أوضح لكى يتسنى للشعب الفلسطينى اختيارها من عدمه في الانتخابات.

كما نكرر الدعوة إلى الرئيس محمود عباس بضرورة دعوة اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطنى إلى الانعقاد ومؤازرة اعضائها الذين يمثلون الشتات إضافة إلى الاعضاء الحاليين، في جهودهم لدى الدول العربية والجامعة العربية وغيرها لتسهيل مهمتهم.

ونكرر الدعوة إلى الرئيس محمود عباس بإشراك الشتات في الحوار الفلسطينى، ففلسطين ليست حكراً على المتخاصمين في غزة ورام الله. ونرجو أن تكون دعوته إلى حوار شامل في خطابه في ذكرى نكسة 1967 دعوة جدية. وأن فكرة اختراع مجلس وطنى معيّن قد ولت إلى الأبد ومثلها فكرة تزويد اللجنة التنفيذية بأربعة مختارين أو عقد مجلس وطنى صورى "بمن يستطيع الحضور". كل هذه أمور لن يقبلها الشعب الفلسطينى.

إن الغضب عارم في جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطينى، والسخط، الذى قد يؤدى إلى الاحباط أو غيره، منتشر على نطاق واسع. وهذا ما يشهد به كل من تابع الأحداث عن قرب. ولن يقبل هذا الشعب إلا بمجلس وطنى جديد، بالانتخاب أو بالتوافق إذا لزم. وإلى أن يتم ذلك، فلن يوافق على أى قرار مصيرى، بل سيصر على تمثيله تمثيلاً ديموقراطياً حتى ولو أخذ الأمر بيده.